الديوان الملكي: الصلاة على الأمير بدر بن عبدالمحسن بعد عصر غد «الأحد» في الرياض    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    «يويفا» يوافق على زيادة عدد اللاعبين في قوائم المنتخبات المشاركة بيورو 2024    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    160 ألف سيارة واردات المملكة خلال عامين    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الأمن العام: بدء تنفيذ التعليمات المنظمة للحج اعتبارا من اليوم    لن يغيب "البدر" لأن صفاءه في القلوب علامة    أمر ملكي بتعيين 261 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلى 34654    بلينكن يحذر مجدداً من هجوم إسرائيلي على رفح    الرياض تحتضن أكبر معرض لصناعة الدواجن    شمس منتصف الليل.. ظاهرة طبيعية تحدث في الصيف    رقم مميز ل رونالدو في مواجهات النصر والوحدة    بدر بن عبدالمحسن.. غاب البدر وانطفى ضيّ الحروف    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    انطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد بمسيرة أرفى بالشرقية    باكستان تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    جيرارد: محبط بسبب أداء لاعبي الاتفاق    التسمم الغذائي.. 75 مصاباً وحالة وفاة والمصدر واحد    توقعات بهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    غاياردو يغيب عن المؤتمر الصحفي بعد ثلاثية أبها    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    رحل البدر..وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر ناهز ال75 عاما    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    قصة القضاء والقدر    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكوى فضل الله من الإيرانيين جزء من الصراع المستجد والمنتظر بعد إطاحة صدام . حوزة النجف العراقية تتحفز لاستعادة دورها المرجعي مهددة "ولاية الفقيه" الإيرانية
نشر في الحياة يوم 04 - 02 - 2003

يبدو أن التصريحات التي أطلقها السيد محمد حسين فضل الله والتي أشار فيها إلى خلافات بينه وبين مراجع دينية إيرانية، ليست من دون سياق، إذ يشكل الحدث العراقي مرحلة جديدة بالنسبة إلى واقع المؤسسة الدينية الشيعية. فهذه الأخيرة بعدما كانت في الماضي تتخذ من مدينة النجف مركزاً لها تحولت بفعل اضطهاد النظام العراقي إلى مدينة قم الإيرانية التي تحولت بعد تهميش المدينة العراقية إلى المركز الوحيد للمرجعية الشيعية، مع ما يعني ذلك من تحولها مركز افتاء بإشراف رجال الدين الإيرانيين، مع بقاء هامش ضيق للنجف محكوم بالمزاج الأمني العراقي وتقلباته.
المسألة بالنسبة إلى الإيرانيين تتجاوز المعاني المعنوية، فأن تعود النجف لتأخذ دورها فإن ذلك سيشكل من دون شك مركز استقطاب ثانياً على الأقل بالنسبة إلى الشيعة في العالم، وسينكسر الاحتكار الإيراني للفتوى الشيعية. هذه القضية تصيب جوهر المعاني التشيعية التي أرستها الثورة الايرانية وأملتها على شيعة العالم. فقضية ولاية الفقيه وهي العصب الرئيسي للنظام الإيراني كما أرسى قواعده الإمام الخميني، لا تتمتع بإجماع شيعي، لا بل إن المراجع الشيعية النجفية تجمع على عدم القبول بها. وأن يجد الرفض الشيعي لولاية الفقيه مركزاً له، فإن هذا الأمر سيثير حفيظة النظام الإيراني بلا شك.
النجف اليوم تقيم في قم. يجمع على ذلك معظم رجال الدين الشيعة، وإقامتها هذه أملت عليها قبول المسالك الإفتائية الإيرانية النابعة من مصالح النظام ومن حاجاته لتكريس الواقع الذي يرغبه رجال الدين الإيرانيون، ومنها ولاية الفقيه التي تلزم أولاً المؤمنين بفتاوى الفقيه الأوحد وهو مرشد الثورة، وثانياً تؤكد استحالة الأعلمية على غير الحاكم. وقضية ولاية الفقيه هذه أثارت جدلاً واسعاً في أوساط المراجع الدينية، لكن الخميني ومن بعده السيد علي الخامنئي تمكنا من إقصاء معارضيها كما حصل مع الشيخ حسين منتظري او من تم تهميشهم، وهي الحال التي يعيشها عشرات المراجع من أصول نجفية في قم. وتعريف النجفي هنا لا يعني بالضرورة أن أصحابه تعود أصولهم إلى المدينة العراقية وإنما هو تعريف ثقافي يشمل العلماء الذين تكونوا في النجف أو درسوا على مراجع فيها، ومن بينهم عرب وعجم وباكستانيون وأفغان وهنود.
