الاتحاد يُتوّج بكأس وزير الرياضة للجودو    "الرياض للبولو" يتوّج بطلاً لبطولة تشيسترز ان ذا بارك    نائب أمير حائل يشهد الحفل الختامي لبرنامج مسارات 2024 م    مجلس التعاون ودعم اليمن    زوجة «سفاح التجمع» تظهر من لندن: نجوت من مصير الفتيات !    كيت ميدلتون.. قد لا تعود أبداً إلى ممارسة دورها الملكي    «أرامكو»: 0.73 % من أسهم الشركة لمؤسسات دولية    مانشيني يواجه الإعلام قبل لقاء الأردن    400 مخالفة على الجهات المخالفة للوائح التعليم الإلكتروني    399 مخالفة على منشآت العمالة الموسمية بالمدينة    «الداخلية»: انطلاق الجلسات العلمية لمنتدى الخدمات الطبية    بعد ياسمين عبدالعزيز.. ليلى عبداللطيف: طلاق هنادي قريباً !    شريفة القطامي.. أول كويتية تخرج من بيتها للعمل بشركة النفط    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    استقبال 460 حاجاً من ضيوف خادم الحرمين من 47 دولة    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    الاقتصاد السعودي.. محركات قوية للنمو المستدام    مستثمرو النفط يتطلعون لانتعاش الأسواق بعد خسارة أسبوعية    القيادة تهنئ ملك الأردن    الأمريكي" غورست" يتوج ببطولة العالم للبلياردو    الأهلي يفاوض كيميتش والنصر يتخلى عن لابورت    "هيئة النقل" تدشن سيارة الرصد الآلي كأول تجربة لها في موسم الحج    الداخلية تستعرض خططها لموسم الحج.. مدير الأمن العام: أمن الوطن والحجاج خط أحمر    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    «فتيان الكشافة» يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بخدمة ضيوف الرحمن    «بيئة الرياض»: 3918 جولة رقابية على أسواق النفع العام والمسالخ    قيادات تعليمية تشارك القحطاني حفل زواج إبنه    سعود بن نهار يدشّن الصالة الإضافية بمطار الطائف    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    11 مبادرة تنفيذية لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    شهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي.. "درب زبيدة".. تاريخ طويل من العطاء    وزارة الحج تعقد دورات لتطوير مهارات العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    «التعاون الإسلامي»: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء    العطلة الصيفية واستغلالها مع العائلة    تدشين خدمة الربوت الذكي بجوار المسجد النبوي.. مشاهد إيمانية تسبق مغادرة الحجيج المدينة المنورة    رسالة جوال ترسم خارطة الحج لشيخ الدين    "السمكة المتوحشة" تغزو مواقع التواصل    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    أمير الرياض يطلع على عرض لمركز صالح العسكر الحضاري بالخرج    فشل التجربة الهلالية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    رئيس جمهورية قيرغيزستان يمنح رئيس البنك الإسلامي للتنمية وسام الصداقة المرموق    وفد الشورى يطّلع على برامج وخطط هيئة تطوير المنطقة الشرقية    التخبيب يهدد الأمن المجتمعي    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    رئيس الأهلي!    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    قطاع صحي ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "مكافحة التدخين"    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"نفحة إيمان" مذكرات الملكة نور الحسين عن الأردن في 20 عاماً . صدام للملك الحسين :"العالم كله ضدي ... لكنني سأخرج منتصراً". 4
نشر في الحياة يوم 02 - 05 - 2003

وصلت جهود الملك الحسين لحل أزمة الغزو العراقي للكويت الى طريق مسدود على رغم جولاته المكوكية في أميركا وأوروبا والدول العربية، ولم يعد امامه سوى إقناع صدام حسين بالانسحاب قبل وقوع الكارثة... لكن يبدو ان الرئيس العراقي كان قد وصل الى قرار نهائي لا مجال للتراجع عنه. وفي هذه الحلقة تتحدث الملكة نور عن الاجواء التي رافقت تلك المرحلة في الاردن.
