محافظ الجبيل "الداود" يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية بالمحافظة    عبدالعزيز بن سعود يزور مركز العمليات الأمنية لشرطة باريس    أمير تبوك يستعرض المشاريع والمبادرات لشركة الاتصالات السعودية بالمنطقة    الجوازات تصدر 17.651 قرارا إداريا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    ( لا يوجد عنوان )    إيران تحبط مخططات لاغتيال 23 مسؤولا    الأمم المتحدة: انتشار المجاعة في قطاع غزة    منصة قبول : 339 ألف طالب وطالبة أكدوا قبولهم في الجامعات والكليات    روسيا تشترط للتسوية مع أوكرانيا الخروج من الناتو    ذروة شهب دلتا الدلويات تضيء سماء السعودية فجر الأربعاء    الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تُطلق حملة "هاكاثون مكة الذكية"    أمين "التعاون الخليجي" يدعو العالم للاعتراف بدولة فلسطين    باكستان تؤكد دعمها الثابت لإقامة دولة فلسطينية مستقلة    النفط يواصل مكاسبه    طالبت السوداني بالتحرك.. واشنطن تتهم حزب الله بتنفيذ هجوم بغداد    دعت إلى خطوات فورية لوقف إطلاق النار.. ألمانيا تلوح بزيادة الضغط على إسرائيل    "القادسية" يعلن عودة ياسر الشهراني    نيابة عن وزير الخارجية.. مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة يشارك في الاجتماع التنسيقي الخليجي    أكد حرص المملكة على تبادل الخبرات بين المختصين في البلدين.. وزير الداخلية ونظيره الفرنسي يوقعان وثيقة تعاون أمني    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فهد بن ثنيان    "حساب المواطن" يصدر نتائج الأهلية لدورة أغسطس    الاتصالات تعزز قدرات السعوديين في الألعاب الرقمية    قضايا تمس حياة الناس وممتلكاتهم .. القحطاني: تحذيرات الطقس مسؤولية حصرية للأرصاد    نجوم عالميون في حفلات صيف" مدل بيست"    تامر حسني ينتقد عمرو دياب على "منصات التواصل"    مانجا تطلق لعبة "Sonic Racing" في الشرق الأوسط    سمو وزير الخارجية يصل نيويورك للمشاركة في ترؤس الاجتماع الوزاري لمؤتمر حل الدولتين    الخلايا الجذعية تعالج "السكري من النوع الأول"    التحكيم الرياضي ورابطة المحترفين يوقعان اتفاقية تعاون    أخضر الصالات يواجه أستراليا    قبلة على جبين أرض السعودية    وزير الداخلية يلتقي مجموعة من منسوبي الوزارة المبتعثين للدراسة في فرنسا    ألتمان يعترف: الذكاء الاصطناعي يخيفني    تداول يعاود الهبوط ويخسر 70 نقطة    تقدم الدول وتخلفها    الدوران.. جوهر الظواهر وأسرار الحياة    الانحراف عن المسارات مخالفة مرورية    76% من اكتتابات الخليج بالسوق السعودي    مشاريع البناء ترفع أسعار الرمل الأحمر 19%    الرياض تحتفي بانطلاق العد التنازلي ل"دورة ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025″    «المصمك».. ذاكرة الوطن بلغة المتاحف الحديثة    مجلة الفيصل.. نصف قرن من العطاء    جهود متواصلة لحماية المواقع التراثية    وداع وطني لزياد الرحباني    فهم جديد للمعنى كيف تشكل الأزمات طريقة عيشنا    ثقافة القطيع    مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025 يوسّع قائمة المشاركين    منتخبنا للشباب يواجه قطر والكويت واليمن    أمراض تشير إليها الأقدام الباردة    إنزيم جديد يفتح باب علاجات    التلوث الهوائي يزيد الإصابة بالخرف    شوريًّة تحذر من الممارسات المسيئة من بعض المعتمرين والزوار وتقترح الحلول    "الغامدي": متحدثًا رسميًا لوزارة "الشؤون الإسلامية"    أعضاء المجلس المحلي ومشايخ ووجهاء صبيا يهنئون المهندس نمازي بتكليفه رئيسًا للبلدية    أكثر من 1000 جولة رقابية وفنية على الجوامع والمساجد نفذتها إدارة مساجد العيدابي خلال شهر محرم    عقدت اجتماعها الدوري برئاسة المفتي.. هيئة كبار العلماء تستدعي خبراء لتقديم رؤى متخصصة    محمية الأمير محمد بن سلمان تحتفي بولادة أول"وعلين نوبيين"    الهلال الأحمر بجازان يُحقق المركز الأول على مستوى فروع المملكة في الاستجابة للحوادث المرورية والبلاغات الطارئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجماع قومي في سورية في أجواء إدانة الحرب على العراق
نشر في الحياة يوم 04 - 04 - 2003

ليس غريباً أو مفاجئاً ما يبديه الشعب السوري من تعاطف مع العراق، يتنامى ويتسع يوماً بعد يوم طرداً مع استمرار صمود العراقيين وتصاعد مقاومتهم ومع ارتفاع وتيرة القتل والتدمير وتكرار المشاهد المأسوية المؤلمة التي تخّلفها آلة الحرب الأميركية - البريطانية.