النجف كلها في قم. هكذا يقول أحد رجال الدين الشيعة الذين درسوا في النجف، ويعدد أسماء أعلام نجفية تقيم اليوم في المدينة الإيرانية، منهم السيد محمود الشهرودي والسيد كاظم الحائري والسيد القاصفي وآل كاشف الغطاء وآل الراضي وآل القرشي وآل الخاقاني. ويعيش هؤلاء حساسيات مختلفة، فمنهم من يرفض ولاية الفقيه ولكنه يتعايش معها، ومنهم من التحق بها ومنهم من يعاند ولكن بعقلانية.
ويجمع رجال دين شيعة التقتهم "الحياة" أنه إذا نتج عن الحرب المقبلة إزاحة صدام حسين، فلا بد أن يعود النجفيون إلى النجف حاملين معهم مشروعاً لتنشيط الحوزة الدينية فيها، إذ طالما شكلت هذه المدينة حيزاً مهماً في الوجدان الشيعي وسبق أن تعرضت لاضطهادات في عهود فائتة وانتقلت الحوزة منها إلى مدن أخرى مثل الحلة وكربلاء لتعود إليها ما إن تتغير الأوضاع. ووصلت سمعة المدينة إلى حد صارت فيه جزءاً من سمعة المراجع، فأي واحد من هؤلاء وإن كان درس في حوزات أخرى كان يشعر بالنقص إذا لم يمر على النجف ولو لسنة واحدة. هذه حال طلاب حوزة قم التي تأسست في آخر القرن التاسع عشر.
ويرى مراقبون ان هناك بعداً عربياً للحوزة الدينية في النجف وهو بعد اشكالي. فمشكلة عربي وأعجمي لم تفارق يوماً الحياة النجفية، أحياناً كانت تخبو وأحياناً كانت تحتدم. هذا الأمر مرشح للتفاقم بعد تجربة الطلبة العرب في حوزة قم. فهؤلاء تعرضوا للتمييز في المدينة الإيرانية، والنجفيون خصوصاً كطلبة وكعلماء في قم شعروا بأنهم غير أساسيين، والأساسي منهم هو من أصول إيرانية، لكن حتى الإيرانيين الذين تتلمذوا في النجف يعانون من التمييز، فهذا السيد محمد الشاهروبي رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو إيراني نجفي وغير مقبول من المؤسسة الدينية القمية ويسمونه السيد محمد هاشمي العراقي تشكيكاً في "تمامية جنسيته الإيرانية وصلاحه للمنصب". وتفاقمت بعد "دمار" النجف الحساسيات العربية - الإيرانية، والذهاب إلى قم أشبع لدى الإيرانيين ميلهم إلى دمج السياسة بالدين، وهو أمر لا تحبذه المراجع النجفية.
التحدي بالنسبة إلى الإيرانيين يبدو كبيراً، فالمسألة بالنسبة إليهم هي تبلور مرجعية شيعية لن تكترث للفتوى-النواة بالنسبة إلى النظام الايراني والمتعلقة بولاية الفقيه. لكن القضية تمتد إلى نواح أخرى. فالنفوذ الإيراني في الأوساط الشيعية في جميع أنحاء العالم تعتبر حوزة قم قناته الرئيسية. مسألة مركزية المرجعية كانت أنجزت في النجف لتستثمرها قم لاحقاً. الحقوق الشرعية مثلاً والمتمثلة بأموال الخمس والزكاة يأتي معظمها ومن جميع أنحاء العالم إلى قم. يحصل هذا في ظل قفور الحوزة النجفية وصعوبة الاتصال بمن تبقى من العلماء في مدن العتبات العراقية. ومنذ انتصار الثورة في إيران والحرب العراقية - الإيرانية وما أعقبها من اضطهاد للشيعة في العراق، سعت الثورة إلى ربط الحقوق الشرعية بمسألة المرجعية، إذ لم يكن يعتبر شرطاً شرعياً الالتزام بدفع الحقوق إلى المرجع المقلد بل تدفع له ولغيره من المجتهدين. لكن الإيرانيين بذلوا جهوداً حثيثة لربط الحقوق المتوجبة على المؤمنين بالمرجعية التي تعني الولي الفقيه. ولم يكن مرد ذلك حاجة الإيرانيين إلى هذه الأموال، وإنما يقينهم بأن حيازة هذه الحقوق من المرجعيات الأخرى ستولد نفوذاً للأخيرين مما يحفزهم على منافستهم على النفوذ.
