العبارات الحماسية التي يرددها قادة "طالبان" تذكرنا بالتصريحات النارية التي أطلقها النظام العراقي قبل حرب تحرير الكويت، ورفع شعار الدين في تلك المعركة ووضع شعار "الله أكبر" على العلم العراقي، يشبهان محاولة "طالبان" استحضار مشاعر المسلمين إبان الغزو الروسي، وتصوير ما يجري على أنه "جهاد" ضد أميركا، والأيام القليلة المقبلة ستكشف لنا أن الشعارات المزيفة التي سوّقها العراق في آب "أغسطس" 1990 هي ذاتها التي تروجها "طالبان" هذه الأيام. بعد هزيمة العراق في "أم المعارك" فرض السلام على الفلسطينيين، وتفرق العرب، ودفن شعار القومية العربية إلى الأبد، وأصبح العالم العربي يتحدث عن المصالح المادية، وتجمعه الأسواق المشتركة، والإعفاءات الضريبية على السلع. وصارت القطرية شعار المرحلة، وتحولت الوحدة إلى فكرة أفلاطونية، وأصبحت فكرة "الشرق الأوسطية" بديلاً قوياً من "الوطن العربي الكبير". والسؤال المطروح حالياً: ماذا سيحدث للعالم الإسلامي بعد هزيمة أفغانستان؟ الوضع الإسلامي أمام المشكلة الأفغانية، يختلف عن الوضع العربي بعد احتلال الكويت. الدول الإسلامية تؤيد في شكل عام التحالف الدولي ضد الإرهاب، وتدعم الموقف الأميركي في الحملة العسكرية ضد "طالبان". وفكرة الوحدة الإسلامية غير مطروحة على غرار الوحدة العربية، فضلاً عن أن الدول الإسلامية تواجه مشكلة التطرف والإرهاب وتشويه الإسلام، وربط الإرهاب بالمسلمين. وهذا التحدي سيكون دافعاً لتضامن إسلامي يصب في الجهود الدولية ضد الإرهاب، ومواجهة التطرف الذي أصبح يهدد مستقبل الدعوة الإسلامية وصورة المسلمين في العالم. إن صورة الإسلام والمسلمين بعد انجلاء هذه الأزمة، تعتمد على موقف الدول الإسلامية وأسلوب تعاطيها مع هذه المشكلة. فإذا رضخت للأصوات الغوغائية، وانجرفت وراء بعض المواقف المتشددة في الشارع الإسلامي والعربي، ستخسر سمعتها، وتساهم في مزيد من التشويه لدينها ومواطنيها. وإذا مارست قناعات الإسلام الحقيقي، ووقفت بحزم ضد هذا التطرف الذي تمثله "طالبان"، ستكسب احترام العالم وتحافظ على دينها من هذا النزق، وتفوّت الفرصة على مَن يساندون الإرهاب الذي يمثله ابن لادن و"طالبان".