رن هاتف المكتب وجاءني صوت اختي الصغيرة التي أدركت بحدسها الطفولي أن صور المبنى المحترق على شاشة التلفزيون أمر خطر للغاية لا بد من أن تخبر به أحداً ما وكل من في المنزل نيام فاختارتني. تحولت الى الفضائية السورية التي لم تخرج يوماً عن قاعدتها الذهب، الحذر في بث المعلومات، فاعتمدت عبارة "حريق في مركز التجارة العالمي في نيويورك". ولأن الخبر بدا عالمياً انتقلت الى "سي ان ان" وجلست أمام التلفزيون مذهولة. نظام الحمية لم يمنعني من ابتياع البوظة التي دفعني اليها احساسي بالحيرة ربما. صاحب "السوبر ماركت" الضخم والذي ألصق أذنيه بالراديو بادرني "والله الشغلة بدا بوظة". سائق التاكسي الذي أطلق العنان لسيارته وأوقف أغاني عمرو دياب، قال بخوف: "الله يستر من شي ضربة. نحنا لسنا أد أميركا". وتابع حديثه كمن يود إبعاد الشبهة عن بلده "الشغلة كبيرة كتير والعرب مو أدها أبداً". في مركز اللغة الانكليزية استقبلتني المدرسة البريطانية بذهول وقالت: "مجرمون! فظيع ما يفعله هؤلاء". عُلقت الدروس في المركز وجلس الشبان والصبايا في القاعة الرئيسة يتابعون أخبار "سي ان ان". حسام الذي يعد نفسه للسفر لمتابعة التخصص في بوسطن كان حزيناً وقلقاً على مستقبله "هلق صار السفر الى أميركا حلم". فهو يتنبأ بما ستفعله أميركا بالعرب: "ببساطة ستمنع أميركا أي عربي من دخول أميركا بعد الآن". أما تالا، فقالت: "ما يحدث لا يمكن تصديقه". وتمنت لو كان الفلسطينيون مسؤولين عما يحدث. فقاطعها سامي: "والله اذا كان للعرب يد في الموضوع أو رجل فإن أميركا ستحرق العالم العربي". وقالت جمانة: "أحس كما لو أن الفيلم الاميركي يوم الاستقلال قد أصبح الآن حقيقة". أما فادي فهو يرى ما يجري "جريمة كبرى بحق الشعب الاميركي الذي لا ذنب له بسياسة حكومته تجاه العالم بأسره، ان القتلى هم أرواح بريئة لا ذنب لها فلماذا كل هذا الارهاب والعنف؟". كريستين تقطن منطقة القصاع وصادف عيد ميلادها 22 مع "الثلاثاء الأسود" فأطفأت الشموع ولكن من دون إطفاء التلفزيون ولو للحظة واحدة، وقالت: "قضيت عيد ميلادي مع الأهل والأصدقاء أمام الفضائيات لمتابعة فيلم رعب حقيقي، وبقينا نحاول الاتصال بخالي وشقيقي في نيويورك للاطمئنان عليهما". أما سامي فبدا متأكداً من أن الحكومة السورية ستدين الحدث. وقال: "لا بد من مسيرات حزن". رهف، طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية، وجدت في الحدث "مسرحية مؤلمة"، وقالت: "لطالما رأيت في أميركا جزيرة معزولة يصعب الاقتراب منها أو الحوار معها، أما الآن فهي منتهكة وشعبها يعاني الهلع الذي كان يشاهده على وجوه الفلسطينيين عبر التلفزة".