الانجراف الشعبي السوري المؤيد للعراق و"نظامه" وشعور التضامن العارم هو أمر مفهوم على قاعدة الحس الوطني والقومي الذي يتميز به المجتمع السوري تاريخياً، وعدائه لأميركا المنحازة للعدو الصهيوني، لكن اللافت والمقلق أن يسيطر مثل هذا الشعور العفوي على خطاب المعارضة السورية فتصمت عن الطبيعة الديكتاتورية للنظام العراقي وملفه الأسود في شأن الحريات وحقوق الإنسان، ويصل بها الأمر أحياناً إلى تبرئته من الآثام التي ارتكبها بحق مواطنيه ومن الشروخ العميقة التي أحدثتها ممارساته القمعية في البنيتين الإنسانية والوطنية للشعب العراقي.
ظهر التوجه الجديد للمعارضة السورية عند معظم أحزابها السياسية وبعض منظماتها المعنية بالحريات وحقوق الإنسان من خلال تصريحات وبيانات اقتصرت على التنديد بالعدوان الأميركي وفضح أهدافه الشريرة، بينما أغفلت عن عمد قراءتها لحال الديموقراطية في العراق ومسؤولية النظام عن المحن والكوارث التي حلت. كما ظهر أيضاً من خلال الشعارات الوطنية الصرف المناهضة لأميركا وللأنظمة العربية المتواطئة، التي رفعتها التظاهرات اليومية لأحزاب المعارضة ومثقفيها دعماً للشعب العراقي، وغابت عنها تماماً المطالب الديموقراطية والموقف الرافض لديكتاتورية النظام العراقي، بخلاف ما كان الوضع في تظاهرات سابقة نظمتها قوى المعارضة ذاتها حين تخللت شعاراتها الداعمة لصمود الشعب الفلسطيني مطالب صريحة عن الحريات السياسية والتعددية وتحرير إرادة الإنسان العربي.
ولم تقنع أحداً محاولات بعض المثقفين المحرجين تبرير سلوكهم بحجة أن الظرف غير مناسب وأن الأولوية يجب أن تعطى لمواجهة الغزو الأميركي، أو بذريعة أن اللحظة اليوم هي لحظة خيار حاسم، مع العراق أو ضده، لا تحتمل أي حيز من الدعاية الديموقراطية لئلا نضع الحب في الطاحونة الأميركية!
انجرار الكثر من المثقفين الديموقراطيين مع التيار الشعبي واستسلامهم للمشاعر الوطنية الرائجة من دون ترو لا يمكن تفسيره إذا لم نأخذ في الاعتبار النقاط الآتية:
أولاً، البنية التكوينية لغالبية مثقفي المعارضة السورية التي جاءت إلى العمل الديموقراطي من منابت وطنية وقومية عريقة أو من خلفيات أيديولوجية شمولية، بما في ذلك خصوصية تطور عقلها السياسي الذي نما وترعرع في سياق تاريخ طويل من مناهضة الاستعمار وقوى التدخل الخارجي وفي القلب منه المقاومة التاريخية المستمرة للمشروع الصهيوني. من هنا وعلى رغم احتلال الهم الديموقراطي الأولوية لدى هؤلاء المثقفين في السنوات الأخيرة من نشاطهم، إلا أن معظمهم ما زال أسير مورثات الماضي وعاجزاً عن التحرر، إن لم نقل متردداً في نفض يده من ثوابت فكرية وإيديولوجية عفا عنها الزمن وغدت تتناقض مع جوهر الفكر الديموقراطي وروحه، الأمر الذي كشف عدم وضوح الرؤية لديهم وتحديداً لجهة ضرورة وحيوية التلازم بين المسألة الوطنية ومسائل الحريات والديموقراطية، فكيف الحال وقد اندفع بعضهم للتحصن وراء نظرة قومية متطرفة اعتاد عليها، أو رؤية دينية تتناقض مع ادعاءاته الديموقراطية تصور الحرب بأنها بين المسلمين وأعداء الإسلام، متأثراً بمحاولات طرفي الصراع، أميركا والنظام العراقي، توظيف رموز دينية في آليات الحشد والتعبئة، ليغدو صدام حسين بين يوم وليلة بطلاً قومياً لا يشق له غبار وخط الدفاع الأخير عن العروبة والإسلام!!
