«أمانة المدينة» تعلن عن توفر عدد من الوظائف‬ للرجال والنساء    نائب وزير الخارجية ونظيره الكولومبي يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    «حرس الحدود» ينقذ مواطنًا خليجيًا فُقد في صحراء الربع الخالي    الرياض: الجهات الأمنية تباشر واقعة اعتداء شخصين على آخر داخل مركبته    اختيار هيئة المحلفين في المحاكمة التاريخية لترامب    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    سلام أحادي    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    المرور بالشمالية يضبط قائد مركبة ظهر في محتوى مرئي يرتكب مخالفة التفحيط    نوادر الطيور    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    وفاة الممثل المصري صلاح السعدني    وزير المالية يعقد مؤتمراً صحفياً للحديث عن النتائج الرئيسية لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية    موعد مباراة السعودية والعراق في كأس آسيا تحت 23 عامًا    «القوى السعودية» تحصد تسع ميداليات في رابع أيام الخليجية    استبعاد الحمدان إشاعة.. ونيفيز يعد بالتأهل    النصر يفقد لويس كاسترو في 4 مباريات    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    مدرب الفيحاء: ساديو ماني سر فوز النصر    المملكة ضمن أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وفقًا لمؤشر ستانفورد الدولي 2024    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    الرمز اللغوي في رواية أنثى العنكبوت    بطاقة معايدة أدبية    وزارة الخارجية تعرب عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن الدولي    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    "الرياض الخضراء" يصل إلى عرقة    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    ضبط مقيم بنجلاديشي في حائل لترويجه (الشبو)    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    النفط يقفز 3%    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    فوائد بذور البطيخ الصحية    السودان.. وخيار الشجعان    «سلمان للإغاثة»: اتفاقية لدعم برنامج علاج سوء التغذية في اليمن    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"جزيرة النساء" ذكرها القزويني والسيرافي والادريسي . هل اعتمد ماركو بولو مصادر عربية وفارسية في تأليف رحلاته الى الصين ؟
نشر في الحياة يوم 12 - 09 - 2001

} رحلة الايطالي ماركو بولو الى الصين في اواخر القرن الثالث عشر للميلاد ما زالت تحرك المخيلة. ايتالو كالفينو نشر سنة 1972 رواية حادة الذكاء هي "مدن غير مرئية" من وحي هذه الرحلات. رواية كالفينو دلّت باسلوب موارب الى الطاقة الخيالية الكامنة في كتاب بولو. بعد عقدين القت الباحثة فرانسيس وود ما يشبه قنبلة: هل بلغ ماركو بولو الصين حقاً؟ سؤال وود الاشكالي يمكن دعمه بالكشف عن مصادر شرقية تمت مضامينها بصلة الى كتاب بولو، مصادر عربية ومصادر فارسية. باحث عراقي ومحقق كتب تراثية معروف يدلي بدلوه هنا:
نشر ملحق "آفاق" بتاريخ 30/8/2000 مقالة عنوانها "ماركو بولو: هل اعتمد مصادر عربية في تأليف رحلاته الى بلاد الشرق؟". ولقد تمنى كاتب المقالة المذكورة ربيع جابر وهو يتحدث عن كتاب وود في شأن ماركو بولو والصين هذه الأمنية: "لو أتيح لفرانسيس وود باحث مختص بالدراسات الفارسية - العربية يساعدها في تأليف هذا العمل كما كانت تأمل لكان بين أيدينا الآن كتاب عن ماركو بولو يعج بالأسماء العربية والفارسية" حاولت هنا أن أحقّق شيئاً من هذه الأمنية، خصوصاً في ما يتعلق بالمصادر الفارسية.
كتبت الباحثة الانكليزية المتخصصة في التاريخ الصيني فرانسيس وود بينما تحاول وزميلها في الدراسات الصينية كريغ كلوناس دراسة احتمال عدم زيارة ماركو بولو 1254م. - 1324م. الى الصين: "رحنا نناقش بين الحين والآخر فكرة تأليف كتاب عن الموضوع، مفضلين أن يكون بمساعدة أحد المختصين بالدراسات الفارسية - العربية الوسيطة، ولكننا لم نتمكن قط من تحقيق ذلك. وبالتالي فها أنذا أمضي وحدي" ص 19 من الترجمة العربية لكتابها، وهي صدرت عن دار قدمس في دمشق: "ماركو بولو هل وصل الى الصين؟".
