ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    مهندس ضاع حلمه في اللجان    المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م    سمو أمير منطقة القصيم بحضور سمو نائبة يدشن منصه جائزة السياحة الريفية ويؤكد السياحة الريفية ميزة تنافسية للمنطقة    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    الذهب يستقر وسط ترقب بيانات أمريكية    استشهاد 7 فلسطينيين في قصف على خان يونس    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمين القصيم يوقع عقد تأمين مضخات كهربائية لمحطات ومعالجة السيول بمدينة بريدة بأكثر من 3 ملايين ريال    أمانة تبوك تكثف جهود صيانة الطرق والحدائق وشبكات التصرف خلال النصف الأول ل 2025    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    134مليار ريال إنفاق المستهلكين    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء: المملكة سخرت إمكاناتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. آل الشيخ: السعودية تعيش تحولاً كبيراً بمختلف المجالات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    فيصل بن مشعل يحتفي ب24 فارساً حققوا 72 إنجازاً محلياً ودولياً    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    موقف متزن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية الدولية!    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    «الاستثمارات العالمية» في النفط والغاز تتجه للشرق الأوسط    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    موافقة الملك على منح وسام الملك عبدالعزيز ل200 متبرع بالأعضاء    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير نادي منسوبي وزارة الداخلية بمناسبة تعيينه    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    أصداء    العثمان.. الرحيل المر..!!    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    القيادة تعزّي أمير الكويت في وفاة الشيخ فهد صباح الناصر    إلزام المطاعم بالإفصاح عن المكونات الغذائية    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    قائدٌ يرسم ملامح وطن    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    تحفيز الإبداع الطلابي في معسكر ثقافي    "الدهمشي" يطّلع على جهود فرع الصحة بجازان ويشيد بدوره في متابعة كفاءة الخدمات الصحية    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نقرأ الكاتب الهندي البريطاني الملتبس ؟ . هل يستحق ف.إس. نايبول جائزة نوبل أم أن "الخدعة" السياسية أوصلته الى تلك المرتبة ؟
نشر في الحياة يوم 16 - 10 - 2001

هل يستحق الكاتب الهندي الأصل، البريطاني الجنسية ف.إس. نايبول جائزة نوبل أم لا يستحقها؟
هذا السؤال الذي طُرح فور الإعلان عن فوزه بالجائزة الأدبية الكبيرة سيظلّ مطروحاً على ما يبدو ولكن من غير ان يلقى الجواب الشافي أو النهائي. فبعض الكتّاب السويديين شجبوا مبادرة الأكاديمية السويدية واعترضوا عليها علاوة على بعض الأوروبيين الذين فوجئوا كثيراً بالجائزة. ولئن اعتبره بعض النقاد والصحافيين مناصراً للعالم الثالث، اعتبره البعض الآخر مناهضاً لهذا العالم في شؤونه وقضاياه. ولم يتمالك بعض الكتّاب عن وصفه ب"الكاتب ذي الميول العنصرية" التي لا تختلف عن "الميول اللاسامية". وأخذ عليه آخرون "ازدراءه الإسلام"، معتبرين ان فوزه بالجائزة اليوم، في غمرة الحرب القائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها و"الإرهاب" الإسلامي، أشبه بالخدمة التي تؤديها الأكاديمية السويدية للنظام الأميركي وأشبه بالدور الذي تلعبه محطّة "سي. أن. أن" في ترويج الرؤية الأميركية الى الواقع الراهن. واضطر رئيس الأكاديمية السويدية بعد منح الجائزة الى التشكيك في خلفيتها السياسية ودعا المثقفين والقراء الى التأنّي في قراءة كتب نايبول التي تنتقد الأديان عموماً وليس الإسلام فحسب وخصوصاً في "طمس" هذه الأديان الحضارات التي سبقتها. ولعلّ الدفاع المسبق الذي تولاّه رئيس الأكاديمية السويدية يدلّ بوضوح على "تسييس" الجائزة هذا العام في ما يتلاءم مع "الحرب" الشاملة التي تشنّها أميركا على الإرهاب في الشرق المسلم.