ويبدو أن علاقة قم كمركز للمرجعية الشيعية بالأطراف مختلفة جوهرياً عن العلاقة التي كانت تربط النجف بهذه الأطراف. فمن الملاحظ أن قم سعت إلى مركزة شديدة للعلاقات وإلى نظام الفتوى الواحدة التي ترسل من المدينة الإيرانية إلى شعاب الشيعة ودساكرهم ومدنهم في كل العالم. أما النجف فأتاحت للأطراف أن تنتج مراجعها على أن تكون طبعاً هذه المراجع الطرفية مرتبطة بالحوزة النجفية. وفي هذه المعادلة لن يكون لمرجع كالسيد محمد حسين فضل الله موقع خصوصاً أنه من غير المسلّمين بمرجعية قم. أما الحوزة في النجف أو ما تبقى منها فلن يضيرها كثيراً تصدي فضل الله للمرجعية على رغم عدم اتفاقها معه في الكثير من الأمور.
وفي هذا السياق يشرح علماء شيعة آلية هذه المعادلة مشيرين إلى أن المراجع المتبقية في قم اليوم يقف على رأسهم السيد علي السيستاني وهو أحد تلاميذ السيد أبو القاسم الخوئي. ومقلدو السيستاني معظمهم من الإيرانيين ثم من العرب، إذ إن هذا السيد الإيراني ورث الكثير من مقلدي الخوئي ومن شبكة علاقاته. والمثير في الموضوع أن شبكة نفوذ هذا المرجع الإيراني الأصل والنجفي الانتماء هي في إيران. والسيستاني قد لا يسلم بمرجعية فضل الله لكنه وتبعاً للتقليد النجفي لا يقف في وجهها.
المرجع الثاني في النجف هذه الأيام هو السيد محمد سعيد الحكيم وهو استاذ لعدد كبير من العلماء الشيعة ويتصدى للمرجعية، ومقلدوه معظمهم من العرب خصوصاً الخليجيين، وهو أعلن عدم اعترافه بمرجعية فضل الله لكن هذا لا يعني بالطبع السعي إلى إقصائه. هذه الأمور هي من طبيعة العلاقات بين المراجع الشيعية كما يؤكد رجال الدين الشيعة الذين التقتهم "الحياة". أما حوزة قم وعلماؤها فيسعون إلى إضعاف المراجع الطرفية، وهذا ما أعلنه فضل الله أخيراً.
ويشرح رجال الدين هؤلاء آلية تحول النظام المرجعي إلى نظام مركزي أو شبه مركزي، فالأمر لم يكن على هذا النحو حتى النصف الأول من القرن الفائت. المجتهدون كانوا في الأطراف أيضاً حتى عهد الشيخ الأنصاري، والناس سواء في العراق أو أيران أو لبنان أو باكستان لم يكونوا مربوطين بالمركز وإنما بمراجعهم المحلية. الذي حصل أن المركز بدأ يتبلور في عهد السيد أبو الحسن الأصفهاني في أواسط القرن الفائت وهو من أنشأ نظام الوكالة، بمعنى أنه كان يرسل علماء من تلامذته إلى الأطراف ويزودهم بوكالات لقبض الحقوق الشرعية وحل مشكلات الناس. هذه المسألة بدأت تربط الناس بالمرجعية المركزية وحدّت قليلاً من دور المرجعيات الطرفية. ورافق ذلك هبوط في مستوى التحصيل العلمي عند اللبنانيين مثلاً والأطراف الأخرى، لكن ذلك لم يحل نهائياً دون وجود مراجع في الأطراف. لكن قم وبعد انتقال المرجعية إليها ذهبت بهذه المعادلة إلى آخرها وأدغمت فيها مسألة ولاية الفقيه التي لا تترك للمؤمنين حق اختيار المرجع الذي يقلدونه، إنه الحاكم الذي تتيح له السلطة حرية الاجتهاد. فرأي المرجعين النجفيين السيستاني والحكيم بمرجعية فضل الله لا يعني السعي إلى إقصائه، أما المراجع الإيرانية فتسعى إلى الحد من نفوذه.
ويؤكد المراقبون أن نصاب علاقة قم بالشيعة بعد إزاحة صدام حسين سيبنى على أساس نظام من المصالح، إذ سيحاول الإيرانيون ربط الأطراف الشيعية بشبكة علاقات مالية وسلطوية، فيما سيكون الانتماء إلى النجف اختيارياً. ويؤكد الجميع أن الاختيار سيفوق المصالح، يضاف إلى ذلك أن قم اشتغلت على إعادة إنتاج التمايزات المذهبية، أما النجف فهي أكثر استيعاباً للتنوع المذهبي بحكم وقوعها في بلد متعدد المذاهب، وثمة تحالفات سبق أن رعتها الحوزة النجفية بين الشيعة وبين الأقوام العراقية الأخرى ومنها على سبيل المثال الفتوى التي أطلقها السيد محسن الحكيم "بعدم جواز قتال الأكراد" إبان تقتيل النظام لهم في الستينات.