حضر قمة الأطفال العالمية ايضاً جورج وباربرا بوش. وقد اظهرا فتوراً واضحاً، ولم يكن هذا مثيراً للاستغراب على المستوى السياسي، لكنه كان مثيراً للاستغراب من ناحية شخصية. فقد كانا صديقين قديمين، وعندما كان جورج بوش لا يزال نائباً للرئيس، اعتاد ان يلهو مع ابنائنا في المسبح في العقبة، والتقينا بهما في مناسبات لا تحصى منذ ذلك الحين. ووافقت السيدة بوش بالفعل على ان نلتقي لشرب الشاي في فندقها، حيث دار بيننا حديث مثير للاهتمام تركز بالطبع على الازمة.
كررت السيدة بوش القصص المرعبة التي كانت تبثها السفارة الكويتية، خصوصاً تلك التي روتها في مؤتمر صحافي ابنة السفير الكويتي التي قالت انها شاهدت جنوداً عراقيين يخرجون اطفالاً حديثي الولادة من اجهزة حضانة في المستشفيات ويتركونهم على الارض ليموتوا. كنا قد سمعنا هذه القصص، بالطبع، لكننا سمعنا ايضاً من اطباء كانوا موجودين في مستشفى مدينة الكويت آنذاك ان هذه الاتهامات ملفقة. واتضح لاحقاً ان ابنة السفير لم تكن موجودة في الكويت ولم تشاهد ابداً هذه الاحداث، وان سفارة الكويت في واشنطن استأجرت خدمات شركة العلاقات العامة "هيل آند نولتون" في نيويورك، لترويج قصة اجهزة الحضانة، لكن عندما التقيت السيدة بوش لم يكن لدينا سوى نفي الاطباء.
ذكّرتها بأن "الاردن عارض احتلال الكويت منذ البداية، وطالب بانسحاب القوات العراقية. ولا يوجد أدنى شك بشأن حقيقة ان قدراً كبيراً من التلفيق والتشويه يستخدم لمفاقمة وضع مأسوي بالفعل. ونحن نعتقد ان موقف الأردن شوّه بشكل متعمد". لم اُثر حملة التضليل الاعلامية على وجه التحديد، لكني أشرت الى حقيقة ان تلك القصص كانت جزءاً من مسعى لعزل الاردن، وللحؤول دون اي نجاح يمكن ان يحققه الملك الحسين بنزع فتيل الأزمة مع العراق ومنع الرئيس العراقي من اتخاذ موقف اكثر تعنتاً في عزلته.
كان زوجي يُصوّر كعدو للولايات المتحدة في الوقت الذي كان أبعد ما يكون عن ذلك. ولتأكيد رفضه الاعتراف باحتلال العراق للكويت وضمها اليه، اتخذ الملك الحسين موقفاً حازماً عندما بدأ اللاجئون يأتون من الحدود العراقية في سيارات تحمل لوحات ارقام كتب عليها "دولة العراق - محافظة الكويت"، فعلى رغم انه كان من المعتاد ان تشير لوحات ارقام السيارات العراقية الى المحافظة التي ينتمي اليها السائق، كان ضم العراق للكويت خطوة غير شرعية. وتحرك الملك الحسين فوراً وأمر برفع لوحات الارقام هذه عند الحدود. ومن الاشياء التي لا تزال راسخة في ذاكرتنا جميعاً عن تلك الفترة العدد الكبير من السيارات التي كانت تحمل لوحات ارقام سوداء مؤقتة في الاردن. كما اكد الحسين بوضوح ان الجنود الكويتيين الذين كانوا يتلقون التدريب العسكري في الاردن سيواصلون دراستهم وان السفارة الكويتية ستبقى مفتوحة.
حاولت ان اوضّح القلق المتزايد في العالم العربي بشأن الخسائر في صفوف المدنيين العراقيين واوضاعهم البائسة. لكن السيدة بوش لم تبد تأثراً. وقد واصلتُ التحدث بعد بدء الحرب عن الآثار الانسانية للحرب ومعاناة شعب العراق، وهو بالطبع ما أثار السيدة بوش لدرجة انها بعثت اليّ برسالة عبر مسؤول اميركي مفادها انها تعتبرني خائنة. واعتقد ان الرسالة كانت تهدف الى منعي من التكلم عن قضايا غير مريحة بالنسبة الى ادارة بوش.