لا شك في أن نايبول لا يكتب إلا ما يثير الجدل والنقاش. فهو كاتب منحاز وغير حيادي. كاتب أدرك منذ بداياته أنه ضحية "انفصام" تاريخي جعله يتأرجح بين عالم أول يكرهه نظراً الى ما يحوي من تقاليد قديمة ومحرّمات، وعالمٍ ثانٍ يشعر فيه بالحريّة والذاتية من غير ان يتجاهل أخطاءه. حال الانفصام هذه عبّر نايبول عنها في الكثير من رواياته وخصوصاً تلك التي تقارب السيرة الذاتية وفي طليعتها رائعته "بيت للسيّد بيسواس". ولعلّ انتماءه المزدوج هذا، الذي لم يستطع ان يتخطاه هو ما دفعه الى العودة الدائمة الى الأصقاع البعيدة التي انهكتها المرحلة الكولونيالية، باحثاً، كروائي، ولكن، على غرار علماء الاجتماع والاثنولوجيا عن عوالم وشخصيات وأحوال ومواقف. ويعبّر نايبول في أحد مقالاته عن المعاناة التي طالما ألمّت به عندما لم يكن يجد "حكاية" ليرويها وليبني عبرها روايته أو عالمه الروائي. وقد يكون "موت" الحكايات هو الذي دفعه باكراً الى هجر الكتابة الروائية التي أبدع فيها أجمل الروايات والى الانصراف الى كتابة تلك "الملاحم" التي تدمج بين التحقيق الصحافي وأدب السفر والانتروبولوجيا وسواها. ومنها كتابه: "الهند ألف ثورة" أو "بين المؤمنين: رحلة إسلامية" أو "أبعد من الإيمان"... ولم يكتفِ نايبول بهجر الفن الروائي ممّا أدّى الى تراجعه في الآونة الأخيرة بل راح يعلن كراهيته لهذا النوع الأدبي ناعياً إياه بنبرة يائسة كلّ اليأس. فالعصر الذهبي للرواية كما يعبّر هو "العصر الماضي". ويقول: "بين بلزاك وديكنز وبروست قيل كل شيء وكتب كلّ شيء"، يقول نايبول. ويشك في جدوى الكتابة الروائية متسائلاً: "ما الذي سيبقى من روايات السنوات العشر الأخيرة؟"، ويرى نايبول ان الرواية أضحت "نوعاً أدبياً منتهياً في المعنى الثقافي" وباتت عاجزة عن اللحاق بهذا العالم الحديث الذي يتبدّل بسرعة قصوى ويتجدّد برهبة.
إلا أن مثل هذا الموقف النقدي أو "الكاره" كما يقال من الفن الروائي يدلّ على مدى افتتان الكاتب به وحبّه اياه. فهو لم يتوقف عن الكتابة الروائية إلا عندما استنفد "الحكايات". على أن ما كتبه من صنيع روائي يكفي لتأسيس عالم بذاته ومدرسة بذاتها. لعلّها فكرة "البحث عن الحقيقة" التي يصرّ عليها نايبول جعلته يبدل مسراه متلبّساً قناع العالم الاجتماعي والاتنولوجي من غير أن يتخلّى نهائياً عن قناع الراوي والحكواتي. فهو في كتبه ذات الطابع "البحثي" بدا أشبه بالمشاهد المتجوّل الذي يبحث عن الحقيقة في مصادرها الحيّة أي وسط الناس والأحياء. ورحلته الى بلاد الإسلام الآسيوي ايران، اندونيسيا، ماليزيا وباكستان لم تتطلّب أكثر من خمسة أشهر ليكتب من بعدها كتابه المثير "أبعد من الإيمان". هذا الكتاب كان سبقه قبل سبعة عشر عاماً كتاب آخر عنوانه "بين المؤمنين: رحلة إسلامية".
