العبيكان يتماثل للشفاء    3.9 مليارات ريال تداولات الأسهم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    أردني يبيع هواء مدينته في عبوات بلاستيكية    المملكة تشارك في معرض دمشق    3,1 تريليون ريال.. ائتماناً مصرفياً    153.3 مليار ريال قيمة الطروحات في 2025    532 مليون ريال لمزارعي القمح المحلي    الذهب ينخفض مع ارتفاع الدولار.. والأسهم الآسيوية تتأرجح    ديناصور غريب من المغرب... درع وأشواك بطول متر يعود إلى 165 مليون سنة    تقدمت بها شخصيات سياسية لوقف الفتنة.. لبنان: شكوى جزائية ضد الأمين العام لحزب الله    في ظل استمرار التوترات الأوكرانية.. الكرملين يستبعد لقاءً قريباً بين بوتين وزيلينسكي    وسط استمرار التوتر بشأن برنامجها النووي.. إيران تعيد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية    توقعات أميركية بانتهاء الحرب على غزة قبل نهاية العام    الحزم يعيد عمر السومة إلى الدوري السعودي    تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين.. ولي العهد يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    جريمسبي يفجر المفاجأة ويقصي مانشستر يونايتد مبكرا من كأس الرابطة الإنجليزية    أوروبا تترقب قرعة دوري الأبطال ويوروبا ليغ    الإثارة تعود مع انطلاقة دوري روشن.. الأهلي يواجه نيوم والنصر ضيفًا على التعاون    خالد بن سلمان ويرماك يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية    آل ضيف يتلقى التعازي في شقيقته    الزهراني يحتفل بزواج عبدالجبار    ضبط 289 كجم قات وأقراص خاضعة للتداول    9 أفلام سعودية قصيرة في مهرجان «البندقية»    الزهراني يهدي لوحة لمتحف الفيان    في ديوانيته الأسبوعية.. خوجه يحتفي بترقية الغامدي    موجات الحر تسرع الشيخوخة البيولوجية    وزير الصحة يثمّن ثناء مجلس الوزراء على التفاعل المجتمعي مع حملة التبرع بالدم    نائب أمير الشرقية يثمن إنجازات مكافحة المخدرات في حماية الشباب    فهد بن سعد يطلع على إنجازات "أحوال القصيم"    الأخضر تحت 19 عاماً يفتتح كأس الخليج بمواجهة اليمن    جامعة جازان تطلق برنامج التهيئة لطلبة الدراسات العليا    برعاية سمو أمير مكة.. إقامة الحفل السنوي للحلقات والمقارئ لرئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام    «الجوازات» تصدر 17 ألف قرار إداري بحق مخالفين    مستشفى الولادة بالدمام يرفع الطاقة الاستيعابية 60 %    إيران: عودة مفتشي «الطاقة الذرية» لا تعني استئناف التعاون الكامل مع الوكالة    قتلى ومشردون تخلفهم فيضانات الهند وباكستان    القوات الروسية تتقدم شرق أوكرانيا وسط جمود محادثات السلام    "نيوم" يتعاقد مع لاعب الهلال خليفة الدوسري    100 متبرع بالدم في الدرب    4656 جولة لصيانة المساجد    مدينة الملك سعود الطبية تنجح في أولى عمليات استبدال المفاصل بتقنية الروبوت    مفردات من قلب الجنوب 17    إرشاد الطلاب في الحافلات المدرسية يعزز السلامة المرورية    مدير فرع الشؤون الإسلامية بجازان يلتقي رئيس وأعضاء جمعية العناية بالمساجد بالمسارحة والحرث    جامعة الإمام عبد الرحمن تستقبل طلابها المستجدين للعام الجامعي الجديد    جمعية تحفيظ القرآن تشارك في "كرنفال بريدة للتمور" وتصحح تلاوات الزوار    القرشي : مؤتمر أم القرى يرسخ القيم الأصيلة ويستهدف بناء بيئة جامعية آمنة فكريًا    بلدية بقيق تطلق مشروع جمع ونقل النفايات    استعراض أعمال "جوازات نجران" أمام جلوي بن عبدالعزيز    نائب وزير الحرس الوطني يزور مركز القيادة الرئيسي بالوزارة    متلازمة ما بعد الإجازة    إطلاق فيلم وثائقي عن مملكة الأنباط    أبواب المسجد الحرام.. تسهيل الدخول والخروج    القدوة الحسنة في مفهوم القيادة السعودية    فنادق مكة.. «ملتقى» جوازات سفر دول العالم    رحيل العميد بني الدوسري.. قامة إنسانية وذاكرة من التواضع والنقاء    إستراتيجية جديد ل«هيئة التخصصات».. تمكين ممارسين صحيين منافسين عالمياً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اعتدال الخريف" لجبور الدويهي بالانكليزية والفرنسية . تداعي الذات المستلبة في أزمنة الحرب
نشر في الحياة يوم 18 - 09 - 2001

صدرت ترجمة فرنسية وأخرى انكليزية لرواية جبور الدويهي "اعتدال الخريف". الترجمة الفرنسية أنجزها نعوم أبي راشد وصدرت عن جامعة تولوز فرنسا. أما الترجمة الانكليزية فقامت بها ناي حناوي وصدرت عن جامعة أركنساس برس الولايات المتحدة الاميركية.