لقيت استقبالاً اكثر دفئاً في كابيتول هيل. حضر اللقاء السناتور لوتنبرغ، وايضاً آخرون من اعضاء مجلس الشيوخ، وكان بعضهم اصدقاء قدامى لزوجي وعائلتي، بالاضافة الى آخرين ممن كانوا يشعرون بقلق عميق بشأن الشرق الاوسط. حرصت جداً على ان اتحدث الى السناتور لوتنبرغ، وانتحيت به جانباً وقلت له: "هل يمكن ان توضح لي شيئاً ما؟ لقد شاهد زوجي وانا مقابلتك مع "سي إن إن"، وافترض انه ربما حُذفت تعليقاتك من السياق عندما كنت تتكلم عن تصريحات الرئيس مبارك في ما يتعلق بزوجي. هل كان هناك سوء فهم ما، او شيء من سوء التعبير؟". اجاب "كلا. ما ذكرته بشأن ما ابلغني الرئيس إياه كان دقيقاً بالكامل".
لا شك في ان الرئيس المصري كان يواجه قدراً كبيراً من الضغوط من الاصوليين وغيرهم من المناهضين لتحالف مصر مع القوى الاجنبية التي جاءت لمقاتلة العراق. وكان معظم الناس في المنطقة ينظرون الى التحالف الاجنبي باعتباره معادياً للعرب ومعادياً للمسلمين. كما كانوا يعتبرون ان القوى الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، مارست النفاق عندما فرضت فوراً تنفيذ قرارات الامم المتحدة التي دانت احتلال العراق للكويت بينما لم تتحرك بعد على صعيد قرارات الامم المتحدة الملزمة على نحو مماثل والتي مضى عليها 23 عاماً ضد الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين. كما كان هذا النفاق يحرّك السكان الفلسطينيين في الاردن، خصوصاً بعد ان وعد صدام حسين بالتحرك ضد اسرائيل وتحرير فلسطين. فقد امتلأت شوارع عمان بلافتات تشيد به.
بدا زوجي مجهداً للغاية. كان كلانا مرهقاً. اعتدنا كل ليلة، بعد انجاز جدول عمل كامل في النهار، ان نعود الى غرفة الجلوس في منزلنا لمتابعة احداث اليوم. كنا نتابع كل الانباء من الولايات المتحدة، ما جعلنا نبقى مستيقظين معظم الليل بسبب الفارق في الوقت. كما كنا نتابع كل ما يجري في الاردن وفي ارجاء المنطقة.
وبينما كنا نتابع نشرات الاخبار، كنا نلهو بلعبة كومبيوتر قدمها لنا أطفالنا واصبحنا نتقنها. كانت وسيلة علاجية لتهدئة المشاعر المتوترة، في حين كانت بالنسبة الى زوجي بديلاً صحياً عن الإفراط في التدخين وساعدتنا على ان نبقى متنبهين لسماع اية اخبار تُعلن في ساعة متأخرة. واعتاد افراد العائلة المجيء لزيارتنا احياناً وكانوا يراقبوننا - غير مصدقين بالتأكيد - ونحن مشدودان بقوة الى جهاز التلفزيون ولعبة الكومبيوتر. لكن الاخبار لم تكن لتزداد الاّ سوءاً مع تصاعد الحرب الكلامية واستمرار حشد قوات التحالف في المنطقة.
تلك الهجمات اصبحت اكثر شدة بعدما القى الملك ما اُعتبر خطاباً مثيراً للجدل في الجلسة الافتتاحية للبرلمان الاردني في 17 تشرين الثاني نوفمبر. كانت الحكومة اعدت الخطاب، بالضبط كما تكتب الحكومة في انكلترا "خطاب العرش" الذي تقرأه الملكة عند افتتاح البرلمان. لكن الحسين لم يشعر بارتياح لنبرة خطابه المتشددة. وسألني عن رأيي خلال عطلة اسبوع امضيناها في العقبة. كنت بمثابة اختبار للكلمات التي يعدّها لمناسبات عالمية منذ الايام الاولى لزواجنا، لكن كانت تلك المرة الاولى التي نتشاور فيها معاً بشأن خطاب موجه الى شعب الاردن. قلت له ان "شعبنا يتوقع ان تعبّر خطبك عن رؤيتك الخاصة، وفي هذه اللحظة الحرجة إن لم تكن مرتاحاً للنبرة او الرسالة فيجب ان تغيّرها كي تعكس رأيك". كانت هناك قوى كثيرة في البلاد وهو يسعى الى الموازنة بينها لدرجة ان الحسين القى الخطاب من دون تعديل يذكر، لكنها اثارت ردود فعل فورية.
