أمير الرياض يستقبل سفيرة الجمهورية الهيلينية المعيَّنة حديثًا لدى المملكة    أمانة المدينة: نسبة أعمال جسر "الصافية" بلغت 56٪    أمير حائل يطّلع على مشاركة أمانة المنطقة في معرض "خيرات حائل"    انعقاد النسخة الأولى من "ملتقى الرقابة المالية"    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    القبض على مواطن بتبوك لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    الاتحاد الآسيوي يُعلن عن بطولة دوري الأمم الآسيوية    الدعيع يقترح جيسوس لتدريب منتخب السعودية    مبابي يصل إلى رقم كريستيانو رونالدو    فرصة عقارية مميزة بمزاد شرفة الحرم العلني الهجين في مكة المكرمة    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    الفنار للخدمات الهندسية تعيّن المهندس عامر العجمي رئيساً تنفيذياً للشركة    الإعلام الفرنسي يشيد بسعود عبد الحميد بعد تألقه مع لانس    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب جزر تانيمبار الإندونيسية    الصين تُطلق قمرًا اصطناعيًا جديدًا لاختبار تكنولوجيا الاتصالات    HONOR تكشف عن هاتف MAGIC8 PRO في السعودية خلال حفل إطلاق في ذا أرينا    دله الصحية تضيف مستشفى المملكة إلى مجموعة مستشفياتها عبر الاستحواذ على الأسهم المتبقية في شركة درع الرعاية القابضة    اختتام معرض جدة الدولي للكتاب 2025    افتتاح فعالية «السهي فيو» ضمن مهرجان جازان 26    تونس تحتفي بالعقد الأول لمهرجان القيروان للشعر العربي    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    ارتفاع معدلات الإنتاج الغذائي    المركز الوطني للعمليات الأمنية يستعرض تجربة حية عبر تقنية الواقع لزوّار معرض "واحة الأمن"    وفد أعضاء مجلس الشورى يطلع على أعمال هيئة تطوير محافظة جدة    في افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025.. المغرب لتأكيد عقدته التاريخية لجزر القمر    ختام بطولة "WBC Boxing Grand Prix"    في نصفِ نهائي بطولة الجيل القادم.. بلوكس يواصل الانتصارات.. وتيين يُكمل عقد النهائي    برشلونة يواجه مهمة صعبة أمام فياريال    اجتمع بالملحقين التجاريين للمملكة..الخريف: تمكين فرص الاستثمار في الصناعة والتعدين    الدبلوماسية السعودية النشطة تثمر.. نقلة تاريخية لسوريا بعد إلغاء «قانون قيصر»    أميركا تصادر ناقلة نفط إضافية قبالة فنزويلا    بريطانية تصعد على متن الطائرة بعد وفاتها    المملكة.. إغاثة بلا حدود    الزايدي محاضراً    محافظ رأس تنورة يكرم اليامي    الماجستير لشروق    وسط ضغوط أمريكية على الفصائل المسلحة.. الرئيس العراقي يدعو لتشكيل حكومة شاملة    النفط يرتفع وسط حصار ناقلات النفط الفنزويلية ومخاوف اضطرابات الإمدادات    ورشة عمل تبحث دور الإعلام في صناعة المبادرات    اللغة العربية.. الحضارة والمستقبل    الحِرف السعودية.. تخليد مهارات الأجداد    القحطاني يكرم الجمعان    إلهام عبد البديع في«السرايا الصفرا»    «تقويم التعليم» تعتمد 51 مؤسسة أكاديمية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين في ماليزيا ومفتي رواندا    خطيب المسجد الحرام: إذا تولى الله عبدًا أكرمه وهداه    إمام المسجد النبوي: الإسلام يسمو بالأخلاق ويربطها بالإيمان    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُنقذ مراجعاً مصاباً بانسداد حاد نسبته "99 %" بالشريان التاجي الأيسر    تشغيل نظام الأرشفة الإلكترونية بمستشفى الأسياح    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    أداة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن سرطان الكلى    ضربة روسية على أوديسا تواكب مساعي السلام الأمريكية    إنطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم في جازان    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد الخطاب المعاصر : "البدويانية" في التحليل النفسي نموذجاً
نشر في الحياة يوم 09 - 01 - 2001

البدعة كل محدثة، والبدعة بدعتان: بدعة هوى وبدعة ضلال، هذا ما يأتي به ابن منظور في لسان العرب، وأبدع وابتدع وتبدع أتى ببدعة. وبدعة اليوم التي مهّدنا لها هي في منظور التحليل النفسي الجديد هي "البدويانية"، والبدويانية مصطلح جديد نحته كعادته المحلل النفسي علي زيعور، والذي تفيض كتبه العديدة في مجال التحليل النفسي بمئات المصطلحات المنحوتة، ويقصد به "اللاوعي البدوي" المستقر في قيعان شخصياتنا وثقافتنا.