تنطوي رواية "اعتدال الخريف" للكاتب اللبناني جبور الدويهي على تمثل سردي خريفي حزين، يتواءم تماماً مع عنوان الرواية. فالكاتب يغوص عميقاً في تخوم النفس الموحشة ويمعن في التأمل في الانفعالات العميقة التي تعصف في الداخل وتترك في الروح ما يشبه الدمار الذي يلي العاصفة. والرواية تنتمي الى ما يسمى أدب "القصة القصيرة - الرواية" إذ وفّق الكاتب في تطويع بعض ميزات القصة القصيرة وفي تطبيقها على نصه في نَفَس روائي يدمج بين الحركة السهمية التي تختص بالقصة القصيرة وبين الانسياب السردي الذي تحتاج اليه الرواية للتمكن من توضيح أبعادها المكانية والزمانية، ولإضاءة العوالم الداخلية للأبطال.
يبدأ الحدث السردي من تاريخ 30 أيار مايو 1986 وينتهي في 22 أيلول سبتمبر 1986. أي أن الكاتب يضعنا منذ الأسطر الأولى في إطار زماني ومكاني محدد ثم يشرع في التنقل من حدثٍ الى آخر عبر استخدامه حيلة مذكرات بطل الرواية التي شكلت مادة الرواية نفسها. ويكاد المطلع القصصي أن يعلن عن بنية النص العامة، وهذه مقدرة فنية تهيئ القارئ للولوج الى متن الحكاية. وعلى المستوى الدلالي العام قدم المطلع إحاطة شاملة بفضاء النص الروائي من حيث الزمان والمكان وظهور الشخصية المحورية التي تجري الأحداث من خلالها.
تسير عملية السرد ظاهراً في شكل أفقي، مع تأريخ للزمن وتتبع للحدث الخارجي. إلا أن الكاتب يلجأ الى السرد المتقطع خلال مجرى السرد العام كي يتمكن من الغوص في الذاكرة حتى العمق لالتقاط ذكريات الطفولة والمراهقة والصبا. يتمحور الحدث الرئيس في النص حول أزمتين: أزمة خارجية تتمثل في حضور الحرب كهاجس دال على تحكم أفعال خارجية في حياة بطل الرواية. الأزمة الثانية نفسية تبين في علاقة البطل مع كيانه الذاتي ككل ومع الآخرين أيضاً.
وعلى هذا الأساس وبما أن تمظهر أزمة الحرب الخارجي تنحصر مدلولاته في رصد الأذى المادي لا بد من تحليل نفسي للنص لسبر دلالات الحرب من الناحية المعنوية المنعكسة على تصرفات الأشخاص وردود أفعالهم.
