منذ أيام والموضوع الأهم في الصحف الاسرائيلية هو أخبار الفساد في الانتخابات التمهيدية لعصابة ليكود التي تسمى حزباً. معلوماتي كلها اليوم من الصحف الاسرائيلية الرئيسية الثلاث: "معاريف" و"هاأرتز" و"يديعوت اخرونوت"، والصحافة العربية في اسرائيل والأراضي الفلسطينية، فالانتخابات التمهيدية للعمل وليكود ما كادت تنتهي حتى انفجرت فضيحة ليكود، وقد مضى أسبوعان من دون أن يزاحم خبر آخر موضوع الفساد في الديموقراطية على الطريقة الاسرائيلية. "هاأرتز" قالت انها ليست انتخابات تمهيدية، بل "تجريمية"، والواقع أنها أكثر من ذلك. فإضافة الى ترشيح الجريمة المنظمة ممثليها ضمن قائمة ليكود، كان هناك فساد عام، ورشوة وشراء أصوات، وابتزاز وتهديد. وقالت الصحف ان الاسرائيلي القادر يجمع أسرته وجيرانه وموظفي شركته، ويدفع اشتراكهم في ليكود، ثم يجد نفسه في اللجنة المركزية للحزب، حيث يختار المرشحين. وبما ان الانتخابات في اسرائيل تجرى على أساس القائمة والنسبية، فإن الوصول الى مركز عالٍ في قائمة الحزب يعني ضمان مقعد في الكنيست. وقرأت الآتي: - هناك جريمة منظمة داخل الأحزاب، خصوصاً ليكود، والعضو من هؤلاء يضمن بدخوله الكنيست حصانة من مراقبة مقر عمله أو منزله أو سيارته أو هاتفه. - تحقيق فرقة مكافحة الغش شمل أعضاء في اللجنة المركزية لليكود، بتهمة الرشوة، ولكن ربما وصل التحقيق الى أركان الحزب الذين يبدو أن لكل واحد منهم "متعهد أصوات". - أعضاء في ليكود قالوا انهم يشعرون وكأن "فيروس" انترنت ضربهم. وكل واحد أصبح يسعى لحماية نفسه، وتوقف كثيرون عن استعمال الهاتف المحمول خوف مراقبة مكالماتهم. - المرشح حاييم كوهن قال انه جرت محاولة لإرغامه على دفع ثمن اختياره ضمن قائمة ليكود الانتخابية. وجاءه رجل قال ان مجموعته تملك 140 صوتاً في اللجنة المركزية، وثمن الصوت 500 دولار، فإذا دفع المرشح 70 ألف دولار فسيصوتون له. - أكبر عصابة مفردة داخل اللجنة المركزية هي ما يسمى "جماعة القدس". - لم تقتصر طلبات الرشوة على فلوس، فقد استضيف الأعضاء في أفخم الفنادق، وطلب من ليمور ليفنان، وزيرة التعليم، اعطاء شهادات تخرّج وفتح حضانات في مقابل الأصوات. أما عوزي لانداو، وزير الأمن الداخلي فطلب منه العفو عن سجناء. - اعتقل عضوان في ليكود بناء على شكوى المرشح اكيفا نوف الذي قال انهما طالباه بفلوس كرشوة. - خسر روبي ريفلين، وزير المواصلات مركزه في لائحة ليكود بعد أن طلب منه اجراء تعيينات سياسية في وزارته ورفض. ونعرف جميعاً أن آرييل شارون مجرم حرب، غير ان القتل ليس صفته الوحيدة، فهو وزير الدفاع الوحيد الذي طرد من منصبه، وقد طعن كل رئيس وزراء تعاون معه على مدى 20 سنة، وزاد هذه المرة الفساد، فالمشكلة تعود الى التنافس بينه وبين بنيامين نتانياهو على رئاسة ليكود، وهو فتح العضوية لعصابات الجريمة ولأصحاب المصالح ليزيد عدد ناخبيه داخل الحزب، والنتيجة ان الحزب كله أصبح متهماً، وأول استفتاء بعد انفجار الفضيحة أظهر ان ليكود قد يخسر ثلاثة مقاعد الى أربعة بسببها. مع ذلك يظل ليكود في مركز قوي، فهو كان مرشحاً للفوز ب35 مقعداً في مقابل 22 للعمل وتسعة مقاعد أو عشرة لكل من ميريتز وشينوي، وثمانية مقاعد أو تسعة لشاس، والبقية للأحزاب الروسية والدينية والعربية. الأحزاب العربية عدو نفسها، فأعضاؤها في خلاف مستمر، والصورة تتغير أسبوعاً بعد أسبوع، وأنا أقرأ عن القائمة العربية الموحدة التي يحتل المراكز الأولى فيها ممثلو الحركة الإسلامية ويتبعهم الحزب الديموقراطي العربي. وأقرأ عن الجبهة والتجمع والاصلاح والحركة العربية للتغيير والحزب الشيوعي والحزب القومي العربي. والحزب من هذه يتألف من ثلاثة مرشحين إذا كان كبيراً، ومرشحَين أو واحد في الغالب. ولا أتوقع شخصياً أن يتفق المرشحون العرب على خوض الانتخابات في قائمة واحدة. وقد أظهر استفتاء ان 58 في المئة من العرب سيشاركون في انتخابات 28 من الشهر المقبل. الاستفتاءات كافة، بما فيها واحد بعد الفضيحة، تظهر ان ليكود متقدم بفارق كبير على حزب العمل، غير ان ستة أسابيع تفصل الاسرائيليين عن الانتخابات، وقد خسر العمل سنة 1977 في شكل مفاجئ، وكذلك خسر نتانياهو سنة 1992، وكان السبب فضيحة فساد. ولا يعني هذا الكلام ان ليكود قد يخسر هذه المرة، فنحن لا نعرف بعد اتجاه التحقيق والرؤوس التي ستسقط بسببه. في غضون ذلك يحمّل شارون كل طرف في العالم المسؤولية عن فشله، فهو يقول ان هناك لا سامية جديدة، ويتهم حزب العمل واتفاقات أوسلو، ويصرّ على أن العرب يريدون قتل اليهود، ولو تنازل هؤلاء عن كل بوصة من الأرض. وطبعاً فاليسار ككل مسؤول وكذلك وسائل الإعلام "العدوة". ويبدو حتى اشعار آخر ان شارون اقنع غالبية من الاسرائيليين بكلامه، فهو يخوفهم من وضع أسوأ مع أنه فشل في تحقيق الأمن، ودمر الاقتصاد، والآن جاء ليفسد العملية الانتخابية. "هاأرتز" اختصرت الموضوع بالقول انه لم يعد هناك في اسرائيل حزب عنده مجرمون، بل أصبح هناك مجرمون عندهم حزب.