بدا واضحاً ان الدعوة السورية للقوى السياسية الى التهدئة تجاوزت التصويت النيابي لمصلحة مشروع الموازنة الى سحب ملف الهاتف الخلوي من التداول والعودة به الى مجلس الوزراء، حرصاً من دمشق على صون العلاقة بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري وعدم تعريضها الى الاهتزاز. وفي تقدير المراقبين لسير المناقشات النيابية للموازنة ان التصويت عليها كان سياسياً بامتياز وأن بعض الكتل النيابية التي انتقدتها بالمفرق سرعان ما بادرت الى تأييدها بالجملة شعوراً منها بضرورة تحييدها من التجاذبات السياسية من جهة والالتزام بمفاعيل مؤتمر باريس -2 تأكيداً لصدقية الدولة وقدرتها على ترجمة تعهداتها الى خطوات ملموسة من جهة اخرى. ولفت قطب نيابي الى الدور الأساسي لدمشق في توفير التأييد للموازنة، انسجاماً مع موقفها الداعم لمؤتمر باريس -2 ورغبتها في تمرير رسالة الى المجتمع الدولي الذي اسهم في تقديم التسهيلات المالية للبنان، مفادها انها لن تسمح بالتفريط بالفرصة التي من شأنها ان تتيح له التغلب على مشكلة خدمة الدين العام واستمرار العجز في الموازنة. وأوضح القطب النيابي ان السيطرة على ملف الخلوي وإخراجه من التجاذبات تما بناء لنصيحة سورية بعدما كان البعض يعتقد ان استمرار السجال لن يؤثر في العلاقة بين الرئيسين قبل ان يكتشف أن الجهود الداعمة للتهدئة ستذهب سدى ما لم يصَر الى إدراج ملف الخلوي ضمن البنود المشمولة بالتوافق. وأكد ان التصويت الى جانب الموازنة ما كان ليكون بهذا الحجم لولا الدور الفاعل لدمشق التي نجحت في حث الكتل النيابية الرئيسة على التصويت لمصلحتها. وهذا ما يفسر المواقف الإيجابية التي أبداها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي عمل لمصلحتها، اضافة الى تأييد رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي النائب وليد جنبلاط والنواب المنتمين الى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث والتكتل الطرابلسي موريس فاضل، محمد كبارة، محمد الصفدي الذي قرر ان يفتح صفحة جديدة في علاقته بالحريري خلافاً للاعتقاد السائد ان تطور تعاونه مع الرئيس عمر كرامي قد يدفعه الى معارضة الموازنة. وفي هذا السياق، اعتبر مرجع سياسي انه يمكن النظر الى التصويت بكثافة للموازنة من زوايا عدة، ابرزها التعاطي معه وكأنه يعيد الاعتبار الى الحكومة لتعويمها على رغم ان بعض اهل بيتها الذي يتولى رعايتها كان اول من سارع الى نعيها واعتبارها ميتة. وتساءل المرجع السياسي عما اذا كان هذا التعويم يعني ان الحكومة باقية وأن الرد على الدعوات الى استبدالها جاء من خلال جلسات الموازنة التي اعادت إليها الروح، ام ان المقصود من مشاركة النواب الواسعة القول أنهم يشاركون في وداعها ليأتي رحيلها في ظروف طبيعية عندما تحين الفرصة لاستبدالها؟ وأكد ان التفسيرات التي اعطيت للتصويت على الموازنة، وإن اختلفت، فإنها تجتمع في نهاية المطاف تحت سقف واحد يراد منه تأكيد ان ما حصل في جلسات المناقشة ادى الى تبديد الأجواء الناجمة سابقاً عن التوتر بين الرئيسين وصولاً الى محاصرتها ومنعها من ان تكون حاضرة او مؤثرة في ساحة النجمة. وبكلام آخر، رأى المرجع ان الأجواء الإيجابية التي انتهت اليها جلسات المناقشة ادت الى استحضار المناخ السياسي الطبيعي الذي يمكن ان يساعد على بقاء الحكومة الى حين يتقرر استبدالها او يفسح في المجال، وعلى عجل، امام البحث بتغييرها في اجواء يغيب عنها التحدي وبالتالي تمنع التعاطي مع التغيير وكأنه مناسبة لتبادل تسجيل المواقف بين لحود والحريري على خلفية التوتر الذي حصل اخيراً قبل ان تعود العلاقة الى مجراها الطبيعي. وأكد ان التغيير الوزاري لم يعد مستحيلاً بعد الأجواء الإيجابية المترتبة على جلسات المناقشة او مرتبطاً في شكل مباشر بالاستحقاق الإقليمي ريثما تنجلي الصورة الحقيقية لما ستكون عليه الأوضاع في المنطقة في حال قامت الولاياتالمتحدة الأميركية بشن الحرب على العراق. وأوضح المرجع ان اتخاذ ظروف المنطقة الدقيقة مبرراً لعدم الاستعجال في فتح ملف التغيير الحكومي قد يكون جائزاً في حال لم تكن الأجواء المحلية ملائمة للخوض في مثل هذه التجربة، لكن احتمال حصول التغيير في شكل طبيعي لا يؤثر سلباً في العلاقة بين الرئيسين وتعاونهما مع بري يبقى قائماً لكن يترك لعامل الوقت تحديد ساعة الصفر. واعتبر ان تذرع دمشق احياناً بالظروف الإقليمية لعدم تحبيذ التغيير الحكومي له ما يبرره في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات ومستجدات تدعم وجهة النظر السورية، بمقدار ما ان كبار المسؤولين فيها يفضلون تجنب الاقتراب من استبدال الحكومة إذا لم تكن الخطوة مقرونة بتوافق يسمح بالمجيء بحكومة اكثر تماسكاً وإنتاجاً على المستويات كافة.