تحتفل إيطاليا ودول غربية أخرى بمرور 90 عاماً على اختراع الماكياج، اذ تؤكد المصادر التاريخية ان أحد الشباب المتخصصين بدراسة الكيمياء حاول مساعدة أخته العزيزة "مابيل" في التقرب اكثر لجذب قلب خطيبها الذي كان يعشق امرأة أخرى تفوقها جمالاً، فصنع لها مجموعة من المساحيق وردية اللون لتضعها على خديها، ومسحوقاً آخر استخرجه من مادة الفحم لترسمه حول عينيها، وكانت النتيجة ان اقتاد الوجه الجديد الخطيب الى حاضرة الزواج. فأسس الأخ بعد هذا النجاح أول مصنع لمواد تجميل المرأة حمل اسم "مايبيلينا" ليصبح أحد أكبر الأثرياء وأول من عرف سر الدخول الى ما تحلم به المرأة في كل مكان. يقول الإيطاليون ان "سحر عيون المرأة لا بد من أن يحرك العواطف الأولى في نفس الرجل"، و"مظهر المرأة الخارجي وجمال وجهها يجعلان لقلبه عيوناً وآذاناً"، و"جمال الوجه هو ربيع المرأة الدائم، وهو سر الحب الذي يملأ قلوب الرجال". ونشهد في الوقت الحاضر سعي غالبية نساء العالم في ماراثون البحث عن كل ما له صلة بالجمال الذي تزدحم فيه الكتب والمجلات وشاشات التلفزيون ومحلات التجميل التي تنتشر مثل حبات الكمأ في كل حي ومدينة من أجل تكريس الصورة المثالية عن المرأة الجميلة. كل ذلك على رغم ان هناك من يشير الى ان الجمال الحقيقي للمرأة لا يكمن في مظهرها ووضع المكياج على ملامحها، لأن حلاوة الروح وعذوبة الأخلاق تنبع من إحساسها بالجمال. وتركض المرأة وراء آخر صرعات الموضة والاستماع الى وسائل الدعاية التي تمطرها يومياً بوابل من الطرز الجديدة المصنعة التي تضر أحياناً بصحتها، كأنها أصبحت مهووسة باستبدال مواد تجميلها من صناعية الى طبيعية وبالعكس، لأنها تكتشف مع مرور الأيام والشهور ان تلك اللوحة التي تحمل "بورتريه" وجهها ما زالت تحمل التشققات والشحوب والترهل، وما زالت زرقاء اليمامة مجرد حلم يأتيها مع إعلانات التلفزيون وصفحات المجلات الملونة، فمستحضرات التجميل بأنواعها وأشكالها وصرعاتها التي جاءت الى أوروبا قبل تسعين عاماً من أجل تعزيز ثقة المرأة بنفسها ولجعل نظرتها للحياة اكثر إيجابية وتفاؤلاً، لم تغير الا بعض أركان الصورة التي تتمناها. التقدم في السن وعندما تشعر المرأة بأنها جميلة شكلاً وجسداً فإن من شأن ذلك التخفيف من شعورها بالتوتر وعدم الرضا ويمنحها ثقة كبيرة بنفسها، الى حد يشعرها بأنها قادرة على تحقيق الكثير من الأهداف المرجوة. يُلاحظ أنه مع تقدم السن بالمرأة تفرط في استخدام المساحيق وأحياناً كثيرة تتم مثل هذه الممارسات من دون وعي ومن دون مراعاة للشروط الصحية، كما ان الكثير من المساحيق تخلو من العناية الطبية التي تضمن لها سلامة بشرتها، وكثيراً ما ينبه أطباء الأمراض الجلدية الى ان الإكثار من استخدام المساحيق يؤدي الى تدمير خلايا البشرة وترهل الوجه وسرعة ظهور التجاعيد، إضافة الى عدم توافر وسائل للرقابة أو الفحص لمستحضرات التجميل التي تسوق الى بلدان العالم الثالث التي يحوي الكثير منها سموماً تؤدي الى عيوب خلقية خطيرة. في حين ان الغاية الأساسية من المكياج ان أن يكون عاملاً مساعداً لإظهار شفافية ملامح الوجه وابراز جاذبيته، لا أن يكون قناعاً يغير ملامح المرأة. فالمكياج عملية فنية يراد منها الحفاظ على استمرار نضارة الوجه، وتقوم على الذوق والمهارة وطبيعة الاختيار. وتخصص وسائل الدعاية والترويج حجماً هائلاً من الوقت والمال لمساحيق التجميل الحديثة والمتنوعة، بهدف زيادة المبيعات وتحقيق الأرباح ولو على حساب صحة المستهلك، اذ ان نسبة كبيرة من مستحضرات التجميل تحتوي على مواد كيماوية تسبب الضرر