فريق صناع التميز التطوعي 2030 ينفذ مبادرة لمعايدة المرضى في مستشفى بيش العام    ترقية محمد آل قصاد لرتبة رائد في القوات البرية الملكية السعودية    غوارديولا يرشح منتخب إنجلترا للفوز ببطولة أوروبا 2024    «الجمارك»: 160 ألف سيارة واردة إلى السعودية في عامين    الرياض تحتضن أكبر معرض لصناعة الدواجن    شمس منتصف الليل.. ظاهرة طبيعية تحدث في الصيف    بدر بن عبدالمحسن.. غاب البدر وانطفى ضيّ الحروف    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    «الداخلية»: ضبط 19,662 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع    نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يرأس وفد المملكة ب"مؤتمر القمة الإسلامي"    انطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد بمسيرة أرفى بالشرقية    باكستان تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    جيرارد: محبط بسبب أداء لاعبي الاتفاق    التسمم الغذائي.. 75 مصاباً وحالة وفاة والمصدر واحد    توقعات بهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    غاياردو يغيب عن المؤتمر الصحفي بعد ثلاثية أبها    جوتا: لا نفهم ماذا حدث.. ونتحمل مسؤولية "الموسم الصفري"    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    رحل البدر..وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر ناهز ال75 عاما    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    قصة القضاء والقدر    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللقاء الحادي عشر للجمعية العربية لعلم الاجتماع : المرأة في عالمنا رهان اجتماعي ... ورهينة
نشر في الحياة يوم 25 - 08 - 2001

صيغة اللقاء كانت مرنة. تماماً كنشاطات الجمعية العربية لعلم الاجتماع وهي صورة رئيسها الطاهر لبيب، التونسي المنشأ، اللبناني الهوى، الأوروبي التكوين والعربي الجذور والآفاق، والذي تمكن اخيراً من تنظيم ملتقى اجيال علماء الاجتماع الحادي عشر في عمّان في سلاسة لافتة.
وهذه الجمعية الخاصة تعنى بعلم الاجتماع في العالم العربي، بحثاً ونشراً، منذ سنة 1985. وهي معروفة بحيادها الفكري ورصانة لقاءاتها. ولذلك يحترمها ويعاملها الكل كما تُعامَل المؤسسات الاجنبية في بلادنا. مما يعني ان العمل الجاد يفرض نفسه حتى في العالم العربي، شرط ان يثبت مقدرته على الاستمرار. فالحق في الحياة لا يعطى، بل يؤخذ. ولا يأخذه سوى الجدير به.
فور وصولنا الى فندق مرمرة، شعر الجميع بدء اللقاء. وتبودلت الأحاديث كما لو ان المشاركين الخمسة والعشرين 7 أساتذة و18 طالباً وطالبة، القادمين من تسعة بلدان عربية مختلفة، يعرفون بعضهم بعضاً من زمان.
وقد أجمعت الآراء على ان هذا كله لم يكن ممكناً لولا رعاية الأميرة تغريد محمد للملتقى، فهذه الرعاية انعكست تأميناً يومياً ودؤوباً لمستلزمات نجاح الجلسات واللقاءات، بكرم لافت ومن دون تصنّع. ذلك ان الملاك الحارس للملتقى، السيدة أغادير جويحان، مستشارة الأميرة تغريد محمد، قد طبعت بودّها اعمال الملتقى الواعد، الراغب في ادخال قضايا المجتمعات العربية المعاصرة في دائرة العقل، بغية المساهمة في بناء واقع عربي افضل في المستقبل. أوليسَ هذا من حق الأجيال الطالعة؟
هنا جولة في البحوث المطروحة ولقاءان حولها:
* أردنية تبحث في اندماج الأرمن في بلدها
تساءلت اردا فريج ديركربديان، في اطار مقاربة لها عن الاندماج الاجتماعي، كيف يحصل اندماج اقلية في اطار اكثرية، منطلقة من مفهوم الاثنية الجماعة البشرية التي تتميز بعادات وتقاليد ولغة ودين، فلاحظت ان ما جرى في الأردن، على مدى العقود المنصرمة، يذهب باتجاه نجاح التجربة.