وفي عرض أولي لمدى تجاوب الشيعة في الدول المختلفة للانقسام المتوقع في المرجعية ثمة رجحان واضح للنجف على رغم النفوذ الذي تتمتع به قم. ويسهم في هذا الرجحان من دون شك ما تعرض له الشيعة العرب وغير الإيرانيين الذين لجأوا إلى إيران من معاملة سيئة. فالشيعة الأفغان عانوا في إيران إبان لجوئهم إليها من ضيم كبير في معاملتهم، حتى أن عناصر من حزب الوحدة الشيعي الأفغاني وهو المعادل الأفغاني لحزب الله اللبناني، تعرضوا لمضايقات في إيران.
وإحدى إشكاليات إيران مع الشيعة الأفغان تتمثل بالسيد آصف محسني وهو مرجع أفغاني خريج قم ولم تتمكن إيران من إخضاعه لسياستها، وحصلت اشتباكات بين مؤيديه وبين عناصر من حزب الوحدة الأفغاني الموالي لإيران.
وفي النجف اليوم مرجع أفغاني آخر هو أحد تلاميذ الخوئي وهو الشيخ إسحاق الفياض سيعاود الأفغانيون الاتصال به إذا انفكت النجف من عزلتها. أما باكستان فالشيعة فيها لم يسبق أن ارتبطوا بقم. "باكستان تكوين نجفي" هذا ما يجيب به العارفون بخبايا الحوزات الدينية الشيعية، فقم لم تتمكن من تكوين قيادات دينية باكستانية مرتبطة بإيران، وثمة وجوه باكستانية مرتبطة بإيران لكنها ليست دينية، يضاف إلى ذلك وجود مرجع باكستاني كبير في النجف يتصدى للمرجعية من المدينة العراقية هو الشيخ بشير. ول"الخوجة" وهم فرقة من شيعة الهند علاقات قديمة بالنجف إذ كانوا من أهم المسهمين مادياً في إنعاش حوزتها الدينية، عبر ما سمي ب"خيرية عوض" وهي مبلغ من المال كان يصل إلى الحوزة الدينية في النجف من الشيعة الهنود، ولطالما استعملت "خيرية عوض" في منافسات العلماء وفي محاولات تطويعهم من الانتداب الانكليزي، وفي أوائل الستينات توقفت الدولة الهندية عن إرسالها وصار الهنود الخوجة يؤدون زكاتهم وأخماسهم كأفراد.
ويبقى لبنان الذي تمكنت إيران من بسط نفوذها في أوساط شيعته من خلال تمويلها حزب الله، لكن هذا لن يعني فوزها بهم، إذ ثمة أطراف شيعية مختلفة خارج المظلة الإيرانية، ثم إن حزب الله نفسه سبق أن أتاح لمحازبيه ومناصريه في الماضي الالتزام بمرجعيات أخرى، وثمة من عناصره من يتبع فضل الله تقليداً، مما خلق ازدواجية في الولاء لم يتمكن الحزب من رأبها حتى الآن. أما شيعة الخليج فإمكان اختراقهم إيرانياً أمر صعب لأسباب كثيرة منها ترجيحهم حوزة عربية على أخرى فارسية، ومنها حصانتهم المادية.
الأمر الآخر المهم الذي لا بد أن يثير حفيظة دولة العمائم في إيران، هو معتقدات الشيعة الإيرانيين أنفسهم الذين يعتبرون أن مدن العتبات في العراق النجف وكربلاء و... "قبلتهم الثانية"، ولطالما سعت الأنظمة المتعاقبة على الحكم في إيران إلى إثبات حقها بسيادة ما على هذه المدن وذلك لشعورها بأن تلك العلاقة بين مواطنيها وبين مدن عراقية تعطيها حقوقاً في هذه المدن. وتشكل زيارات الإيرانيين إلى هذه المدن "حجاً" ثانياً، فيكتب على قبر من زار كربلاء منهم "كربلائي". هذا الأمر سيتيح من دون شك تسرب نفوذ الحوزة النجفية إلى داخل المجتمع الايراني الذي تسعى قم إلى ربطه بولاية الفقيه.
