لا يبدو ان هناك في العالم من يستطيع ان يحول دون وصول مجرم حرب مثل ارييل شارون الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية في الانتخابات التي تجري غداً. لكن كل العناصر متوافرة، في الوقت ذاته، لضمان سقوطه المدوي بعد شهور قليلة إن لم يكن بعد اسابيع من انتخابه. فالمرشح اليميني سيكتشف بعد فوزه بالمنصب الذي طالما حلم به، انه نجح لأسباب عدة ليس من بينها شعبيته الذاتية. فهو وصل الى ذلك الموقع اولاً بسبب الانتفاضة الفلسطينية التي فجرتها زيارته الاستفزازية الى الحرم الشريف، والتي وقع باراك في شركها بمزاودته على سابقيه من جنرالات القمع الاسرائيليين، فتسبب بمجزرة قضت او كادت تقضي على معسكر السلام في الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي قبل ان تقضي على مستقبله السياسي. ويمكن القول ايضاً ان شارون سيفوز في الانتخابات لأن نتانياهو، الذي يتفوق عليه في الاستطلاعات، اختار ان "يؤجل" عودته الى الواجهة هذه المرة، في انتظار سقوط شارون الذي لا يكاد يملك فرصة تذكر للبقاء في منصبه بسبب تركيبة الكنيست الذي اراد نتانياهو منه ان يحل نفسه كشرط لخوض الانتخابات، فضلاً عن ان فرصه في احراز تقدم في ملف السلام تشبه فرص ابليس في الجنة! وسيفوز شارون ايضاً لأن باراك "ركب رأسه" فرفض التنحي لزميله في حزب العمل، شمعون بيريز، الذي اظهرت الاستطلاعات انه اوفر حظاً من باراك للفوز على شارون. وهكذا، بكل بساطة، فإن بيريز ونتانياهو، يجلسان بهدوء اليوم في انتظار احتراق شارون بعدما احترق باراك، للعودة الى واجهة الحكم بعد ان يعودا الى رئاسة حزبيهما. ولأن الناخبين الاسرائيليين يريدون معاقبة باراك، فلا مانع لدى غالبيتهم ان يعاقبوا انفسهم بإنتخاب شارون، او هكذا يبدو. إلا ان الاستطلاعات ما تزال تظهر ان ثلثي الاسرائيليين يؤيدون تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وهو ما يعني انهم يتوقعون من شارون، الذي ارتكب ابشع المجازر بحق العرب، ان يحقق تسوية "سلمية" فشل باراك في التوصل اليها. وهم يتوقعون من رجل كان المسؤول الاول عن احتلال عاصمة عربية في العام 1982، وعن محاولة اغتيال الرئيس الفلسطيني في بيروت، وعن بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية وعن ضرب كل الآمال بإمكان تحقيق سلام حقيقي بين اسرائيل والعرب، ان يجترح معجزة سلام -- ولا في الاحلام... وبما ان غالبية الاسرائيليين تريد سلاماً من نوع ما مع الفلسطينيين، فإن شارون، رغم تاريخه الاسود، سيسعى لأن يقنع الجميع بأنه غير من لونه، وانه قادر على التفاوض السلمي تحت مسميات جديدة. وبالقدر الذي يتمكن شارون من ايهام الجانب العربي بصدق توجهاته، فإنه سيبقى فترة اطول في الحكم، وهي لعبته الوحيدة بعد انتخابه. وهذا يعني انه رغم ان العرب لا يملكون الحؤول دون انتخاب شارون، إلا انهم يملكون التأثير في اسقاط حكومته بعد انتخابه. فالاسرائيليون لا يريدون رئيساً ليس في الجانب الآخر من يريد ان يفاوضه.