تتضمن مؤلفات محمد صادق باشا روايته لرحلات الحج مرافقاً المحمل المصري وهي المؤلفات التي تصف الرحلة الحجازية ونشرت تحت عناوين مختلفة. ومن مشعل المحمل ننقل وصف شاهد عيان لكيفية اداء الفريضة منذ الدخول الى مكة وحتى النزول من عرفة. بعد جدة يتابع المحمل سيره الى مكة، والسُنّة لداخل مكة الغُسل إن تيسر وإلا فالوضوء وأن يدخل من كداء ويمر من الحجون وهو اسم لطريق بين جبلين فيه صعود، على يساره مجزرة يهبط منه الى المعلاة وهي مقبرة مكة يفصل بينهما جداران فيمر منهما ويدخل الى المقبرة التي على اليسار ويتوجه الزائر الى آخرها فيزور عن يساره ضريح السيدة خديجة أولى زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به على الاطلاق رضي الله تعالى عنها. ويزور عن يمينه ضريح السيدة آمنة أم الرسول عليه السلام. وبعدهما قبتان احداهما مبنية على ضريح السيد عبدالمطلب وأبيه هاشم جدي الرسول والثانية مبنية على ضريح عمه أبي طالب الذي هو أبو الإمام علي رضي الله عنه. وعند خروج الزائر من هذه المقبرة يجد على يساره قبر السيد عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وقبر محمد النقشبندي. ثم يخرج منها ويدخل في المقبرة التي أمامها المسماة شعبة النور فيزور قبور جملة من الصحابة. وبعد عشر دقائق يبدأ في دخول سوق مكةالمكرمة وبعد عشر دقائق اخرى يصل الى بيت الله الحرام. وعند دخول مكة يقول: اللهم ان هذا البلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك متبعاً لأمرك راضياً بقدرك اللهم اني أسألك مسألة المضطر اليك المشفق من عذابك ان تستقبلني بعفوك وأن تتجاوز عني برحمتك وأن تدخلني الجنة. ثم يبادر الى دخول بيت الله الحرام قبل كل شيء وعند وصوله الى باب السلام ومشاهدة الحرم يقول اللهم ان هذا حرمك وحرم رسولك محرِّم لحمي ودمي على النار اللهم آمني من عذابك يوم تبعث عبادك. ثم يدخل برجله اليمنى ويقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد اللّهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا وقع بصره على البيت وهو موضوع في وسط الحرم كالمصباح يقول اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة وتكريماً. ويدعو الله بما شاء بالقلب مع الخشوع والتذلل ولا يزاحم أحداً ويتجه الى باب بني شيبة وهو مشتمل على عمودين تعلوهما قنطرة أمام مقام ابراهيم عليه السلام. ويمر منه قائلاً رب ادخلني مدخل صِدق واخرجني مخرج صِدق واجعل لي من لدُنك سلطاناً نصيراً وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا. ويتوجه الى الجهة القبلية من الكعبة ويقف ما بين الركن اليماني والحجر الأسود وينوي طواف القدوم سبعة أشواط ويتوجه الى الركن الذي فيه الحجر الأسود داعياً الله تعالى فيستلم الحجر ويقبله. وهو حجر أسود به تشقق مصون في صندوق من الفضة مبني في الركن الشرقي من الكعبة وفي هذا الصندوق فتحة مستديرة قطرها سبعة وعشرون سنتيمتراً يرى منها الحجر ويستلم وقد صار ذا شكل مقعر كطاسة الشرب وكيفية استلامه أن يأتي الشخص اليه فيضع يده عليه ويقبله مكبراً. فإن لم يمكن القرب منه للازدحام وقف محاذياً له برهة ثم يشير اليه بيده مع التكبير ويقبلها ثم يطوف حول البيت من شرقيه بأن يمر أمام بابه خارجاً عن الشاذروان ماراً من وراء الحطيم. فأما الشاذروان فهو الجدار المحيط بالبيت البارز من أسلفه كدرجة سلم عرضه من جهة عشرون سنتيمتراً ومن جهة أخرى أربعون وارتفاعه نحو عشرين من جهة وثلاثين من أخرى وأما الحطيم فهو بناء مستدير أمام الجهة البحرية من البيت على شكل نصف دائرة وارتفاعه متر وسمكه متر ونصف المتر مغلف بالرخام، أحد طرفيه محاذ للركن الشامي والآخر للغربي. مسافة ما بين كل طرف منهما وبين الركن متران وخمسة وثلاثون سنتيمتراً فهما منفذان متقابلان يمر منهما الى حجر اسماعيل عليه السلام. ومسافة ما بين طرفي نصف الدائرة من داخل ثمانية أمتار. وأما نفس حجر اسماعيل فهو المحل المتسع المنحصر بين ضلع الكعبة البحري وبين الحطيم والمسافة ما بين وسط هذا الضلع ووسط تجويف الحطيم من داخل ثمانية أمتار وأربعة وأربعون سنتيمتراً وفي أعلى منتصف هذا الضلع من الكعبة المزراب وهو مصوغ من الذهب ووراء الحطيم بمسافة اثني عشر متراً حد المطاف المستدير حول الكعبة وفي حدود هذا المطاف أعمدة من حديد مزخرفة الشكل متصل بعضها ببعض بواسطة قضبان تعلق فيها قناديل البلور للاستصباح ليلاً فيشترط ألا يطاف خارجاً عنها ويتم دور الطواف بالوصول الى امام الحجر الأسود. وعند ذلك يقف الطائف برهة