وما دامت المصادر العربية والفارسية هي المتهمة بالدرجة الأساس بأنها يمكن أن تكون المنابع التي استقى منها ماركو بولو بعض معلوماته، فسنقدم هنا نموذجاً واحداً نتابعه في المصادر العربية والفارسية ونقارنه بما هو موجود لدى ماركو بولو، ذلك هو الجزيرة التي لا تسكن فيها سوى النساء والتي عرفت بجزيرة النساء، وتقابلها في بعض المصادر جزيرة الرجال التي لا يسكنها سوى الرجال. ويمكننا القول ان هؤلاء النسوة هن المقاتلات الأمازونيات Amazones اللواتي كن يسكن في شواطئ البحر الأسود واللواتي تحدث هيرودوتس في تاريخه عن حربهن للأغارقة وكيف أنهن كن بلا رجال، ثم إن الجيش السكيثي استطاع أن يتقرب منهن بالتدريج ويختار كل جندي من أفراده واحدة منهن زوجة له 1/301-304. ثم تطور الأمر فجعلتهن المصادر الأكثر تأخراً مقيمات في جزيرة منفصلة. ولتفسير كيفية استمرار التناسل، ابتدعت أسطورة جزيرة الرجال الذين كانوا يأتون اليهن في وقت معلوم من كل عام ليتم التواصل الجنسي بين الفريقين.
ولكونهن مقاتلات يستخدمن صنوف الأسلحة - والسهام خصوصاً - أضيفت أسطورة قطع كل واحدة منهن لواحد من ثدييها لتتمكن من رمي النشاب، أما الآخر فتبقيه للرضاعة. يقول المروزي من مؤلفي القرن السادس الهجري في كتابه "طبائع الحيوان" إن جالينوس الطبيب قال إن هؤلاء النسوة "يحاربن مثل الرجال وإنهن يقطعن أحد الثديين لترجع القوة كلها الى الذراع وكي تخف أبدانهن ويثبن على صهوات الخيل. وقد ذكر أبقراط هؤلاء النسوة وسماهن أمازونس ومعناه ذوات ثدي واحد لقطعهن الآخر. ولا يمنعهن عن قطع الآخر إلا حاجتهن الى رضاع أولادهن واستبقاء النسل. وإنما يقطعن الواحد لئلا يحبسهن عن رمي النشاب على ظهور الخيل" ص 25-26. كما ذكر هذه الجزيرة كل من سهراب في كتابه "عجائب الأقاليم السبعة" ص 71 الذي ألفه بين 289 و334ه بقوله "جزيرة أمرانوس التي فيها عين النساء" الصواب: أمزانوس. وكذلك محمد بن موسى الخوارزمي المتوفى بعد 232ه في كتابه "صورة الأرض" ص 89 وقد ذكراها مع جزيرة الرجال ضمن جزائر المحيط الأطلسي. ويحدد مؤلف كتاب جهان نامه بالفارسية الذي كان حياً في 605ه مكان هذه الجزيرة مع جزيرة الرجال بأنه يقع في أقصى الشمال من القسم الشرقي من جزيرة ثولي الواقعة في أقصى الشمال من الجزر البريطانية، بينما يجعلها البكري المتوفى سنة 487ه في "المسالك والممالك" الى الغرب من بلاد الروس: "وفي المغرب بنى الروس مدينة النساء ولها بسائط لعلها: وصائف ومماليك وهن يحملن من عبيدهن، فإذا وضعت المرأة ذكراً قتلته، ويركبن الخيل ويباشرن الحرب ولهن بأس وبسالة. قال ابراهيم بن يعقوب الاسرائيلي: وخبر هذه المدينة حق، أخبرني بذلك هوته ملك الروم" 1/334، وهوته هو أوتو الأول ملك جرمانيا وإيطاليا. وسيردد القزويني المتوفى سنة 682ه في كتابه "آثار البلاد" هذه الرواية المنقولة عن ابراهيم بن يعقوب الاسرائيلي الطرطوشي ليقول إنها مدينة النساء، وقال: "إنها واسعة الرقعة في بحر المغرب أي المحيط الأطلسي، ثم ذكر قول الطرطوشي من أن أهلها نساء لا حكم للرجال عليهن يركبن الخيول ويباشرن الحرب بأنفسهن" ص 607. أصبح لدينا الآن "مدينة نساء" وواضح أنها تتداخل مع "جزيرة النساء"، ونذكر أن القزويني نفسه ذكر في كتابه هذا أيضاً جزيرة النساء وقال انها "في بحر الصين فيها نساء لا رجل معهن أصلاً، وإنهن يلقحن من الريح ويلدن النساء مثلهن. وقيل إنهن يلقحن من ثمرة شجرة عندهن يأكلن منها" ص 33.