للانسان، والكثير من هذه المواد تحمل نسب أكبر مما هو مسموح به من مادتي "الهايدروكينون" و"البروكسيد الهيدروجين" وجميعها من المستحضرات الطبية التي تدخل ضمن قائمة المحظورات الا بموافقة طبية لاستخدامها، لأنها تحوي على مادة الزئبق التي تدمر خلايا "الميلانين" التي تعتبر أحدى الدروع الوقائية لوجه الإنسان من الأشعة فوق البنفسجية وتستخدمها غالبية النساء من السمراوات في العالم الثالث بهدف تفتيح لون بشرة الوجه. بعد أن منع استخدامها في الأسواق الأوروبية، وتصدر هذه المستحضرات الى مناطق الشرق وهي تؤدي الى حدوث تلف في الجلد البشري وتمهد لحدوث سرطان الجلد واضطرابات في الكبد والكلى بسبب امتصاص المادة من طريق الجلد. طب بديل وفي المقابل فان الطب البديل الذي لا يعتمد على التركيبات الكيماوية في صنع مستحضرات التجميل المستخلصة من مواد طبيعية يستقطب في الوقت الحاضر غالبية نساء أوروبا، فالنباتات العضوية لها القدرة على تحفيز البشرة لتجميل نفسها بعكس المواد الكيماوية التي تجملها من الخارج. طين الأرض، وزيت جوز الهند، والحناء، واوراق شجر السدر، والحجر الكحلي والديرم، ودهن بعض الأعشاب، والحب الأحمر، والحبة السوداء، وورق اليوكالبتوس، وعسل النحل، واوراق الزهور والمريمية والنعناع والمينتا والزعفران، والسكر النباتي، وعصارة نبات الصبار، وعشرات العقاقير والفيتامينات والمواد السكرية المستخرجة من الفواكه والخضراوات تدخل في تصنيع مستحضرات التجميل الطبيعية الأكثر نقاء. وقد أدخلتها مصانع مساحيق التجميل الحديثة في أوروبا وعادت الى أعشاب "أيام زمان" التي كانت جداتنا الفرعونيات والبابليات يعتمدن عليها في صنع موادهن التجميلية قبيل أكثر من خمسة آلاف عام. وعوضاً عن العودة الى أسواق العشابين التي كانت تنتشر في أسواق المدن الأوروبية القديمة. ويرى الكثير من دارسي علم الاجتماع في أوروبا يدور حول السبب في سعي كل من المرأة والرجل لدعم ثقتهم بأنفسهم من خلال الزيادة المطردة في عمليات التجميل واقتناء مستحضرات الزينة عما يكمل تسامي جمالها الذي يعزز شخصيتها من خلال اهتمامها المتعاظم بشكلها مع تقدم سنها، وهو الأمر الذي يعزز ثقتها بنفسها ويزيدها عناية بجمالها، فالماكياج يساعد على تخفيف الشعور بالإحباط والتوتر، ويخفف من الكرب النفسي، ويمنح الاستقرار والراحة وهدوء الأعصاب، الا انه من وجهة نظر المتخصصين، أشبه باللوحة الفنية، فهي كل ما يصيبها القدم، يشوبها التقشع والتلف ويغيب عنها رونق الألوان، فتخضع لعملية الترميم لاصلاح بعض أجزائها التالفة من اجل الحفاظ على درجة معينة من مراعاة ألوانها واعطائها وقت أطول للحياة. الرجل والماكياج والرجال الذين كانوا والى سنوات قريبة يحجمون عن اجراء عمليات تجميلية او وضع المستحضرات على وجوههم خوفاً وخجلاً من الآخرين يقبلون هذه الأيام على عمليات التجميل لحرصهم على تمديد فترة شبابهم، فعمليات شد الوجه وتعديل الأنف وزرع الشعر وشفط الدهون للتخلص من ارتفاعات البطن، وشد الأرداف وعضلات الصدر وجراحة العيون المنتفخة والذقون المترهلة، اصبحت شائعة وطبيعية. والصالونات الرجالية لم تعد مهماتها تقتصر على قص الشعر وحلق الذقون، بل تعدتها الى الاهتمام بتكحيل العيون واحمرار الشفاه وتطويل الرموش وتهذيب الأجفان والحواجب، الى استخدام الدهون والمراهم والحقن التجميلية التي تصنع من الكولاجين والريستلان لإزالة التجاعيد لفترات زمنية محددة، إضافة الى عمليات صبغ الخدود وتقليم الأظافر وتلوين الشعر، إذ أصبح يمكن الرجال والمرأة ارتياد صالون التجميل نفسه بسبب توافر كل ما يتطلبانه.