ويمكن تعداد مستويات جديدة ستبلورها المعطيات الجديدة على مستوى المؤسسة الدينية الشيعية والجمهور الشيعي عموماً:
1- التيار الشيعي الذي لا يتبنى ولاية الفقيه سيصبح له مركز، وسيتحرر من الوصاية الإيرانية.
2- مسألة المرجعية العربية ستعود لتتبلور من جديد خصوصاً بعد تحولها إلى حساسية مكبوتة في ظل تصدر قم وانفرادها.
3- لن يبقى الأميركيون في منأى عن هذه الحساسيات، إذ سيدخلون على خط التنافس وسيرجحون مرجعية لا تعيق مشاريعهم في المنطقة.
وفي قم علمت "الحياة" من مصادر إيرانية على علاقة بالحوزة الدينية أن أربعة رجال دين من أساتذة الحوزة العراقيين المقيمين في قم وهم الشيخ حسين الجواهري والسيد علي رضا الحائري والشيخ باقر الأيرواني والسيد هادي آل الراضي، أقدموا على تشكيل لجنة للنظر في مستقبل الحوزة الدينية في النجف بعد سقوط النظام العراقي، ونشّط هؤلاء في الأشهر الأخيرة اتصالاتهم بالطلاب العراقيين الموجودين في قم من خلال التواجد في حلقات الدرس والحوار المباشر مع الطلاب بهدف استمالتهم. وفي الأيام الأخيرة أسس الأساتذة الأربعة مكتباً في قم لاستقبال الأشخاص الموالين والقيام بالتحضيرات للذهاب إلى النجف، ما شكل شبه إعلان رسمي عن بدء عمل هذه اللجنة. لكن يبدو أن هذه اللجنة ليست إلا محاولة استباق إيرانية لمساعي النجفيين، فالسيد الحائري هو صهر السيد مشكيني رئيس مجلس خبراء قيادة الثورة الإيرانية، وأعضاؤها الآخرون مقربون من النظام الإيراني. وأكدت المصادر أن جماعة حزب الدعوة الإسلامية والسيد محمد حسين فضل الله معترضون على عمل هذه اللجنة، وكذلك السيد الشيرازي. وأكدت مصادر في حوزة قم استعداد عدد كبير من المراجع الشيعية للانتقال من قم إلى النجف فور سقوط صدام، ومنهم السيد الشاهروبي والسيد ميرزا التبريزي، إضافة إلى جيل العلماء الخمسينيين، وهؤلاء في عرف الحوزة من العلماء الشباب الذين ينظرون إلى المرجعية كهدف يسعون إليه في المستقبل.
من جهتهم علماء قم يؤكدون أن حوزتهم استقرت وهي لم تعد في حاجة إلى تواصل مع النجف للاعتراف بطلابها، ويؤكدون أن استمرار قم مستمد من استقرار النظام في إيران. وتوقع هؤلاء علاقة جيدة بين قم والنجف على أن يبقى للنجف القرار الفقهي الأساسي.
ويبدو أن حوزة قم تشهد هذه الأيام نقاشات وفرزاً للمواقف والتيارات، فيعترف العلماء القميون بأسبقية النجف في العلوم الأنسانية والأدب، لكنهم يؤكدون أن حوزتهم أدخلت على المناهج العلوم الفلسفية والعرفانية. ولكن أيضاً تنضح من هذه النقاشات مشاريع خلافات جوهرية تمتد إلى أصل المشاعر المتبادلة بين العرب والإيرانيين. فالنجفيون في قم يهيئون أنفسهم لمشروع يسمونه إدخال النجف في النسيج الاجتماعي العراقي. النجف كما يقولون لم يسبق أن لعبت أدواراً إيجابية في محاولات التسويات الاجتماعية بين الجماعات العراقية، ويعيد هؤلاء أسباب ذلك إلى أن القيادات المرجعية في المدينة كانت معظمها إيرانية ولم تكن مسألة الوحدة الوطنية العراقية أحد همومها. وقد قال أحد المراجع العراقية في قم ما حرفيته "المحاولة الآن هي لإنتاج مرجعية عربية تستطيع أن تنسجم مع العقلية العراقية".
ومن الطبيعي أن يكون هذا الكلام امتداداً لنزعة عراقية جديدة تعتبر أن أزمة العراق في أحد وجوهها نابعة من انفلاش هذا البلد على قضايا خارجه، عاد هو وأدخلها إلى أزماته الداخلية. إنها مسألة "عراقية العراق"، وهذه الدعوة وجدت على ما يبدو أصداء واسعة في أوساط غربية تعيد اليوم التفكير بالعراق الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.