والآن وقد انتقلنا في أسطورة جزيرة النساء أو مملكتهن من أقصى الغرب الى الشرق، فلنطالع باختصار أقدم نص في هذا الشأن ونعني به ذلك الذي ورد في "عجائب الهند" من تأليف أبي عمرن موسى بن رباح الأوسي السيرافي الذي ترجع قصصه الى الفترة ما بين 288 - 342ه/ 900 - 953م، فيفترض إذاً أن يكون في متناول ماركو بولو آنذاك مع الكتب العربية والفارسية التي يمكن أن يكون قد استعان بها خلال سفره الى الصين والعودة منها. يقول السيرافي ان رجلاً سافر في مركب عظيم في بحر ملاتو بحر الصين الجنوبي ومعه أخلاط من التجار ومعهم شيخ أندلسي، فلما اقتربوا من أطراف أرض الصين هبت عليهم عاصفة هوجاء ظلت تتقاذفهم الى حيث لا يعلمون وغشيتهم الظلمات يومين، فلما كان اليوم الثالث وانتصف الليل أبصروا في الأفق ناراً هائلة فتمنوا الموت قبل أن يحرقهم لهبها وطلبوا الى ربان السفينة أن يغرقها بهم لكنه رفض، غير ان الشيخ الأندلسي طمأنهم، وقال ان هذه النار تشاهد من أرض الأندلس أيضاً. وما إن أطل الصباح حتى رأوا جزيرة فرسوا عند ساحلها يتمرغون على رمالها فرحين بكونهم على الأرض. ثم نصل المشهد الذي هو لبّ الرواية: "فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم نسوان من داخل الجزيرة لا يحصى عددهم الا الله تعالى، وكلّفوهم الاستمتاع بهن. وكل من قويت على صاحباتها أخذت الرجل منهن، والرجال يتماوتون يموتون من الاستفراغ أولاً فأولاً. وكل من مات منهم لا يكترثن به لنتن رائحته. فلم يبق منهم سوى الشيخ الأندلسي" الذي كانت إحدى هؤلاء النساء قد خبأته في كهف وكانت تأتيه مساء بالطعام وتختلي به. وظل هكذا زمناً طويلاً الى أن تغير اتجاه الريح فأخذ الشيخ قارباً صغيراً وركب به معها "الى الجهة التي خرج المركب منها من الهند"، فلما وصل الى البلد المقصود غير محدد في الرواية كانت تلك الفتاة قد تعلمت لغته فأخبرته خبر هذه الجزيرة وأن أهل تلك البلاد يعبدون النار التي ظهرت لهم في الليل. وأضافت: "ان الله تعالى جعل المرأة في بلدنا تلد أول بطنٍ ذكراً وثاني بطنٍ انثيين وكذلك باقي عمرها، فما أقل الرجال في بلادنا وأكثر النسوان. فلما كثروا وأرادوا يغلبون على الرجال، صنعوا لهم المراكب وحملوا منهم آلافاً وطرحوهم في هذه الجزيرة ويقولون للشمس كانت الشمس تشرق من الجهة التي تطلع منها تلك النار: يا رب أنت أحق بما خلقت وليس لنا بهم طاقة. فيبقون فيها ويتماوتون فيها بعضهم على بعض. وما سمعنا ولا مرّ بنا أحد من الناس غيركم، ولا يطرق بلادنا أحد على مر الأزمنة" عجائب الهند، 26-31. والنص الآخر المشابه الذي يجب التوقف عنده هو للبيروني ذكره في الصيدنة وقال فيه: "مملكة النساء التي في داخل الصين" ص 22. ثم تصادفنا أرقام دقيقة عن مدة بقاء الرجال مع النساء في الجزيرة من كل عام، والسن التي تسلم فيها الإناث أطفالهن الذكور الى آبائهم في كتاب ألّف بالفارسية سنة 372ه/982م، كتبه مؤلف مجهول في الجوزجان أفغانستان اليوم عنوانه "حدود العالم من المشرق الى المغرب" إذ قال في الفصل المخصص للجزر التي في العالم: "جزيرتان يفصل بينهما نصف فرسخ في مقابل آخر حد الروم من ناحية الشمال وتسميان جزيرة الرجال وجزيرة النساء. وجميع من في جزيرة الرجال رجال، وجميع من في الأخرى نساء. وفي كل عام يجتمع من في الجزيرتين مع بعضهم من أجل النسل لمدة أربع ليال. وحين يصبح المولود الذكر في سن الثالثة، يبعث به الى جزيرة الرجال... وتأتي بعد ذلك في ناحية الشمال من هذا البحر اثنتا عشرة جزيرة تدعى جزائر برطانية المقصود الجزر البريطانية". انتهى النص الذي سنقارنه بنص ماركو بولو، لكننا نشير أولاً الى الخريطة الملحقة بكتاب "ديوان لغات الترك" الذ يألفه الكاشغري في بغداد بين 464 و466ه، فإذا سلمنا بأن الخريطة من المؤلف فنجد في أقصى الشرق من هذه الخريطة على حافة المدن الصينية مدينة سميت "بلدة النساء"، ونضيف الى ذلك "جزر النساء" التي ذكرها القزويني في "عجائب المخلوقات" عند حديثه عن عجائب بحر الصين: "وفي بحر الصين جزر كثيرة تتصل بجزائر الزابج جزر جاوة وسومطرة الحالية والمسير اليها بالنجوم. قالوا انها ألف وسبعمائة جزيرة تملكها امرأة. قال موسى بن المبارك السيرافي: دخلت عليها فرأيتها على سرير وعلى رأسها تاج من ذهب وعندها اربعة آلاف وصيفة أبكاراً".