فعلى رغم محافظة الأرمن والشركس على هويتهم الاثنية الخاصة، فإن جماعاتهم حصلت على حقوقها السياسية والقانونية أسوة بما حصل في لبنان وسورية.
لكن ما لفتت إليه اردا فريج هو ان ابناء الجالية الارمنية في الاردن، ينحون منحى الزواج الداخلي. فهذا شأن كل الاثنيات التي تسعى الى المحافظة على كيانها ودعم الذوبان في بحر الاكثرية. فالشباب والشابات الأرمن يلقون التشجيع من جانب اهلهم على اختيار شريك حياتهم داخل الجماعة الأرمنية، علماً ان هناك امثلة عدة على تشابه هذه الظاهرة الاجتماعية مع ظواهر مشابهة عبر العالم، ما يعني ان المحافظة على الهوية الاثنية لا يتنافى مع اندماج جماعة صغيرة في جماعة اكبر.
إلا ان النقاش ذكّر الباحثة ان ما حصل في التعددية الثقافية القائمة في الأردن ينبغي ألاّ يُنسيها تجارب فشلت فيها عملية اندماج الأقليات في الأكثرية عبر العالم، فأفضت بها الى الغرق في الحرب الأهلية، إن في الهند او في لبنان او في بلاد البلقان حيث البراكين ما زالت مشتعلة.
* لبنانية تبحث في عقلية ادارة الشركات
إنطلقت رلى ابي حبيب من تماهي الروابط العائلية في لبنان، بعد الحرب، ومن تداعي البنيان الاجتماعي السابق في بلدها، لتفترض انتقالاً نوعياً في تركيبة وإدارة الشركات اللبنانية اليوم.
فشركات قبل الحرب في لبنان غالباً ما كانت تقتصر ملكيتها وإدارتها على اعضاء اسرة نواتيّة او ممتدة واحدة. هكذا نشأت المؤسسات الرأسمالية في الغرب اساساً. إلا ان كسر الحرب للبنى السابقة، ومتطلبات المنافسة وقواعد السوق، أوحت بأن الأمور سوف تختلف وبأن وجوهاً جديدة لا تربط بينها صلات القرى، ستحلّ مكان السابقة.
غير ان ما كشفه البحث الميداني هو ان ثبات الطابع التقليدي للحياة الاقتصادية ما زال سائداً على رغم مؤشرات التفكك في الروابط. فبنية العلاقات التقليدية اقوى بكثير من النماذج الغربية، "العقلانية"، الوافدة. ولذلك فإن ادارة الشركات في لبنان كانت عصية على التغيير الجوهري وبقيت جوهرياً على حالها.
ونتائج بحث رلى ابي حبيب تتقاطع في هذه النقطة مع ابحاث سابقة اجراها آخرون، ومنهم فاطمة بدوي، التي توصلت الى نتائج مماثلة. فالحرب اللبنانية الطويلة لم تتمكن من كسر انماط عيش وتفكير اقتصادية واجتماعية تبدو اطول عمراً منها.
* سعودية تُساءِل ادوار المرأة الاجتماعية في جدة
سعت سعاد شريد لمعرفة تصوّر المرأة السعودية عن نفسها، من خلال فهمها للأدوار المختلفة التي تلعبها في المجتمع أم، أخت، بنت، زوجة، ربّة بيت، عاملة، سيدة مجتمع، في سياق مقاربة بات الكل ينتظرها من الباحثات السعوديات الشابات. فمسؤولية المستقبل تقع على اكتاف الجيل الحالي، في الحياة العامة كما في الابحاث.
فالمرأة السعودية، كما سبق ولاحظت ثريا التركي في الكتاب الشهير الذي صدر لها عام 1980 في لندن، وكما تلاحظ الباحثة الشابة سعاد شديد، قادرة على تحقيق ما تصبو اليه من مكتسبات في الحياة اليومية والعملية من خلال استراتيجية خاصة. فالتكيّف مع الادوار التقليدية المسنودة اليها امر سهل، ذلك ان فكرة الضغط النفسي نسبية، وقد اعتادت على استيعابها.