ثانياً، إن التعاطف الجماهيري مع العراق و"نظامه" ساهم بدور كبير في حصار المثقفين السوريين المتحمسين لقيم الديموقراطية والذين جاهروا في إدانة ممارسات النظام العراقي الاستبدادية، ما أسهم للأسف في تعديل أو تغيير مواقف بعضهم فأصبحت بعيدة كل البعد عما كانت سابقاً.
وللإنصاف يصعب تفسير تحول مواقف هؤلاء إذا لم نتفهم ما يشكله الضغط الاجتماعي من انحسار في ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان في المجتمع السوري وغياب روح التفهم والتسامح مع حالات الاختلاف في أراء الأفراد والجماعات وسلوكياتهم، خصوصاً أن ما ساد تاريخياً هو أسلوب قسري إلغائي في التعامل مع الرأي الآخر بصفته رأياً مرفوضاً ومرذولاً.
ومن الملاحظة المجردة يمكن أن نكتشف أيضاً ما آلت اليه قلة من المثقفين السوريين عاندت المزاج الراهن وأبدوا إصراراً على طرح قيم الديموقراطية وتحرير إرادة الإنسان ربطاً مع مقاومة الاحتلال والعدوان الأميركي - البريطاني، ففي أحسن الأحوال صاروا يتجنبون الخوض في مسائل الحريات والتعددية عندما يناقشون الحرب على العراق، وقد شعروا أن آراءهم عن الدور الذي لعبه النظام العراقي بأساليبه الدموية والتصفوية صارت موضع استهجان ورفض، فآثر بعضهم الصمت ولجأ بعضهم الآخر إلى المخادعة في تفاعله مع الغالبية المؤيدة للعراق تحاشياً لإثارة الغضب والسخط وربما المقاطعة والاتهام!! ويجد هؤلاء أن الصمت وعدم إبداء الرأي في الموقف من تعسف النظام العراقي هو بديل مغر لكسب ود الشارع السياسي والشعبي أو في أحسن الأحوال اعتبار الأمر مجرد هدنة مع المزاج السائد، ريثما تمر العاصفة !!
ثالثاً، إن شعارات التنمية والديموقراطية التي رفعتها أميركا وادعاءاتها أنها تخوض الحرب على العراق كمحررة من أجل وضع حد لديكتاتورية طويلة فرضها صدام حسين على شعبه، خلقت التباساً كبيراً وأربكت أنصار الحريات والتعددية من مثقفي المعارضة السورية، بل أضعفت موضوعياً من فرصتهم في طرح الديموقراطية والتعبئة حولها، وإن قالوا في مناهضة أميركا وإدانة عدوانها أكثر مما قال مالك في الخمر!!
لا يخفى على أحد المخطط الأميركي وهدفه من قطف الثمرة العراقية، كما يعرف الجميع أن ما تحمله واشنطن من وعد للتنمية وللتغيير الديموقراطي ليس سوى ذريعة تمكنها من تعزيز هيمنتها وسيطرتها على المنطقة.
لكن، هل يستدعي ذلك أن نشكك بأهمية الديموقراطية وضرورتها الحيوية لمجتمعاتنا، أو نقلل من دورها وشأنها في تنمية المجتمع وتحرير إرادة الإنسان. لعل أميركا ستضحك في سرها إذا نجحت في صرف جهودنا عن إنجاز المهمات الديموقراطية والتي لن نتمكن من دونها من تحصين البيت الداخلي وحفز قوى المجتمع وتعبئتها في ما يعترضنا من أخطار وتحديات.
إن ألماً مبرحاً يعتصر قلبك حين تقرأ يافطة كتب عليها: "اطردوا الأميركان... لا نريد تنمية، لا نريد ديموقراطية"!!"... وتأسف لأن حاملها لم يع إلى الآن، أن الأشد وفاء وإخلاصاً لقضيته الوطنية، هو الأشد وفاء وإخلاصاً لقضيته الديموقراطية.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.