ومن المصادر التي ذكرت تفاصيل زمانية عن لقاء الرجال بالنساء، "نزهة المشتاق" للإدريسي الذي عاش في صقلية في بلاط روجر الثاني ببالرمو وتوفي سنة 560ه، إذ ذكر جزيرتين في البحر المظلم المحيط الأطلسي "تسميان جزيرتي أمزنيوس المجوس، والجزيرة الغربية منهما يعمرها الرجال فقط وليس بها امرأة، والجزيرة الثانية منهما النساء ولا رجال معهن. وهم في كل عام يقطعون مجازاً بينهم في زوارق لهم وذلك في زمن الربيع فيقصد كل رجل منهم امرأته فيواقعها ويبقى معها أياماً نحواً من شهر، ثم يرتحل الرجال الى جزيرتهم فيقيمون بها الى العام المقبل الى ذلك الوقت فيقصدون الجزيرة التي فيها نساؤهم فيفعلون معهن كما فعلوا في العام الماضي" 2/955.
نشير أخيراً الى أن ياقوت الحموي لم يذكر هاتين الجزيرتين في معجم البلدان، كما ان ابن الفقيه ذكر في الاقليم السادس الإفرنج وأمما أخرى، وقال ان "فيه نساء من عادتهن قطع ثديهن" البلدان، 61. ولم يذكر القزويني في "آثار البلاد" المدة التي يمكث فيها الرجال مع النساء في الجزيرة، ولا الحميري في "الروض المعطار".
فلننظر الى ما ذكره ماركو بولو عن هاتين الجزيرتين: الموقع، زمن لقاء الجنسين، مدة اللقاء، عادات اخرى. يقول ماركو بولو: "وبعيداً عن كيز مكران = إقليم السند الواقع جنوب شرقي باكستان على بحر عمان وعلى بعد نحو 500 ميل في اتجاه الجنوب وفي الميحط توجد جزيرتان تبعدان نحو 30 ميلاً إحداهما عن الأخرى ويسكن الأولى منهما رجال ليس بينهم امرأة واحدة وتسمى جزيرة الذكور، وتسكن الأخرى نساء ليس بينهن رجال وتسمى جزيرة الإناث. ... فيحتل كل رجل مسكناً منفصلاً مع زوجته، ثم يعودون الى جزيرة الذكور، حيث يظلون سائر شهور السنة بغير تواجد أي إناث معهم. وتحتفظ الزوجات بأبنائهن معهن حتى يبلغوا سن الثانية عشرة فيرسلوا للانضمام الى آبائهم. فأما البنات فتحتفظ الأمهات بهن حتى يبلغن سن الزواج، ثم يمنحن لبعض رجال الجزيرة الأخرى. وتولدت طريقة العيش هذه عن طبيعة الجو الخاصة بتلك المناطق التي تسمح بوجودهم طوال العام مع زوجاتهم بغير التعرض لدفع ثمن ذلك. ولديهم أسقفهم الذي يتبع كرسي جزيرة سقطرى. ويزود الرجال النساء بما يلزمهن من طعام ببذر الحبوب، ولكن النساء يجهزن الأرض للزراعة ويحصدن المحصول. وتنتج الجزيرة أيضاً أنواعاً كثيرة من الفواكه ويعيش الرجال على اللبن واللحم والأرز والسمك، يصطادون منه مقادير هائلة لأنهم صيادو سمك مهرة. والسمك بنوعيه الطازج والمملح كليهما يباع للتجار الذين يفدون الى الجزيرة والذين هدفهم الأول هو شراء العنبر الذي تجمع منه هناك مقادير". رحلات ماركو بولو، الطبعة العربية".