لكن ما هو لافت في هذا الموقف ان المرأة قادرة على التحرك داخله، من دون المساس بشكليته، مع فتح نوافذ فيه. بيد ان المشكلة هنا هي ان المسألة تلامس عندها حدود ثنائية الخطاب والممارسة. والتعامل مع هذه الثنائية كمشي البهلوان على الحبال العالية.
إلا ان المرأة السعودية تسهر على مدّ الشباك من تحتها، تجنباً لزلاّت الرجل والسقوط. وليست هي الوحيدة في اعتماد هذا السعي للتوفيق بين ما ينبغي القيام به وما ترغب بالوصول اليه. فأسلوب المرأة كله وعبقريتها يقعان بين هذين الحدين، في معظم بلدان المعمورة، وخصوصاً في جنوبها.
المهم ان ننتقل من مجال غير المفكر فيه الى مجال المفكر فيه، على حد تعبير الجزائري محمد اركون. فالمرأة عندنا بحاجة الى هذه العملية. ونحن كلنا ايضاً بحاجة الى وعيها.
* تونسية تقرأ المؤسسات المغاربية على ضوء العولمة
للانتاج دور اساس في حياة المجتمعات المعاصرة. والبلدان العربية غالباً ما تبدي صعوبة في اللحاق بركب المنافسة العالمية. هذه الملاحظة قادت هالة اليوسفي الى مراجعة تجربة عينة من المؤسسات القائمة في الجزائر والمغرب وتونس انطلاقاً من فكرة محورية هي: كيف نؤمن تناسقاً أنسب بين التقنيات الغربية الوافدة والواقع الاداري للمؤسسات الانتاجية في بلدان المغرب العربي.
وخاصية المجتمعات المغاربية تختلف عن خاصية المجتمعات الغربية. وهذا ما قد لا يلعب لمصلحة القوى العاملة المحلية، ذلك ان تقنيات الغرب ترتبط بنظام قيم دفين يغرس جذوره في الحضارة الغربية نفسها. بيد ان تجربة اليابانيين المذهلة والناجحة جداً على الصعيد الاقتصادي، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية اثبتت ايضاً ان امتلاك قواعد اللعبة ليست حكراً على الغربيين، بل ان شعوباً اخرى، تنتمي الى ثقافات اخرى، قادرة على خوض غمار هذه العملية بنجاح جعل الأميركيين انفسهم يراجعون أسس ادارة الاعمال عندهم فيعترفون بدور "ثقافة المؤسسة" اليابانية في هذا الاختراق الواسع لقواعد اللعبة.
من هنا سعي هالة اليوسفي للتعرف الى مميزات المؤسسات الانتاجية المغاربية، وبخاصة ما يلعب دور المعوّق فيها. الأمر الذي جعلها تصب اهتمامها على ارتباط استعدادات العمال والمسؤولين بالمعطيات الدينية والاجتماعية علاقات الجيرة والقرابة والثقافية الانتماء الى هذه المنطقة او تلك من البلاد، مع ما يستتبعه ذلك من ممارسات وولاءات.
فالتفكير بالحل، كعتبة البيت، يشكّل ثلثي المشوار. إلا اذا كان ثلث مشوارنا مع ذهنية الانتاج الحديثة يعني انتظار عقود طويلة من الزمن، تضاف الى تلك التي أهدرت قبلها.
* مصرية تتتبّع موقع الجسد في ثقافة المصريين
في العالم العربي كله، من المحيط الى الخليج، التعامل مع الجسد كالتعامل مع البارود. يخيف اصحابه ويؤرقهم.
اما مها حسين فتناولت المسألة في شكل طبيعي، نازعة الفتيل المصطنع الذي نهدد دائماً بتفجيره عند تناولنا هذا الموضوع. وحسناً فعلت. فالموضوع يحتاج الى الخروج من دائرة الظلام والدخول الى دائرة النور. كونه من الموضوعات غير المفكر فيها عندنا حتى اليوم، ولو أن التفكير بها قطع اشواطاً عدة في المكتبة الغربية.