مستقبلاً له ومكبراً ثم يمسه بيد إن أمكن وإلا فيشير اليه مع التكبير وحينئذٍ يتم أول شوط ويستمر على ذلك الى تمام السبعة الأشواط والمطوّف معه يلقنه دعاء كل شوط. فإن لم يكن من مطوّف ولم يكن حافظاً للأدعية قال في جميع الأشواط سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم بعد مس الحجر الأسود في انتهاء الشوط السابع يأتي الى أمام الملتزم وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود فيدعو الله بما شاء ثم يتوجه الى مقام سيدنا ابراهيم المقابل لباب الكعبة البعيد عنه بنحو اثني عشر متراً داخله الحجر الأسود الذي كان يقف عليه سيدنا ابراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة وبه أثر قدميه فيصلي ركعتي الطواف ويدعو الله ويتوجه الى بئر زمزم فيشرب من مائها ويتضلع وهذه البئر بقبلى المقام حيث ان الزاوية البحرية الغربية منها محاذية للحجر الأسود على بُعد ثمانية عشر متراً منه طعم مائها قيسوني تعقبه مرارة يسيرة عمقها اثنا عشر متراً. ثم يخرج من الحرم من الباب المسمى بباب الصفا الى الشارع ومنه الى الصفا بالجهة الأخرى من الشارع وهو مكان شبيه بالمصلى مقابل للحرم طوله ستة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار مرتفع عن الأرض بنحو مترين يصعد اليه على سلم فمن أتى اليه صعد على السلم واستقبل الحرم ونوى السعي سبعة أشواط ثم يتوجه منه الى المروة داعياً بما يلقنه المطوّف في شارع عرضه تارة عشرة امتار وتارة اثنا عشر متراً ماشياً كالعادة قدر خمسة وسبعين متراً حتى يحاذي الميلين الأخضرين أي العلمين. وهما علامتان خضراوان إحداهما على الحائط اليمين من الشارع والأخرى حذاها يساراً بجوار باب الحرم المسمى بباب البغلة وعند ذلك يسعى مهرولاً كأنه يسعى من دون نعال على رمل وقت اشتداد الحر ويداه قائمتان بجانبيه حتى يأتي بين الميلين الآخرين اللذين أحدهما بباب الحرم المسمى بباب علي والآخر مقابل له في الحائط الآخر من الطريق، ومسافة الهرولة سبعون متراً. ثم يمشي مشيه المعتاد قبل الهرولة حتى يصل الى المروة بعد مئتين وستين متراً تقريباً فالمسافة كلها نحو اربعمئة وخمسة أمتار والمروة محل مرتفع له سلم كالصفا. ثم بعد الدعاء هناك يعود ثانياً الى الصفا ويهرول ما بين العلمين كما فعل أولاً حتى يصل الى الصفا وهكذا سبعة أشواط وبهذا تم السعي والطواف وهذا لمن أحرم بالحج ويبقى بإحرامه ثم يتوجه لقضاء شؤونه والبحث عن مسكنه ويطوف حول البيت كلما أراد أن يتوجه الى عرفات. وعلى عرفة حيث يجتمع المحملان المصري والشامي يقف الخطيب على جمل يخطب ويلبي وبجانبه بيرق أحمر ومنادٍ يشير بالمنديل للقريب والبعيد ممن حوله ومن الواقفين أمام خيامهم وللحاضرين بعرفة ليلبوا أيضاً ويقولوا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وكلما أشار بالمنديل لبى الحاضرون مع البكاء والتضرع والنحيب وهم عراة الرؤوس حفاة الأقدام ليس عليهم سوى الإحرام... إنهم خاشعون خاضعون. وبعد الساعة الثانية عشرة عقب غروب الشمس يطلق صاروخ ليعلم الحاضرون ان المناجات بعرفات قد تمت وربحت كل نفس بقدر ما اهتمت ثم صفت فرسان وعساكر المحملين على الطرفين في وسطهم المحملان متجاوران المصري يميناً والشامي يساراً وأمام كل منهما أميره وأمينه وسارا على هذا الشكل في موكب لم يشاهد مثله في ما سبق من السنين والصلاة من هذا الجمع الغفير متلوة والمدافع والصواريخ تضرب كل مسافة قريبة والطبول والمزامير والموسيقى تطرب بكل نغمة غريبة وجميع الحجاج من ركاب الخيول والإبل وغيرها والمشاة عن يمين وشمال وخلف المحملين سائرون مع الراحة فرحون مستبشرون الى أن وصل الركب الى المزدلفة وبعد اطلاق مدافع الوصول نزل كل من المحملين في محله المختص به. وبالمزدلفة كل شخص يلتقط من الأرض تسعة وأربعين حصاة من الزلط بقدر الحمصة أو الفولة لرمي الجمرات ويغسلها سبعاً ويحفظها عنده. وفي يوم العيد وبعد مضي ربع ساعة من النهار قدم المحملان الى المشعر الحرام حيث الوقوف والدعاء، فصعد الخطيب وصار يدعو الله ويلبي والحاضرون يلبون جميعاً وعند الشروق بعد مضي خمس وثلاثين دقيقة من الساعة الأولى من النهار ختم الدعاء وسار المحملان الى منى ونزل كل في محله المعتاد ثم توجه كل واحد من الحجاج الى آخر منى ورمى الجمرة الأولى سبع حصاة من حصى المزدلفة واحدة بعد واحدة مع التكبير ثم عاد الى مخيمه وحلق وفك إحرامه ولبس ثيابه وتحلى بزخارف الدنيا ودخل مكة وطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم عاد الى منى فضحّى وفدى.