ألم الولاياتالمتحدة وألم الغرب ألم للعالم. لكن هناك روائح بشعة: حذر من الأجانب. تحريض عليهم في بعض وسائل الاعلام الرخيصة. اعتداءات هنا وهناك. وكلام لا ينتهي عن "صراع الحضارات" الذي يتغزل به اليمين الغربي بقدر ما يصدح الاسلاميون الاصوليون. هذا ما يمكن توقعه في حالات الغضب الجماعي. وما حدث سبب وجيه للغضب الذي قد تعجز مداخلات كبار الزعماء الغربيين عن وقفه عند حد. مع ذلك: انه يسيء الى الغرب وصورته. يشير الى خصوبة البيئة الاكثر تخلفاً فيه. الاكثر عنصرية. صراع الحضارات؟ ماذا يعني؟ هل جاء هتلر من باكستان؟ هل كان موسوليني من شبه جزيرة العرب؟ هل كان تيموثي ماكفي واحداً من شبان صعيد مصر؟ ثم من ينطق بلسان "الحضارة الشرقية"؟ صدام حسين ام ضحاياه العراقيون؟ محمد خاتمي أم علي خامنئي؟ واذا كان ابن لادن قد آذى الغرب، وهو ما فعله من دون شك، فهل ثمة شك في أنه آذى الشرق أكثر؟ شطب الانتفاضة الفلسطينية. هدد دولاً بكاملها بعدم الاستقرار. أساء الى حياة مئات آلاف، بل ملايين، المهاجرين. ثم أليس الشرقيون، وفي طليعتهم الأفغان، الضحايا الدائمين واليوميين لأولئك الارهابيين الذين يحكمونهم؟ الموضوع ليس صراع حضارات. يمكن فهم الركود الثقافي والسياسي الذي ينتاب منطقة ما في لحظة تاريخية. يمكن ايضاً فهم المآزق التي تواجهها شعوب بعينها. وهذا كله حاصل في العالم الاسلامي. أسبابه كامنة في التاريخ، وهو ما ينبغي على الشعوب والنخب الاسلامية درسه والمجاهرة به ونقده ونقضه. لكنها لأنها كامنة في التاريخ، زائلة في التاريخ. فالأمر لا يتعلق بجوهر ثابت مزعوم. ولا بدين بعينه. وفي أي دين يمكن العثور على معانٍ قابلة للاستخدام بما يفيد العنف، وعلى أخرى قابلة للاستخدام بما يفيد المحبة والتسامح. ولأن التاريخ المرفق بالجهد الانساني الواعي هو مدخل الحل، فان دعوات السحق والمحق ليست الحل. النزعة العسكرية - القومية التي تُسمع من بعض أميركا ليست الحل. التهديدات لأفغانستان، اذا اقتصرت على ضربات عسكرية، خصوصاً اذا جاءت الضربات عمياء، ليست الحل. انها عقاب آخر لشعب افغانستان المبتلي أصلاً بوحوش طالبان. وقد لا يكون من سبيل للحؤول دون الضربات العسكرية. وبالتأكيد فالضربات التي تستهدف ارهابيين مطلوبة بحماس. والمجتمعات الاسلامية، لولا الركود الذي تعانيه، لكانت اول من يبادر الى انزال العقاب النوعي بهؤلاء. كانت اول من يسلّمهم. بالأحرى، أول من يحول دون صعودهم. أول من يطالب بفصل السياسة عن الحق في الحياة. بل كانت اول من يردد، مع هنري كيسينجر، ان المطلوب ضرب البنية المولّدة للارهاب بقسوة لا ترحم. لكن الأمر، خصوصاً أن الحرب ستدوم سنوات، يستدعي جهوداً أخرى. صحيح ان الارهاب ليس نتاج السياسة والاقتصاد فحسب، كما يقول الباحثون عن أسباب تخفيفية للارهابيين. لكنه قابل، من دون شك، للمحاصرة بالسياسة والاقتصاد. أي أن العصابات المريضة والمتعصبة وبيروقراطيات القتل يمكن عزلها عن شعوبها وعن الملتفين حولها. وهم للأسف كثيرون بسبب الأوضاع البالغة الرداءة في العالم الاسلامي. فما دمنا نتحدث عن عولمة أمنية، فلماذا لا نضيف عولمة سياسية تتجسد في حاكمية أعدل وانتباه أكبر الى مشاكل الشعوب والأمم؟ وما دمنا نتحدث عن حرب عالمية ثالثة، فلماذا لا نذكّر بأن الحرب الأولى أعطت مبادىء ويلسون، والحرب الثانية أعطت مشروع مارشال؟ هذا، بالطبع، لا يلغي المسؤوليات الكبرى للشعوب. لكنه أيضاً لا يلغي المسؤولية الكبرى لسيدة العالم المنكوبة اليوم، والتي نُكبت بنكبتها حضارات العالم كله.