ثعبان بربادوس الخيطي يظهر بعد عقدين    المكونات الأساسية للحياة على الأرض    الذكاء الاصطناعي يسرع الاحتيال المالي    الاتحاد يخسر بثلاثية من فيتوريا جيماريش البرتغالي    التوسع في صناعة السجاد اليدوي بين الأسر    أنغام تطمئن جمهورها بعد الشائعة    قصر كوير    صواريخ جزيئية تهاجم الخلايا السرطانية    18 ألف حياة تنقذ سنويا.. إنجاز طبي سعودي يجسد التقدم والإنسانية    اقتران هلال صفر 1447 بنجم "قلب الأسد" يزيّن سماء الحدود الشمالية    الرئيسان السوري والفرنسي يبحثان مستجدات الأوضاع في سوريا    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على غزة إلى 71    "سدايا" تدعم الدور المحوري للمملكة    صفقة من العيار الثقيل تدعم هجوم أرسنال    عبد المطلوب البدراني يكتب..عودة الأنصار مع شركة عودة البلادي وأبناءه (أبا سكو)    أغلقته أمام عمليات تفتيش المنشآت.. إيران تفتح باب الحوار التقني مع «الطاقة الذرية»    واشنطن تحذر من المماطلة.. وجوزيف عون: لا رجوع عن حصر سلاح حزب الله    وسط تحذيرات من المخاطر.. 1.3 مليون سوداني عادوا من النزوح    201 رحلة يوميا بمطارات المملكة    ترقب عالمي لتأثير الفائدة على أسعار الذهب    اتفاقية التجارة الأمريكية اليابانية تثير التساؤلات    الأهلي يخسر ودية سيلتيك بركلات الترجيح    الاحتراف العالمي الجديد    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. الفنلندي Serral يتوج بلقب StarCraft II    بلازا يعلن قائمة "أخضر الصالات" المشاركة في بطولة القارات    العنوان الوطني شرط لتسليم الشحنات البريدية    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    تدشين مبادرة "السبت البنفسجي" لذوي الإعاقة    المرور: تجاوز الأبعاد المسموح بها يزيد احتمال الحوادث    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    تمكيناً للكفاءات الوطنية في مستشفيات القطاع الخاص.. بدء تطبيق قرار توطين مهن طب الأسنان بنسبة 45 %    أليسا وجسار يضيئان موسم جدة بالطرب    وفاة الفنان زياد الرحباني.. نجل فيروز    أحمد الفيشاوي.. "سفاح التجمع"    "سوار الأمان".. تقنية لحماية الأطفال والمسنين    47 اتفاقية بقيمة 24 مليار ريال.. السعودية.. دعم راسخ للتنمية المستدامة والازدهار في سوريا    مساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية يزور جمهورية تركيا    رحيل زياد الأسطورة    القيادة تهنئ رئيسي المالديف وليبيريا بذكرى يوم استقلال بلديهما    خطيب المسجد الحرام: التشاؤم والطيرة يوقعان البلاء وسوء الظن    إمام المسجد النبوي: الرُسل هم سبيل السعادة في الدنيا والآخرة    هلال صفر يزين سماء المملكة    6300 ساعة تختم أعمال الموهوبين بجامعة الإمام عبدالرحمن    عسكرة الكافيين في أميركا    بتقنية الروبوت الجراحي HugoTM️ RAS .. مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يجري عمليتين ناجحتين    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب    ضبط شخصين في المدينة المنورة لترويجهما (10) آلاف قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    أمير الشرقية يعزي أسرة الثنيان    رئيس أركان القوات البحرية يلتقي عددًا من المسؤولين الباكستانيين    نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    ترحيل 11183 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    آل معنتر مستشاراً لسعادة المدير العام للتعليم بمنطقة عسير    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفكرون عرب يتناولون "الظاهرة". ماذا يعني استشراء العنف على اختلاف أنواعه ... في مطلع الألفية الثالثة ؟ - فهمي جدعان : خلل في العلاقات البشرية
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 2001

يقتضي النظر في هذه المسألة نظراً آخر في طبيعة ظاهرة العنف أولاً. والحقيقة هي أن "العنف" يرتد أصلاً إلى واقعة إنسانية تاريخية ثابتة هي أن "الصراع" هو المبدأ الذي يحكم العلاقات بين الأفراد والجماعات والنظم. ولا يجهل أحد أن تاريخ البشرية هو تاريخ يحكمه الصراع. والصراع هذا هو صراع الغايات وصراع المصالح والمنافع. وهو يعكس الطبيعة "الغريزية" أو "البهيمية" أو "الحاجّية" الأولية للبشر ومؤسساتهم، ويجسد حالة التفاعل والتدافع والتنافس البشرية في الفضاءات الاجتماعية والكونية.
وفي الأفق الاجتماعي يتحتم أن تكون وظيفة "السلطة" أو "الدولة" فض هذا الصراع ومحاصرته بشكل أو بآخر طلباً لتوطين حالة السلم الاجتماعي الوطني أو الدولي وفقاً لمنظور مختار في تنظيم العلاقات البشرية والكونية. وحين تختل العلاقات البينية، عند متطلبات الغايات والمصالح، وعلى صعيد الأفراد أو الجماعات أو الدول أو الحضارات - تشتد قوة "فاعل الصراع"، وإذا لم يتيسر رد هذا الفاعل إلى حدود السلم - بالتفاوض والحوار أو التعاقد واالاتفاق المجتمعي - فأن الصراع يتجه إلى الصيغ "العنيفة" وإلى فرض الرغبات والغايات بالقسر والإكراه وبالقوة المادية.