والتنشئة الاجتماعية والتربوية تلعب دوراً اساسياً في ايصال الأمور الى حيث هي اليوم في العالم العربي. حيث تحشى اذهان الاطفال بتصورات وأفكار جاهزة وأحكام تجعلهم يتعاملون في شكل مبتور ومشوّه مع الجسد. والخلاف على التنشئة الجنسية في المدارس في مصر يخضع لبنية التفكير نفسها التي تتعامل مع مسائل الجسد في شكل قسري، علماً ان الداعين الى التنشئة الجنسية في المدارس ليسوا فقط من اهل الطب العلمانيين، بل ايضاً من بعض الجهات المتديّنة الذين يريدون ان تقتصر هذه العملية على ارشادات في الأمومة للإناث وتحذيرات من الأمراض الجنسية للذكور.
اما المرأة وجسدها، على حد تعبير الطاهر لبيب، فهي رهان اجتماعي ورهينة في آن معاً. وعمل مها حسين الرصين مدخل يعالج على البارد قضية ساخنة. كما انه يسهر على متابعة مكامن التشنج، حيث يلتقي الاجتماعي والثقافي مع الديني، كما انه يفتح الباب على تخطي هذا التشنج بالولوج الى معرفة موضوعية تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
مع الاشارة هنا الى ان هناك مجتمعات على وجه الارض، في آسيا على نحو خاص، تعاملت مع الجسد تعاملاً روحانياً لافتاً لم يخطر يوماً ببال احد في ثقافتنا الاكثر التصاقاً بالأرض.
* يمنيّة تتابع تنامي وانعكاسات الهجرة في بلدها
ما زالت الهجرة ظاهرة بشرية اساسية. والعالم العربي، خصوصاً في ما يتعلق بالبلدان غير النفطية، مجال خصب لها.
درست سكينة هاشم هذه الظاهرة يمنياً وتبين لها انها تنطوي على ايجابيات وسلبيات. ففي الايجابيات لاحظت ان تحويلات المغتربين والتي تقدّر بمئات ملايين الدولارات سنوياً باتت تلعب اليوم دوراً تنموياً مهماً. فأموال الهجرة سمحت للعديد من الأسر اليمنية بتحسين مستواها المعيشي في شكل ملحوظ.
كما ان الهجرة سمحت لليمنيين باكتساب العديد من الخبرات والمهارات الغنية، كانت بعيدة من تكوينهم المهني في السابق. وهذا بالطبع ما انعكس ايجاباً على الحركة الاقتصادية داخل البلاد التي باتت مرتبطة اكثر فأكثر بالتكنولوجيا ومجالاتها المختلفة.
وأسهمت الهجرة، وربما في شكل غير مقصود، في اضعاف البناء العشائري للمجتمع اليمني. فالمهاجر العائد الى البلاد يحمل في حقيبته منتوجات جديدة ومبتكرة، وفي رأسه افكاراً وعادات في السلوك الاجتماعي غير مألوفة محلياً. لذا فان وقع عودته على الممارسات وأنماط التفكير لا يقل قوة عن تأثيره في الدورة الاقتصادية.
اما في سلبيات عودة المهاجرين اليمنيين الى بلدهم، فتلاحظ سكينة هاشم ان هذه العودة تتم غالباً، باتجاه المدن. الأمر الذي يزيد هذه الاخيرة قوة ونمواً ويضعف الريف الذي انطلق منه المهاجر. المدينة تقطف ثمار عودة المهاجرين وتستأثر بها عملياً على حساب الريف الذي يشهد في المقابل ارتفاعاً في اجور العاملين الزراعيين. فعودة المهاجرين اليمنيين تسهم في شكل غير مباشر في تنامي المدن على حساب الأرياف التي لا تفيد من الانعكاسات التنموية والثقافية لهذه الهجرة. وتبقى معقلاً للعشائرية كما كانت عليه منذ القدم وتستمر فيها جرائم الشرف وكأن شيئاً لم يكن.