شكوك في رحلة البندقي
منذ فترة والشكوك تحوم حول زيارة ماركو بولو 1254م. - 1324م لكثير من المواقع التي تحدث عنها في كتابه "وصف العالم" الذي أملاه في سجن جنوى على مواطنه السجين أيضاً روستيتشللو، إذ نقرأ هذه العبارة في التمهيد للكتاب: "هذا العمل الذي وضعه ماركو بولو وهو مواطن عالم حكيم من البندقية يبين فيه بوضوح ما شاهد بنفسه من أشياء وما سمع من غيره من أشياء" 1/31 من الطبعة العربية. فإن جملة "وما سمع من غيره" يمكنها أن تطلق العنان لشتى الاحتمالات التي أوردها باحثون مرموقون في هذا المضمار. فهذا الباحث الأميركي جون هيغر يقول: "بات الآن مقبولاً على نطاق واسع أن ماركو بولو لم يزر فعلاً عدداً كبيراً من المواقع المحددة الموصوفة في كتابه"، ويستند الى ليوناردو أولشكي ليقول ان هذا "استنتج من أدلة مستقلة ان ماركو بولو لم يزر بغداد أو الموصل وربما لم ير قط كلاً من باغان في بورما وسقوطرة في بحر العرب أو الحبشة. والأدلة الداخلية تجعله متشككاً بشأن عمق شبه القارة الهندية وجاوه والمدن المنفردة في الصين الوسطى والجنوبية". وبعد ذكره لنواقص في رحلته كان ينبغي أن يشير اليها مثل عدم ذكره الشاي الذي كان شائعاً في الصين آنذاك والذي لم يصبح معروفاً في أوروبا حتى عام 1517م، وعدم ذكره لنظام الكتابة الصيني، يقول: "قد لا نكون بعيدين عن الصواب كثيراً إذا قلنا كما فعل هربرت فرنكه إن ماركو بولو لم يزر الصين على الاطلاق". غير أن فرنكه تابع كلامه ليقول: "إن علينا منح ماركو بولو فرصة الإفادة من الشك فنفترض انه كان هناك آخر المطاف، حتى يتم الاهتداء الى برهان قاطع يثبت ان كتاب ماركو بولو وصف العالم أخذت فصوله المتعلقة بالصين من مصدر آخر ربما فارسي" ص 231 - 232 من كتاب وود.
والحقيقة فإن وود تضيف قائمة بكثير مما لم يذكره ماركو بولو في كتابه مما كان ينبغي ملاحظته من قبله وهو الذي أقام في بلاط قوبلاي خان 17 سنة، ومن ذلك عدم ذكره سور الصين العظيم أو وضع أقدام الفتيات الصغيرات في قوالب، أو العيدان التي يستخدمها الصينيون بدلاً من الملاعق والشوك. ثم تنقل الباحثة وود رأي الأكاديمي جون هيغر القائل إن ماركو بولو ربما لم يصل إلا الى بكين، فكتب عن الصين مما سمعه هناك ص189. وتثير وود في ختام كتابها هذا السؤال: "إذا لم يسافر ماركو بولو الى الصين والهند وأرخبيل جزر جنوب شرقي آسيا، فمن أين حصل على معلوماته؟"، وتجيب: "كان بمقدور القصص العائلية ومعرفة أفراد الأسرة أسرة ماركو بولو بالشرق الأدنى وما وراءه أن توفر كمّاً كبيراً من المواد. ورحلة أبيه وعمه المقنعة الى قره قرم شكلت انطلاقة قيمة... إن عائلته عائلة ماركو بولو تملك بيوتاً في القرم والقسطنطينية ربما كانت قد جمعت مواد كثيرة بما فيها كتب ارشادية فارسية وخرائط وتواريخ عن الأقاليم البعيدة من أجل تسهيل السفر والتجارة" ص 203.
ما زال الجدل مفتوحاً في هذا الشأن. وكما ان للرأي المشكك بزيارة ماركو بولو الى الصين أنصاره، يوجد للفريق الآخر مؤيدوه أيضاً ومنهم باحثون صينيون مثل البروفسور ينغ الذي ينعت ب"المدافع الصيني الأبرز عن ماركو بولو"، ومثل المؤرخ دانغ باوهاي الأستاذ في جامعة بكين العريقة "بيدا"، الذي قال في تصريح له نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة في 6/9/2000: "إن الزيارة التي قام بها الرحالة الشهير ماركو بولو الى الصين كانت حقيقة وليست انتحالاً. وإن ثلاثة مقاطع من الكتاب الذي ألفه الرحالة تؤكد أنه رأى الصين".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.