كان الملك يحاول منذ بعض الوقت ان يتحدث الى جورج بوش هاتفياً من دون نجاح. وحاول مرة اخرى قبل القاء الخطاب مباشرة، وتمكن من ترتيب لقاء مع الرئيس الأميركي في باريس. لكنه اُبلغ في اليوم الذي تلا الخطاب ان برنت سكوكروفت مستشار بوش لشؤون الامن القومي، يريد ان يتكلم معه. انتظر الحسين اربع ساعات كي يتصل به سكوكروفت هاتفياً، قبل ان يبلغه الاخير ان لقاء باريس اُلغي لان الرئيس بوش كان منزعجاً بسبب الخطاب. وبدأ الحسين يوضح، لكنه سأم ما كان يلقاه من رفض. وقال لسكوكروفت "إنس الأمر"، وانهى المكالمة. واتسعت الهوة في 29 تشرين الثاني نوفمبر، عندما أقر مجلس الامن القرار 687 بتخويل استخدام القوة ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت بحلول 15 كانون الثاني يناير.
في انكلترا ايضاً لم نعد متأكدين مما سنلقاه. كانت تربط زوجي بالعائلة المالكة البريطانية علاقة قديمة. على سبيل المثال، كان الامير اندرو واميرة يورك، وبناءً على إلحاح منا، يقيمان في منزلنا "كاسلوود" مؤقتاً ريثما ينتهيان من تشييد منزلهما. لكنهما اخليا المنزل بشكل مفاجئ، تحت ضغوط كما يبدو، من دون اي تفسير. وقال زوجي ان ذلك يذكّر بالنفور الذي اظهرته العائلة المالكة البريطانية خلال حرب 1967. وفي الحقيقة، كان امير ويلز الوحيد من بين افراد العائلة المالكة الذي حافظ على علاقات طبيعية معنا خلال هذه الفترة. فقد اظهر الامير تشارلز حساسية مدهشة وادراكاً عميقاً للتحديات التي تواجه المنطقة، وابدى تأييده الشخصي لموقف الملك. لم يصرح اطلاقاً بأي شيء لا يعد لائقاً من منظور الحكومة البريطانية، لكنني لن أنسى ابداً ايماءات الصداقة التي ابداها آنذاك، مغتنماً الفرص للقاء بنا ومعبّراً عن حرصه الصادق على رفاه الاردنيين والعرب.
وربما لعبت الانباء السخيفة في الغالب عن زوجي وعني التي استمر تداولها في الصحافة العالمية دوراً ايضاً في خلق صعوبات امام اتصال البعض بنا. فقد افاد تقرير جعل العائلة تضحك بصخب ان زوجي اشترى اسطولاً من زوارق صيد الاسماك وزلاجات تزحلق على الماء كي نتمكن من الهرب بسرعة من العقبة، ولو ان التقرير لم يوضح اين يُفترض ان نذهب، وما هو السبب على وجه التحديد. من جهة اخرى، على نحو اقل تسلية، افادت احدى الصحف الشعبية في بريطانيا ان صدام حسين اعطى زوجي سيارة من طراز قديم قيمتها 12 مليون دولار كان هتلر يملكها لاقناع الملك بالوقوف الى جانب العراق. كانت هذه القصص كلها هراء، بالطبع، بما في ذلك التكهن بشأن اهمية لحية زوجي الجديدة، التي فسّرها بعضهم كمؤشر الى تحالفه مع الاصوليين او مع صدام حسين، بينما كانت حقيقة الأمر ان زوجي عانى حالة جلدية ناجمة عن الاجهاد تفاقمها حلاقة الذقن.
قام زوجي برحلة اخيرة الى العراق كي يحاول مرة اخرى ان يقنع صدام حسين بأن يسحب قواته من الكويت. وابلغه زوجي "إن لم تتخذ القرار لوحدك بالخروج من الكويت، سيتم إخراجك بالقوة. العالم كله ضدك". اومأ صدام برأسه موافقاً: "نعم، العالم كله ضدي، لكن الله معي وسأخرج منتصراً". جلس الملك بهدوء، ثم قال: "ارى انك لست مستعداً لأن تغير موقفك، لكن اذا فعلت فكل ما يقتضيه الأمر هو مكالمة واحدة وسأعود لمساعدتك". لكن الملك لم يتلق أي اتصال هاتفي.
