ربط المحققون الاميركيون بين أحد المشتبه بهم في الاعتداءات الأخيرة على نيويورك وواشنطن ومجموعة اعتقلت في الضنيّة شمال لبنان مطلع السنة 2000، بعد معركة شرسة مع الجيش اللبناني. واشارت معلومات الى ان هذه المجموعة كانت تريد انشاء فرع لتنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه أسامة بن لادن. وتضمن القرار الاتهامي الذي أصدره رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان القاضي حاتم ماضي بحق المعتقلين في قضية الاعتداء على أمن الدولة اللبنانية، في منطقة جرود الضنية عشية رأس السنة الميلادية 1999 - 2000، ما يشبه رواية لطريقة تَشَكُّل هذه المجموعة بقيادة بسام الكنج "أبو عائشة" ومحاولة لتجميع خيوطها. وكانت العملية أدت الى مقتل عسكريين ومدنيين لبنانيين وعدد من المسلحين. راجع ص 10 وتبدأ "الحياة" اليوم بنشر هذا القرار على حلقات تتضمن جولات في أساليب تجند هؤلاء الشباب أو تجنيدهم في المجموعة، وفي الأوهام والقناعات التي دفعتهم الى الخروج الى جبال الضنية الوعرة، والتخطيط من هناك لقيام إمارتهم الإسلامية التي يشكل الشمال اللبناني نواتها. جاءت الحادثة في غير سياق الوقائع اللبنانية، على رغم انها تغذت من روافدها. فالأسماء الرئيسية في ملف التحقيق جاء أصحابها اللبنانيون من مغترباتهم الأميركية والأوروبية الى لبنان، بعدما عرجوا على باكستان وأفغانستان وأمضوا شهوراً في "الجهاد الأفغاني". وهم فعلوا ذلك تدفعهم قناعات تشكلت هناك في الغرب، وربما حملوا معهم قبل ان يهاجروا بذوراً لها. بسام الكنج وجميل حمود وخليل عكاوي وأحمد الكسم وهلال جعفر وعلي حاتم وقاسم ضاهر، جميعهم شاركوا في الجهاد الأفغاني، وعندما وصلوا تباعاً الى لبنان انضمت إليهم مجموعات من الفتية والشباب. وشكل الكنج المجموعة النواة، وطلب من لبنانيين في اميركا وكندا سبق ان تعرف إليهم في بيشاور جمع "تبرعات" لشراء السلاح. لم تكن مطالبهم واضحة، اذ أرادوا اقامة الدولة الإسلامية، وباشروا خطواتهم الكبرى في هذا الاتجاه قبل ان يتجاوز عددهم الأربعين. وكان ما أقدموا عليه انتحاراً بكل معنى الكلمة، ولم يكن خاضعاً لمنطق التسويات والحصص المتفاوتة الذي انخرط فيه معظم التنظيمات الإسلامية والأصولية في لبنان. وثمة من يعتقد بأنهم لم يختاروا توقيت المعركة التي ربما جروا إليها إثر حادثة عارضة. الى المجموعة الرئيسية في الشمال اللبناني، تشكلت مجموعتان في بيروت والبقاع. والغريب ان هذه المجموعات التي بقيت من دون اسم، ترابطت عبر اتصالات ونقاشات دارت في اميركا وأوروبا. إذ جاء علي حاتم من كندا الى بلدته سعدنايل في البقاع الغربي بعدما التقى "أبو عائشة" بسام الكنج في الولاياتالمتحدة التي كان يزورها هذا الأخير. وشرع حاتم في تشكيل مجموعة البقاع الغربي. وتبعه من اميركا ايضاً قاسم ضاهر الذي حل محله أميراً على مجموعة البقاع. وتشير التفاصيل التي يتضمنها القرار الاتهامي الى الطبيعة الأفقية لبناء هذا التنظيم وإلى مشابهته في طريقة انتشاره وتفشيه، للطابع العملاني لأنواع محددة من التنظيمات الإسلامية المسلحة. اما عن العلاقة المباشرة لأفراد المجموعة بأسامة بن لادن، فيبدو ان الذين أخضعوا للتحقيق بذلوا جهداً لعدم تضمين إفاداتهم اشارات الى نوع علاقتهم بتنظيم "القاعدة"، على رغم الاعترافات بالمشاركة في الجهاد الأفغاني. علماً بأن معظم المشاركين العرب في هذه الحرب جُندوا عبر هذا التنظيم، ثم ان حملات التبرع التي نظمها هؤلاء لتمويل شراء السلاح في لبنان تحمل الكثير من علامات الاستفهام. فمن أين تجمع هذه التبرعات، ومن هم الذين يقدمون في اميركا اموالاً من اجل قضية جرود الضنية؟! وربما جاءت استعادة حادثة الضنية التي توجت الجهد الذي بذله "أبو عائشة" قتل في المواجهة مع الجيش اللبناني ورفاقه في سياق تقديم نموذج عن طبيعة عمل هذا النوع من الجماعات، فثمة ما يوحي بانفصال حقيقي عن الواقع وعن السياسة، هي تلك اللحظة التي تتفجر الأحداث خلالها، فيفقد التحليل حلقة رئيسية وتمحي الرواية. فالشرارة التي أشعلت احداث الضنية كانت خطف المسلحين بقيادة "ابو عائشة" ضابطاً في الجيش اللبناني، ثم توالت الأحداث كأنها خارج إرادة محدثيها، في حين جرت الوقائع باتجاه نهاية مأسوية للمتسببين في الحادثة، وهؤلاء إذ ينقادون الى هذه الوقائع يتحولون الى هاربين منها، تماماً كما يمكن المرء ان يتصور سيناريو ما سيحصل لمرتكبي جريمة نيويورك وواشنطن.