* جزائرية تؤسس لمقاربة سوسيولوجية للأحلام
ما من شك في ان ابرز مساهمة قدّمت الى الملتقى الحادي عشر المنعقد في عمّان هي الورقة التي قدّمتها نسيمة دبوب التي فاجأت الجميع بموضوعها وبعمق ما قامت به حتى الآن.
فقد تبين لها، على اثر بحث ميداني اجرته على عيّنة واسعة من الجزائريين، ان ثمة ثوابت في الحلم. وأن هذه الثوابت على علاقة وثيقة بالحياة اليومية والعملية والسن والمناخ الثقافي العام.
فالموت موضوع يسكن احلام المسنّين الذين يخشونه. وهو يعكس هموماً عميقة في وعي الانسان المتقدّم في العمر.
اما الجنس فيسكن احلام المسنّين والشباب على حد سواء، لأسباب مختلفة بالطبع. ففي حين ان الحلم الجنسي طبيعي من الناحية البيولوجية عند الشباب، إلا انه يكتسي طابع الهاجس عند قسم كبير من المسنّين الذين يخشون نضوب طاقتهم الحيوية.
اما العنف فهو محور احلام الفئات العمرية الشابة المشغولة بما يدور من حولها. الشابات يحلمن بمشكلات وأعمال عنف قد ترافق مشاريع الخطبة او الزواج، اما الشبان فيحلمون باحداث عنفية كتلك التي تملأ الساحة الجزائرية اليوم. وأحلامهم هذه انما تعكس قلقهم الدفين.
اما الدين فهو المصدر الرابع للأحلام، وهو يشمل الفئات العمرية كافة. واللافت في هذا المجال ان هذا النوع من الاحلام لا يعني سوى فئة المتديّنين، من المسنّين والشباب على حد سواء، علماً انه تجدر الاشارة هنا الى ان الحلم الديني الواحد قد يُفسّر معرفياً بأشكال مختلفة عند اقترانه بهذا الرمز او ذاك، مما لا يعني الشيء نفسه في الثقافة المغاربية او الثقافة المصرية مثلاً. يبقى ان الموضوع قابل للتعميق على الصعيدين النظري والتطبيقي.
غادير جويحان
وفي ردّ على اسئلة "الحياة" قالت مديرة مكتب الأميرة تغريد، أغادير جويحان: "ان التجربة الحقيقية التي عشتها اثناء الملتقى العاشر في بيروت العام الماضي من خلال مشاركتي لمشروع بحث الماجستير الذي طرحته، وما لمسته من انفتاح شبابي في كل الاقطار العربية ومناقشاتهم حول الانسان وعلاقاته وثقافته، وخصوصاً ثقافة المغربي العربي، فالتبادل الثقافي والعصف الفكري الذي يجري بين الطلاب وأساتذة الجامعات في مختلف المجالات الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يغني تفكير الشخص ويعرضه لتجارب جديدة ومفيدة.
ومن خلال عملي بمعية صاحبة السمو الملكي الأميرة تغريد محمد المعظمة، قمت بعرض فكرة استضافة الملتقى الحادي عشر هنا في الأردن. فرحبت سموها حفظها الله بالفكرة وتشجعت لها، اذ ان سموها تهتم كثيراً بالقضايا العميقة التي تشغل شباب الوطن العربي.
ماذا تتوقعون من اجيال علماء الاجتماع الشابة؟
- علم الاجتماع من اهم العلوم لأنه يبحث في الانسان، والانسان هو الثروة الحقيقية لأي مجتمع. فالانسان الواعي المثقف الذي يفهم العلاقات الاجتماعية وسلوك الأفراد الذي يخلق مستقبلاً جميلاً لمجتمعه. لذا علينا تشجيع الشباب باتجاه هذا العلم لرفع أداء المجتمع ككل.