يبدو بطل الرواية خلال صفحاتها ملاحقاً بأحاسيس مضطربة كالخذلان والوحدة واللاجدوى وعاجزاً عن خلق عوالمه التي يطمح اليها. ينكفئ على ذاته ويفقد القدرة على التواصل مع الآخرين، فهو يتحدث مثلاً عن فتاة اميركية تدعى "لارا" ويكتب مذكراته بحجة انه يكتب اليها. لكن كلماته ورسائله تظل حيلة تشي برغبة مكبوتة في التحرر والانطلاق من عالمه الضيق، ومن أجواء الحرب المشحونة بالتوتر والاضطراب. وهو يستمر بالكتابة على رغم يقينه ان رسائله لن تصل أبداً، لانقطاع وسائل الاتصال بسبب الحرب أيضاً. هنا يبدو الحصار الفكري هاجساً آخر يضاف الى هاجس الحرب أو بعبارة أخرى معاناة تولدت بفعل حدث الحرب، وسكنت اللاوعي الداخلي للبطل واستحوذت على مجرى تفكيره العام، الى حد احساسه بالرغبة في التجرد من كيانه الخارجي والداخلي. هكذا نراه يسعى أولاً للتخلص من لوحاته ومكتبته والبحث عن أسلوب جديد للعيش قائلاً: "القواميس تنظم العالم والروايات تجعله ركاماً"، ثم يعمل على تبديل مظهره الخارجي بمظهر مختلف تماماً عما عرفه الناس. يحس بطل الرواية برفض تام لذاته في واقعها الحالي بعد أن سقط رهينة الشعور باللاجدوى والخواء الداخلي إثر تعرضه لخسارات نفسية.
يتوافق هذا التحليل مع تنامي عملية القص التي بدأت وانتهت في اطار حدث الحرب المهيمنة بسلبية مطلقة لا على حياة البطل وحسب، بل على حياة الشعب كله. فالبطل هنا رمز مصغر للتخبطات النفسية الناتجة من كوارث الحرب وويلاتها. فمنذ الصفحة الأولى يواجهنا الكاتب بحدث الحرب: "قبل المغيب سمعنا أصداء غارة اسرائيلية على مخيم اللاجئين المحازي للبحر". يتضح من هذا الايقاع المتوتر للسرد مدلول يخفي تداعياً داخلياً للبطل يستمر على مدى صفحات الرواية وينتهي في الصيغة نفسها. إذ تبدو التركيبة السيكولوجية للراوي مكونة من انشطارات داخلية وتحولات نفسية حادة، ربما لأنه من النخبة المثقفة في المجتمع التي تحلل الوقائع الراهنة في كل أبعادها وتبصر بوعي فكري الخيبات المرتقبة الناتجة من الدمار المادي والمعنوي للحرب. فالراوي خلال كتابة مذكراته، أي خلال قيامه بعملية السرد، لا يكتفي بالرحيل بعيداً في أغوار ذاته، بل يتأمل تصرفات الآخرين ويحللها وفق رؤاه الخاصة، وتأملاته التي يعبر من خلالها عن مواقفه الفكرية ومعتقداته.
تحتل المرأة في رواية "اعتدال الخريف" مواقع مختلفة في التمثل السردي لعملية الروي. تبدو "لارا" الفتاة الاميركية التي التقاها في أميركا وجذبته اليها أحاسيس متداخلة بين الحب والرغبة والدهشة، امرأة خيال ومدخلاً الى حلم دفين يحاول البطل الفرار اليه وان كان موهوماً، إذ تظهر "لارا" كنموذج للمرأة المتحررة التي تعبر عن رغباتها بلا حرج أو تردد.
أما "ماري" صديقته في القرية فتجمعه بها علاقة جسدية مفرغة من العاطفة. وربما كانت هذه العاطفة موجودة بينهما في وقت ما، لكنها تبدو كبقية الأشياء في حياة البطل التي يعمل على تفريغها في ذاكرته والتخلص منها. أي ان علاقته مع ماري دخلت في مرحلة الاحتضار من غير توضيح كاف يشمل الأسباب التي أدت الى نشوئها وزوالها وإن كان ظهور "لارا" في حياته الدافع المحرك على ذلك. النموذج النسائي الأخير في الرواية، سعاد أخت الراوي، وهذه الشخصية تحمل بُعدين: الأول يقدمه الكاتب كنموذج للفتاة التقليدية الخاضعة تماماً لسلطة القوانين الاجتماعية والدينية. أما البعد الثاني فهو احتمال وجود علاقة سرية مجهولة في حياة سعاد لا يعلم بها الراوي، إذ يُلمح خلال السرد عن اعجابها بأحد الأشخاص لكنه لا يخوض في وصف شخصيتها أكثر، ويحصر الاضاءة على الجانب التقليدي البحت في تركيبتها السيكولوجية.
الحدث الأخير في الرواية يختتمه الكاتب أيضاً بظهور امرأة غريبة أتت الى القرية مع جماعة من المهجرين، امرأة لافتة تثير التساؤلات حولها. وتظل هذه الأسئلة معلقة لأنها مرهونة بواقع الحرب والمعاناة المفروضة على شخوص الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.