وفي القرن العشرين تجسد الصراع على مستوى الكوكب في جملة من الحروب الكونية والوقائع الاستعمارية. كما تمثل في وجوه نوعية من الصراع كالصراع الطبقي أو الصراع الشرقي - الغربي أو الصراع الحضاري وغير ذلك. غير أن ما بدا جديداً في العقود الأخيرة من هذا القرن وفي هذه الفترة التي يبدأ بها القرن الجديد هو أن ظاهرة العنف - العنف الفردي والعنف الجماعي وعنف الدولة - قد اشتدت على نحو غير مألوف. وتفجرت أشكال العنف هذه في عدد من المواطن في العالم: في إيرلندا، وفي يوغوسلافيا السابقة والبلقان، وفي أفريقيا وشمالها، وفي الشرق الأوسط. وترتد هذه الصراعات العنيفة المحفوفة بالكراهية والقسوة إما إلى أمر فرض المصالح والغايات الفردية أو الإثنية أو الدينية أو القومية من طرف أحادي مستقوٍ ومتجبر، وإما إلى غياب مبدأ "العدالة" في العلاقات الاجتماعية أو القومية أو الأممية والعالمية.
يجري في كلتا الحالتين إقصاء حق الآخر، ونبذ مبدأ الحوار وإجراء مقاييس مزدوجة في إنفاذ القيم والمبادئ، وظلم وقسوة صريحان في الفعل وفي فرض الغايات والمصالح. ويصاحب هذه الأحوال نظام كوني جديد هو تجسيد لمبدأ الليبرالية الجديدة وهو نظام يقوم على المنفعة والمصلحة والقوة الاقتصادية والعسكرية ولا يأبه بمبدأ العدالة، إذ يغلّب عليها بإطلاق مبدأ الحرية والحرية "السوقية" ومشتقاتها في شكل خاص، وبالتحديد مبدأ المنفعة المطلقة. في منطقتنا العربية اشتد العنف في العقدين الأخرين في أحشاء بعض نظمنا السياسية والاجتماعية بسبب احتقار مبادئ العدالة والحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية، ولم تُجِد كل النصائح والتوجيهات والأفكار والمبادئ والمطالب في تحقيق شيء من هذه المبادئ فكان طبيعياً أن يتفجر الصراع حتى أقصى أشكاله. وفي القضية المركزية قضية فلسطين والاحتلال الصهيوني أصرت قوة الاحتلال على فرض غائياتها الدينية والإثنية بالقوة ونبذت حق الآخر وأرادت فرض مطامعها ومصالحها بالقوة المادية العنيفة. فكان طبيعياً أن تجابه بقوة مادية عنيفة هي "الانتفاضة" التي هي في حقيقة الأمر موقف دفاعي مناهض لعنف الاحتلال قبل كل شيء. وفي إطار غياب الحوار والتفاهم بين القوى الاجتماعية الدينية وقوى السلطة السياسة وبأصرار كل طرف على "غاياته" ومصالحه اتخذ الصراع شكلاً عنيفاً.
وفي العلاقات مع العالم الجديد الطاغي الذي تشتد متطلباته الليبرالية الجديدة انتهت الأمور في شكل طبيعي إلى ردود عنيفة على هذا النظام هنا وهناك. إن اشتداد ظاهرة العنف في نهاية القرن ومطلع الألفية الثالثة يعني أن القوى والنظم التي تحكم الأمور في جملة مستويات الفعل البشرية لم تستجب لمتطلبات القيم الأصلية التي ينشدها الأفراد والجماعات والدول: قيم العدالة والحرية والديموقراطية والخير العام وحقوق الأفراد والشعوب. وإلى الآن تستهين القوة أو القوى الكونية الكبرى المهيمنة بالأسباب التي تولد العنف ضدها وضد غيرها ولا تريد فحصها ومراجعتها. ومعنى ذلك أن الخلل الذي يحدث إذ تستشري ظاهرة العنف هنا وهناك إنما هو نتيجة طبيعية للخلل الذي يحكم العلاقات البشرية والدولية على مستوى القيم الإنسانية الكبرى وفي مجال الحقوق الطبيعية للبشر. وفي تقديري هنا أن اشتداد ظاهرة العنف هو نتيجة لتعاظم درجة امتهان القيم العليا الأساسية، قيم العدالة والحرية والمشاركة السياسية والعدل الاجتماعي والخير العام، يعززها في الإنفاذ وفي تحمل نتائج التدمير الذاتي والغيري الوعي النفسي المرير بالظلم الفادح والشعور بأن الحياة في الظروف القسرية المفروضة باتت غير ممكنة وأنها لم تعد تستحق أن تعاش. وإذا لم تجابه القوى الكونية الكبرى والمنظمات الدولية والنظم السياسية والاقتصادية والمؤسسات الاجتماعية هذه الوجوه من المسألة فإن هذه الظاهرة ستشتد وتشتد. ستلجأ الدول والنظم والحكومات والمؤسسات إلى إجراءات وقائية أو قمعية لكن هذه السبل لن تكون هي السبل المثلى والأجدى لتحقيق السلم الاجتماعي المحلي والإقليمي والكوني.
* مفكر فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.