لماذا لا وجود لمجلة في العلوم الاجتماعية في الأردن حالياً، لا في الاطار الأكاديمي ولا في اطار الجمعيات الثقافية الخاصة؟
- الأردن على رغم حداثته يحث الخطى للتنمية في مختلف المجالات، علماً ان التكنولوجيا تأخذ نصيب الأسد في هذا كله. ولكن ذلك لا يعني اهمالاً لعلم الاجتماع بل هناك محاولات جاهدة لخلق اهتمام بهذا العلم، ما يؤدي - وبوجود اشخاص مهتمين بذلك - الى خلق مساحة للتعبير عن اهتماماتهم، خصوصاً ان عمان تتجه لتكون عاصمة الثقافة العربية للعام 2002. البداية صعبة وتحتاج الى تكاثف الجهود، ولكن بعد ذلك سيكون الأمر يسيراً لاصدار مجلات تعنى بالعلوم الاجتماعية في الاطار الأكاديمي وإطار الجمعيات الثقافية الخاصة.
* الطاهر لبيب رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع يقول: "ان ملتقى اجيال علماء الاجتماع العرب من الفرص القليلة المتاحة، عربياً، لشباب الباحثين في علم الاجتماع ليلتقوا وليعرضوا مشاريع بحوثهم للمناقشة الجماعية بهدف تطويرها. وهو ايضاً فرصة نادرة يتعرف فيها جيل سابق الى اهتمامات الجيل الحالي، وبالتالي يقيس فيها المسافة التي قد تفصله عنه.
ومهما كانت حصيلة الملتقى، فهو في كل الحالات، فرصة للتواصل بين جيلين، على الأقل، تواصلاً له بُعد انساني قد لا يقل اهمية عن البُعد المعرفي. وإذا اعتبرنا قلة المؤسسات التي تساند الباحثين الشباب وتتابع نشاطهم العلمي، من ناحية، والتفكك المتفاقم للعلاقات الفكرية في العالم العربي، فإننا نجد تبريراً كافياً لاصرار الجمعية العربية لعلم الاجتماع على مواصلة هذا الملتقى وعقده، سنوياً، على رغم امكاناتها المحدودة.
اما ملامح التطور، منذ الملتقى الأول في أغادير الى هذا الملتقى الحادي عشر في عمان، فلا شك في ان من ابرزها تغيّر الاهتمامات والمقاربات. ذلك ان غالبية اهتمامات الملتقيات الاولى غابت، او تقلّصت معها مقاربات كانت سائدة مثل الوظيفية والبنيوية والماركسية. وعموماً ومن دون توقف عند كل المحطات نلاحظ، مثلاً، ان اهتمامات المرحلة الاولى كانت التنمية والتخلف تؤطرها نظريات التبعية، مع ميل الى ابراز العامل الايديولوجي، في حين ان النزعة الغالبة اليوم هي في اتجاه الأبعاد والمجالات الثقافية كأنساق رمزية، في درجة أولى. وهي نزعة غالبة في المغرب العربي، بوجه خاص، إذ لا تزال النزعة الأميركية واسعة الانتشار في المشرق العربي.
ومن ملامح التطور ايضاً، توسع المشاركة الى اقطار عربية لم يكن لها حضور في الملتقيات الأولى، مثل الاردن واليمن والسعودية. على ان الملتقى الحادي عشر سجل ارفع نسبة لمشاركة المرأة الباحثة، اذ ضم 17 باحثة في حين لم يتجاوز عدد الباحثين الذكور ثلاثة مشاركين.
كيف تتعامل الحكومات مع هذا الملتقى الدخيل الذي يأتيها بلفحة مختلفة؟
- الملتقى مغلق ولفحة الهواء هي بين المشاركين فيه، لا تتسرّب، في العادة، الى خارج فضائه. لذلك ليس هناك من التدخل ما قد يجعل الحكومات تشعر بأنه دخيل. ولذلك، ايضاً، كثيراً ما يجد الملتقى ترحيباً لدى المؤسسات الرسمية، لا سيما بعدما اكتسب سمعة واسعة من الجدية.
ولا شك في انك لاحظت كم عبّر المشاركون في هذا الملتقى عن سعادتهم وأكاد اقول عن دهشتهم امام ما وجدوا من ترحيب ومن كرم الضيافة في الأردن. وانني على يقين من ان بعضهم عدّل بعض ملامح الصور المسبقة التي كانت له عن المشرق العربي، معرفياً وانسانياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.