ومع اقتراب إنتهاء المهلة التي حددتها الامم المتحدة، توجهنا الحسين وانا الى اوروبا في مطلع كانون الثاني يناير 1991 في مسعى أخير لحشد الدعم من اجل تجنب وقوع حرب. وكان الاوروبيون عبّروا بشكل عام منذ بداية الأزمة عن موقف اقل تطرفاً بكثير من واشنطن واظهروا تأييدهم لقناعة الملك حسين بأن الحرب ستكون كارثة للشرق الاوسط. من الناحية الجغرافية لا يفصل بين اميركا واوروبا سوى المحيط، لكن موقفيهما تجاه الشرق الاوسط واستخدام القوة لحل الخلافات متفاوتان بشكل هائل. ويرى كثير من الاوروبيين ان الحرب تعني الدمار وخسارة الارواح ولا تأتي بمنفعة. ويمثل هذا الموقف حصيلة طبيعية لحربين عالميتين على اراضيهم ولعملية اعادة البناء الشاقة التي تلتهما، وكان يتناقض بشكل صارخ مع وجهة النظر الاميركية والاسرائيلية السائدة التي ترى بأن المواجهة المسلحة وموت المدنيين وتدمير البنية التحتية الذي يرافق ذلك هو شر لا بد منه في السعي الى تحقيق اهداف الأمن القومي.
كان زوجي يأمل بمعجزة من الفرنسيين أو الالمان او الايطاليين، لكنهم لم يكونوا في وضع يمكّنهم من القيام بشيء يذكر. وقد ادركوا، كما ادرك هو ايضاً، ان حصيلة الأزمة تتوقف على الدينامية بين الاميركيين والعراقيين، وبدا ان الاميركيين كانوا يعرقلون مسبقاً تطور حوار بناء. ومع ذلك، شعر زوجي بامتنان عميق للقاءاته مع الالمان، خصوصاً مع وزير الخارجية هانس ديتريتش غينشر والمستشار هلموت كول. وشجّعتني ايضاً الاتصالات التي اجريتها مع منظمات انسانية متحمسة لتقديم مساعدات اغاثية الى الاردن لصالح المشردين واللاجئين.
كانت لوكسمبورغ البلد الثاني الذي زرناه، وابدت دعماً مماثلاً. وبينما كان زوجي يلتقي الغراندوق ووزير الخارجية، الذي كان آنذاك يرأس الاتحاد الاوروبي، قمت مع صديقتي العزيزة الغراندوقة بزيارة جوزفين تشارلوت، رئيسة الصليب الاحمر في لوكسمبورغ وموظفيها الذين عبّروا عن تعاطفهم ووعدوا بتقديم مساعدات للتنمية تزيد على مليون دولار. كما اظهر الايطاليون سخاءً مماثلاً، مع مشاركة منظمة غير حكومية ايطالية في اعداد برامج تنموية للنساء.
وكانت استجابتهم جيدة لاحتياجات اللاجئين الذين فروا من العراق والكويت واختاروا البقاء في الاردن وكانوا يريدون الشروع بتوفير دخل مناسب لعائلاتهم. وقامت اميرة اليونان آيرين، وهي صديقة قديمة للعائلة وشقيقة ملكة اسبانيا، بزيارات عدة الى الاردن خلال هذه الفترة للمساعدة بأي شكل ممكن. وكانت مؤسسة "وورلد إن هارموني" التي ترعاها الاميرة آيرين تقدم الدعم لمشاريع في البلدان النامية وتتعاون مع مؤسسة نور الحسين لمساعدة العائلات الأكثر فقراً في البلاد.
كما التقى الملك الحسين رئيس وزراء بريطانيا الجديد جون ميجور وأعجب بسعة اطلاعه ووجده اكثر واقعية بكثير من مارغريت ثاتشر. وسُرّ الحسين لتأكيد ميجور بان "العراق لن يُهاجم اذا انسحب من الكويت"، لكن شبح النزاع ظل مخيماً.
