باريس - "الحياة" - في تشرين الثاني نوفمبر 1999 بثت شبكة التلفزيون البريطانية شريطاً مصوراً روى وقائع استعمال الوكالة العالمية لعارضات الموضة "إيليت" الفَتِيَّات في أبواب ومجالات جنسية. واضطرت الوكالة المعروفة، منظِّمة مباريات اختيار العارضات ووكيلة خطواتهن الأولى، الى مقاضاة الشبكة البريطانية. وبعد سنتين من الاجراءات القانونية لم تتضح ملابسات الرواية التلفزيونية، ولم يحسم القضاء الدعوى. ولكن الحكم القضائي لم يجل الشبهة ولم يبددها. فلم تسلم الوكالة من الشكوك التي علقت بها وبسمعتها الادارية والمسلكية. وها هي الشكوك تلاحقها مرة ثانية. والسبب في الشكوك، هذه المرة، هو رجل أعمال لبناني، يدعى عمر حرفوش. ويعمل حرفوش 32 سنة في أوكرانيا، بمدينة كييف. ويملك في العاصمة الأوكرانية شركة اعلامية، "سوبر نوفا". وكانت فاتحة القضية إقدام رجل الأعمال اللبناني على الكشف عن خبايا نظام منحرف، يبعث انحرافه على الخجل. فالفتيات القُصَّر أو القاصرات يتعرضن قبل المباريات، وفي أثنائها، وبعد إعلان نتائجها لابتزاز شديد الوطأة. ولا يتورع موظفو الوكالة، على زعم صاحب "سوبر نوفا"، عن تبادل الفتيات ولا عن إغرائهن واستمالتهن بوعود العمل والعقود. وإذا ادعت فتيات خذلن، وكذب عليهن، على من غرَّر بهن، لم يجدن الشهود الذين يؤيدون دعواهن. وذلك لأن الموظفين المدعى عليهم اشتروا، في الأثناء، الشهود. وتتناول التهمة، في المرتبة الأولى، مباريات "إيليت موديل لوك"، أو انتخاب "مس إيليت"، على ما تسمي التلفزيونات المحلية، الفضائية العربية، انتخاب المرشحة الى استعراض العارضات. فالوكالة تختار، في السنة، خمس عشرة عارضة مبتدئة، أعمارهن بين 14 و18 سنة، من ثلاثمائة مرشحة سبق اختيارهن في عشرات البلدان بينها، في الشرق الأوسط، اسرائيل وتركيا ولبنان ومصر وتونس والمغرب. وفي 8 أيلول سبتمبر من كل عام تتهاوى الثلاثمائة صبية أمام هيئة تحكيم الوكالة، في مدينة نيس الفرنسية. فتنتخب هذه الخمس عشرة محظية اللواتي يحلمن كلهن، على الأرجح، بمضاهاة كلوديا شيفر ونعومي كامبل، والعارضتان و"فتاتا الغلاف" الذائعتا الصيت هما من "صنع" الوكالة. رعى عمر حرفوش في الأعوام الثلاثة الأخيرة، 1998 و1999 و2000، انتخاب الفتيات الأوكرانيات اللاتي سافرن الى مدينة نيس للاشتراك في "التصفية" الأخيرة. ويزعم حرفوش، اليوم، أن موظفاً من الوكالة حط في كييف قبيل عرض المتباريات، واشترط عليه "اختبار" المتباريات في سيارته الفخمة قبل عرضهن أنفسهن على الخشبات. فرفض الوكيل "الأوكراني"، اللبناني الأصل، طلب الموظف المركزي. فما كان من هذا إلا أن هدد بسحب الترخيص من فرع الوكالة المحلي وإبطال مباراتها. فارتأى أصدقاء حرفوش مداراة الموظف بواسطة بَغيِّ شابة وجميلة تُلبِس الأمر عليه. فأرسلوا إيلينا أوغينييفنا، الملقبة "لوليتا" محل المرشحة المفترضة. و"لوليتا" هذه هي الشاهدة في الدعوى الجديدة الجارية، في لندن. ويذهب نزيل كييف ومتوطنها الى ان مثل هذه "الفعلات" رائجة ومقبولة في بعض أوساط الموضة والدعاية والتسويق. وليس معنى دعواه أن الوكالة، وغيرها من الوكالات والشركات، "شبكة" منظمة ومختصة. ولكنه يزعم أن في وسعه البرهان على أن الوكالة لم تبخل ب"هدايا" على بعض أصحاب وسائل الاعلام، أو بعض كبار قادة الشرطة في بلد مثل فرنسا "لوموند"، 2-3 أيلول 2001. وهي من نوع "الهدية" التي أراد موظف الوكالة الطارئ أن يهديها لنفسه عنوة وقسراً. ويعزو جيرالد ماري، رئيس مجلس ادارة الوكالة، مزاعم عمر حرفوش الى صرفه من العمل. ويهدد ماري الصحف التي تتناول الموضوع بالمقاضاة. والوكالة صرفت ما لا يقل عن 850 ألف دولار اميركي أتعاب محامين، في 1999. ولكن مثل هذه التهديدات ليست قرينة على رغبة في جلاء الوقائع والحقائق. ف"لوليتا"، على سبيل المثال، بدلت شهادتها في أثناء السنة التي انقضت على الدعوى. وهي تركت، في الأثناء، من غير حماية ولا مساعدة قانونية. و"قاعدة الصمت" أو "قانونه"، على ما يقال في عادات "المافيا" وتقاليدها، هي السائدة في أوساط الموضة ودوائرها. وليس يسيراً على فتيات في الخامسة عشرة من عمرهن، يتوسلن بجمالهن الى مهنة باهرة وقاسية، الوقوف موقف الاتهام والادعاء، والثبات عليه. ولا ريب في سطوة الوكالات على العارضات والعارضين، الفتيات والفتيان. فلا واسطة بين العاملات والعاملين في الأزياء وتسويقها وبين سوق العمل، من شركات التصميم والخياطة والأقمشة الى التصوير المحترف، غير الوكالات هذه. وتؤدي المنافسة الشديدة بين العارضات، ولا سيما المبتدئات، الى تقوية سطوة الوكالات. ولما كانت المهنة نفسها، وهي تقوم على الفرص السانحة والمناسبات الخاطفة والتنقل الدائم، لما كانت تجر ممتهناتها الى حل روابطهن وعلاقاتهن بالأهل والأصحاب، وبكل ما يتصف ببعض الرسوخ والثبات، امتلك الناصحون والمشيرون من موظفي الوكالات نفوذاً عليهن كبيراً. ويرد جيرالد ماري على دعوى عمر حرفوش بالتشكيك في مصادر تمويل حرفوش، ويزعم ان هذا عرض على الوكالة شراءها بسعر كبير. ولكن الارتياب في مصادر الأموال حمل الوكالة على رفض العرض. ويذكر رئيس مجلس الادارة بأن التلفزة البريطانية استأجرت خدمات متعقبين محترفين، وأوكلت اليهن جمع القرائن على تجارة رقيق مزعومة تديرها الوكالات، من غير طائل. ولم تعدم دعوى حرفوش نتائج تجارية مباشرة وشديدة الوطأة على الوكالة، عشية تظاهراتها السنوية في 8 أيلول المنصرم. فانسحبت شركات تسويق أو تصنيع سلع جمالية، من رعاية التظاهرة. وتعلن شركات أخرى عن عزمها دراسة عقودها مع الوكالة والنظر في تجديدها. ومن هذه الشركات "لوغو" من مجموعة "إيسِّيلور"، و"لوريال"، شركة مستحضرات التجميل الكبيرة، و"جيليت" للحلاقة والتجميل، وغيرها. ويندرج التحفظ في تعميم المراقبة على التزام الشركات الكبيرة معايير اخلاقية في علاقات العمل والانتاج. وتتناول هذه المعايير سن العاملين والعاملات في معامل "نايكي" بأندونيسيا ومانيلا، على نحو ما تتناول الابتزاز الجنسي هنا وهناك.