هل كان أدب المقاومة العربي خطأً تاريخياً، أم أن المقاومة فقدت أهميتها كقيمةٍ انسانيةٍ نبيلة؟؟ وإلاّ، ما معنى بروز أدب المقاومة في مرحلة تميزت بشيوع برّاني للمقاومة، وانحسار هذا الأدب في مرحلة المقاومة الحقيقية التي تمثلت في المقاومة اللبنانية أولاً والفلسطينية ثانياً؟ هل يعني ذلك أن أدب المقاومة كان بديلاً عن المقاومة، وأن المقاومة الحقيقية أكبر من الأدب؟ أم أن الموضوع برمته يخضع لاعتبارات خارجية، ولمتغيرات في المفاهيم والأهداف؟ ربما نستطيع مواصلة طرح المزيد من الأسئلة، لولا ما تُمليه الضرورة من محاولاتٍ للتفكير في اجابات محتملة عدة!! لم يكن أدب المقاومة خطأً تاريخياً، بل كان استجابةً تاريخية لمعطيات ايديولوجية متعينة في الزمان والمكان. وشيوعُ الشكل البراني للمقاومة هو الذي مهّد الطريق للمقاومة الحقيقية، من خلال تعميم ثقافة المقاومة، التي تُعدّ الوقود الضروري للفعل. ولم تفقد المقاومة أهميتها كقيمةٍ انسانية نبيلة، ولا يمكن في أي حالٍ أن تفقد هذه الأهمية، وهذا لا يعني بالضرورة أنها أكبر من الأدب. وإذا كان ثمة مشكلة أو تناقض ما، فإن هنالك أسباباً لذلك بالضرورة. ولعل هذه الأسباب لا تتعلق بالمقاومة ذاتها، بقدر ما تتعلق بأدبها في مرحلةٍ ما... فقد اتسم ذلك الأدب بنغمةٍ عالية من اليقين أولاً، وبالرغبة العميقة في قطف ثمار ذلك الأدب، وتذوقه. لقد اتسم أدب المقاومة الفلسطينية - النموذج أو المثل الأعلى - بالصوت الحاد المبشر بالنصر المبين والتحرير الكامل كحتمية تاريخية على المدى المنظور، لا على الإطلاق. وما إنْ تعرضت المقاومةُ الى هزة عنيفة عام 1982، والى تبعات تلك الهزة، حتى تبين للكاتب نفسه، أن الحتمية التاريخية كانت وهماً... ذلك انها كانت في الأصل محدودة بالزمان والمكان. وهذا يعني أن رؤية هذا الكاتب محكومة بالتوقعات والنتائج، أكثر مما هي مبنية على قراءة دقيقة لمفردات الواقع. وبقدر ما ساهم أدبُ المقاومة ذاك، في تعميم تلك الرؤية، فإنه كان في الوقت نفسه يستجيب لأفكار المتلقي، ويعيد انتاجها. ما حدث لاحقاً، هو أن المتلقي أصبح أكثر تبصراً بالواقع، بينما ظل أدب المقاومة أسير اللحظة والسطحية والراهن... أي أن الكاتب في هذه الحال، لم يعد قادراً على انتاج أفكار المتلقي، لا لجهة اعتبار الأدب المقاوم الجديد مبنياً على قراءةٍ أكثر عمقاً، بل لجهة بقاء هذا الأدب أسيراً للمفردات السابقة، المبنية على نغمة اليقين العالية، والتبشير بالحتمية التاريخية المقزمة، الأمر الذي أوجد هوّةً واسعةً بين أدب المقاومة في حلته الجديدة وجوهره القديم، وبين المتلقي العربي. أما الفجوة الأخرى، فهي بين المتلقي من جهة، وبين الأدب الجديد الذي لا يرفع شعار المقاومة، على رغم كون هذا الأدب في جوهره دعوةً حارّة الى المقاومة ببعدها الأشمل، طالما كان الهاجس الرئيس لهذا الأدب الجديد هو الحرية! ثمة مقاومة حقيقية، وثمة أدب يرفع الشعار، وثمة فجوات!! أي - وباختصار -، ثمة فعل إنساني نبيل، وثمة صراخ أجوف لا يرقى الى مستوى الفعل. ولكن... ثمة أيضاً أدبٌ يحاول أن يتلمس الجوهر في الإنسان من دون صراخ، وهو ما يلزمُ المقاومة كقيمةٍ نبيلة!!