بدا الكتاب الجديد 1988 كأنّه يعزف على الوتيرة نفسها أو على الموقف نفسه الذي طالما أعلنه نايبول من الإسلام وظلّ يكرّره حتى أنهكه جاعلاً اياه أقرب الى الشعار النافر والجاهز. وفي أحد حواراته الأخيرة أعاد نايبول ترداد مقولته وان في طريقة أخرى قائلاً: ان تعتنق الإسلام عليك ان تمسح تاريخك وأن تسحق بالقدمين ثقافة الأجداد". هذه النزعة "الشعاراتية" أخذها عليه ادوارد سعيد الذي لم يتوان عن نقده بعمق. وقد نمّت هذه النزعة عن عدم تعمّق نايبول في الدين الاسلامي بل عن عدم فهمه عقيدته وتاريخه. وهو لن يوفّر الدين المسيحي بدوره - وإن تناوله عرضاً - إذ يعتبر ان المسيحية والاسلام يلتقيان في كونهما يصادران "مصير البشر الجماعي" على خلاف الأديان الأخرى البوذية، الهندوسية... ويمحوان الماضي الخاص للجماعات. ويسمي الثقافة المسيحية والاسلامية ب"ثقافة الصحراء" متحسّراً على باكستان التي لم يبقَ شيء من البوذية فيها. ويقرن نايبول بين الدين السماوي والامبريالية والجامع بينهما هو الامتثال. فالاسلام في نظره كما المسيحية "يجبر الناس على التخلي عن ماضيهم، اي عن انفسهم".
بدا واضحاً ان نايبول ليس متخصصاً في علم الأديان ولا في تاريخها ولا في التاريخ الاسلامي والعربي. فما الذي جعله يسترجع الماضي البعيد الذي نسته الشعوب نفسها لينطلق على ضوئه بمقولة "الاعتناق الديني"؟ ترى أليس التعاقب والتواصل من صفات التاريخ الديني والتاريخ الحضاري عموماً؟ ولماذا يتهم نايبول الدين الاسلامي والمسيحي فقط بهذه المواصفات السلبية؟ ألم يخضع التاريخ البوذي للصيرورة التاريخية نفسها حتى اصبحت البوذية "بوذيات" عدة وغابت عن اصقاع سيطرت فيها ردحاً منتقلة الى اصقاع اخرى؟ ثم لماذا لم يعترض نايبول على اليهودية التي تسعى الى غسل "أدمغة" الشعوب اليهودية التي تأتي اسرائيل بها من جهات العالم معرّية إياها من ثقافاتها الخاصة؟
طبعاً ليست الغاية هنا مناقشة نايبول في فكره "الديني" او في نظرته الخاطئة والمتسرّعة الى تاريخ الأديان والشعوب. فالاهتمام هذا لا يمثل إلا جزءاً من نتاج هذا الكاتب الكبير الذي أسس مدرسة جديدة في "أدب الرحلة" أو "أدب السفر" والسيرة الذاتية. ولكن ما يؤلم في تجربته هو انحيازه الى الرؤية الاستشراقية الجاهزة التي تجذب القارئ الغربي وتدغدغ احلامه. واستطاع نايبول ان يلعب هذه اللعبة بنجاح وعمق ولكن متحاشياً الوقوع في شرك "الاكزوتيكية" والتغريب المجاني. هذا الكاتب مبدع حقاً ولو ارتدى في احيان بعض الأقنعة. فهو كاتب هندي الجذور حين ينبغي له ان يكون هكذا. وهو كاتب انكليزي يعيش على الطريقة الانكليزية حين ينبغي له ان يكون هكذا ايضاً. ولعل هذه اللعبة المكشوفة حملت البعض على اتهامه بالتخلي عن جذوره. وليت نايبول كتب عن العالم الاسلامي مثلما كتب عن الهند: ستمئة صفحة تجمع بين كل فنون الكتابة وترسم صورة باهرة لتلك البقعة الكبيرة والبعيدة من العالم. صورة تختلف تماماً عن الصورة التي رسمها فورستر في روايته "طريق الهند". وقد وصفها نايبول ب"المثلية الناهبة، الكولونيالية النموذج".
هل يستحق ف. س. نايبول جائزة نوبل ام لا يستحقها؟
هذا السؤال سيظل مطروحاً من غير جواب شافٍ ونهائي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.