سقطت بغداد في التاسع من نيسان ابريل الماضي، ولا نزال، شعوباً وقيادات ونخباً سياسية واجتماعية، في مرحلة رد الفعل العاطفي وغير المدروس، ان كان هناك رد فعل. فالشعوب والنخب والقيادات أصابها الجمود والتخدر. فأصبحت تنظر، ان نظرت، الى الحوادث حولها نظرة ذهول وعجز وحيرة. فلا تستطيع قراءة الحاضر، ولن تستطيع، استطراداً، استشراف المستقبل. إذاً، لنتذكر الماضي لعلنا نجد ما يفيدنا في قراءة حاضرنا واستشراف مستقبلنا. سقطت روما عام 476م، فكان ذلك بداية العصور الوسطى في أوروبا وعهد الظلمات. وكان الانتظار لألف عام حتى قدر لسقوط آخر، هو سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين عام 1453م، أن يشكل حدثاً محورياً مهماً في دخول أوروبا عصر النهضة، وتحفيز حركة احياء العلوم في أوروبا. وانبثقت منها دراسات جديدة في مختلف مجالات العلم والفكر. وكان سقوط بغداد الأول على يد هولاكو، عام 1258م، حادثاً مصيرياً، ومؤشراً الى انحدار شمس الحضارة العربية والإسلامية. فماذا عسانا نجعل من السقوط الثاني لعاصمة العراق؟ هل يكون مثل سقوط القسطنطينية، مؤشراً على عصر جديد، وباعثاً على نهضة شاملة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ أم يكون مجرد حلقة في مسلسل الانحدار والانهيار الشامل والكامل؟ لا يزال الحديث حول النتائج والعبر التي يمكن استخلاصها من سقوط بغداد، ووضع العراق تحت السيطرة الأميركية، مبكراً. لكن تقصي حال الضعف والتردي العام، ان لم نقل الانهيار الشامل، التي أصابت جوانب الحياة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يجب أن يكون الخطوة الأولى في طريقنا الطويل نحو نفض غبار التخلف والانحطاط الذي لازمنا مئات السنين، والانتقال من مرحلة رد الفعل السلبية التي لازمتنا طويلاً الى مرحلة الفعل والتأثير، والتمكين لنهضة عربية واسلامية شاملة، فنضع خطوطاً عريضة للنهضة العربية والإسلامية المرجوة. ومن هذه الخطوط: بناء الإنسان السوي المتعلم الواعي، وبناء دولة القانون والمؤسسات، وتطبيق العدالة التي هي مقصد علاقة الفرد بالدولة، ومحاربة مظاهر الفساد والظلم والتطرف والاستبداد والتمييز والجهل والتخلف بأوجهها وأنواعها ومظاهرها المختلفة، واحترام وتعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان، والإفادة مما عند الأمم الأخرى من أسباب التقدم العلمي والتقني، والتأسيس لنهضة علمية وصناعية وزراعية شاملة، وتطوير الحياة الفكرية والثقافية بالاتصال المتبادل والايجابي بالثقافات الأخرى. وهذا كله مع الالتزام بقيم ومبادئ الإسلام السمحة، التي حولت العرب من مجموعة من القبائل المتناحرة الى حضارة ذات فتوحات في شتى المجالات، وفي إمكانها، مرة أخرى، على ضوء الحديث النبوي "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، اخراج العرب والمسلمين مما هم فيه، واعادتهم الى الطليعة التي غابوا عنها طويلاً. ان التاريخ يعيد نفسه، ولكن من دون ان تعود عجلته الى الوراء. والطريق لا يزال طويلاً أمامنا، في انتظار الخطوة الأولى. الرياض - سليم بن ضيف الله بن سليم كلية الطب البشري - جامعة الملك سعود [email protected]