وفي 5 كانون الثاني يناير، بعد يوم على اللقاء مع رئيس الوزراء البريطاني ميجور، اجتمع الحسين مع رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق شامير. وكان زوجي أمر بتعبئة القوات الاردنية على الحدود مع العراق وعلى الحدود مع اسرائيل، عندما بدا ان الحرب حتمية، للحؤول دون اجتياح الاردن. وقال شامير ان جنرالاته يحضونه على نشر القوات الاسرائيلية في مواجهة القوات الاردنية، وانه رفض الاستجابة لهم قبل ان يتحدث وجهاً لوجه مع زوجي. وقال: "يا صاحب الجلالة، ما نريد ان نعرفه هو لماذا حُشدت قواتكم على حدودنا وماذا ستفعل اذا اجتاز العراق حدودكم وحاول ان يهاجم اسرائيل؟". اجاب زوجي: "ان موقفي دفاعي تماماً. اذا حاول احد ان يجتاز حدودي او يدخل مجالي الجوي، من العراق او اي مكان آخر، سأتعامل مع ذلك باعتباره عملاً عدائياً واتصرف تبعاً لذلك. ولن اسمح لأي كان ان يهاجم احداً آخر عبر الاردن". ورد شامير: "اشكرك. هذا هو كل ما اردت ان اسمعه".
لكن ايهود باراك، رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، بدا مشككاً اكثر بشأن حشد القوات الاردنية على حدود اسرائيل. وعندما لفت الشريف زيد بن شاكر، الذي قضى 35 سنة في الجيش الاردني، النظر الى ان القوات الاردنية تتخذ وضعاً دفاعياً وليس هجومياً، واصل باراك المطالبة بمزيد من الضمانات عندها اكد شامير له قائلاً: "لقد اعطاني الملك الحسين كلمته، وهذا كافٍ بالنسبة لي".
وعندما عاد زوجي الى الاردن في ختام جولتنا الاوروبية، واصلت السفر الى النمسا مع اولادي الصغار الاربعة - كانت اعمارهم آنذاك عشراً، وثماني، وسبعاً، واربع سنوات - كي اتركهم لقضاء عطلتهم المدرسية مع شقيقتي. انتابني احساس بالحزن، لكن من الضروري ابعادهم عن اجواء التوتر. كنت لا ازال ارفض التصديق بأن الحرب وشيكة، لكن في حال وقوعها سيكون الاولاد في منأى عن الأذى، ما سيساعدنا على ان نركز الانتباه كلياً على عائلتنا الاردنية الاكبر.
كان الوقت الذي امضيته مع الاطفال في النمسا قصيراً جداً، لكنه اتاح لي رغم ذلك اول تواصل معهم، دون ان يشغلنا شيء آخر، خلال الاشهر الاربعة الاخيرة من الأزمة المتعمقة. كان مجرد قراءة حكاية لهم وقت النوم يدفعني الى البكاء. وحاولت الاّ افكّر بفراقنا، لكن ذلك كان مستحيلاً.
كنت سأبقى يومين فقط في النمسا، لكن حتى هذه الزيارة القصيرة كانت مثار جدل. كان يقلقني كيف سيُنظر الى غيابي في الاردن قبل بضعة ايام فحسب على انتهاء المهلة التي حددتها الامم المتحدة، الاّ انني بقيت استجابةً لالحاح زوجي. وتبيّن ان مخاوفي كانت في محلها عندما اتصل زوجي ليقول انه كان هناك بالفعل تكهنات كثيرة بشأن تغيبي عن البلاد. قلت "طبعاً، ستكون هناك تكهنات كهذه. ينبغي ان اكون في الاردن"، وغادرت في اليوم التالي بعدما ناقشت مع شقيقتي ما ينبغي القيام به بشأن الاطفال اذا لم يبق والدهم وانا على قيد الحياة.
كان اليوم الاخير الذي امضيته مع الاطفال مشحوناً بالانفعالات ومرهقاً لنا جميعاً. دوّنت في يومياتي ان "قلبي ينفطر. يجب ان نكون مستعدين لأي شيء في حال وقوع حرب". واعطيت كل واحد من الاولاد هدية تجلب الحظ، ووعدتهم بأنه سيكون فراقاً موقتاً، لكنني في اعماق قلبي لم اكن واثقة اطلاقاً.
غداً حلقة خامسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.