التحليل النفسي الجديد يتقدم بزخم أفقي لا عمودي، بمعنى أنه يسوق الكثير من المعلومات والروايات والحكايات والمأثورات والتحليلات السريعة والتأويلات الانطباعية في الحين الذي يظل فيه محكوماً بنقص في العمق التحليلي. انه يجب ما عداه، فهو يسعى الى تجاوز السوسيولوجي العربي المنوط به فهم البداوة والذي بقي عاجزاً عن تحليل ظاهرة البداوة في حاضرها وماضيها. والمكتبة العربية خير شاهد في هذا المجال، فمن شأن أية بيبلوغرافيا ترصد المكتوب في هذا المجال - مجال البداوة - أن تساهم في الكشف عن فقر الدراسات في هذا المجال، وكذلك غيابها، والأهم من كل ذلك استنادها الى الأحكام الانطباعية التي توّجها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، مع ان المطلوب كما يرى محمد عابد الجابري هو احداث قطيعة ابيستمولوجية معرفية مع الخلدونية وفلسفتها التشاؤمية للتاريخ. والمفارقة تكمن انه وفي الوقت الذي يسعى فيه خطاب التحليل النفسي الى تجاوز الخطاب السوسيولوجي فإنه يستعير منه معظم دوافع التعبير الانطباعية، مندفعاً الى تخوم الايديولوجيا الثوروية التي قامت بمصادرة البداوة كعقبة في طريق التقدم المنشود وكجرثومة تخلف أبدي والى تخوم الخطاب العربي السياسي المأزوم الذي يمارس السياسة بصورة غير مباشرة على حد وصف محمد عابد الجابري له، لنقل الذي يرفع شعارات ثوروية لا قبلية ولا عشائرية ولكنه يغرق فيها حتى عنقه. وهنا يحدث ذلك اللقاء العجيب بين التحليل التاريخي والسوسيولوجي ببعديهما الانطباعي، اللذان يبحثان عن ثوابت تاريخية وبين التحليل النفسي الجديد بهواماته الجديدة/ القديمة.
"البدويانية" في خطاب التحليل النفسي هي مرض ثقافي، وبالتالي هي مرض نفسي لأن كل مرض ثقافي هو مرض نفسي كما يرى علي زيعور، الذي يقيم تمييزاً بين "البدويانية" في التاريخ التي هي إعلاء القيم العصبية واعلاء للتمسك بأحكام تعطي مكانة أولى لميول نحو الشجاعة والفروسية، نحو الاعتداد بالرجولة والمروءة والمرأة والحصان والسلاح... الخ وبين "البدويانية" في المعرفة والفكر التي هي: الرضى بالحرف، والتلبث عند النص الظاهر أو عند السطح أو عند السطح وما هو بادٍ غير مخبوء ولا معقد، والرؤية الآحادية والمتشددة للإيديولوجيا. وهي، في القيميات، ترفض التعدد والتدرج فمن ليس معنا هو ضدنا وتعزز السلوكات القدرية أو الاستسلامية أمام جبروت الطبيعة والقواهر علي زيعور، انجراحات السلوك في الذات العربية، ص 159.
ويرجح ان خطاب التحليل النفسي الجديد، لا ينجح إلا في طرح الشعارات الثوروية ومزيداً من الأحكام الانطباعية التي يستقيها من ابن خلدون وابن الأزرق صاحب كتاب "بدائع السلك في طبائع الملك" ومن الاستقراءات السريعة للتحليل النفسي، انه انطلاقاً من أن المرض النفسي هو مرض ثقافي يطالب بتحليل بين الثقافة، أو الدراسة النظرية لطبيعتها ومسيرتها ورغائبها على ان يقود ذلك الى تحليل اضطراباتها من جهة أولى، والى البحث في سبل اعادة التعضية والطرق التأهيلية.
ولكنه لا يقوم بأي تحليل، بل يزجي أحكاماً وأحكاماً مضمرة بالاتهام لا يخفى على القارئ أن القول إن البدويانية هي الرضى بالحرف يظل مضمراً بالاتهام، اتهام الحركات الإسلامية المعاصرة بأنها متخمة بالبدويانية وانها في النهاية حركات ريفية بدوية وهو اتهام سائد في الخطاب السياسي العربي المعاصر وعلى سبيل المثال فالتحليل النفسي لا يجد ما يعزز ويسند بدعته الجديدة البدويانية ولا يعززها بأية دراسات معاصرة في مجال البداوة وهي كثيرة، ومن هنا اعتراض محمد جابر الأنصاري على المثقفين العرب الذين يرفعون شعارات التغيير والثورة ولكنهم يجهلون مجتمعاتهم. فلا شيء يملأ الفراغ إلا الشعارات. يقول زيعور: معرفة نقاط الضعف في سمات الشخصية والحضارة طريق الى قبولنا لذاتنا بلا مبالغة أو نقص، أي بعيداً عن النرجسية وانجراح الثقة والمشاعر" ص 105 ولكن هذا الطريق يظل محفوفاً بالمخاطر، لأن تمديد البدوي على سرير التحليل النفسي من دون أية معرفة بهذا البدوي، سيقود الى تمزيقه على سرير بروكست النفسي، وهذا ما حدث مع المثقف العربي الذي جرى تقطيع أوصاله على مذبح التحليل النفسي انظر ما فعله جورج طرابيشي مع حسن حنفي في تحليله للعصاب الجماعي عند المثقفين العرب، في كتابه "المثقفون العرب والتراث"، دار الريس، 1990 وما جرى للمجتمع العربي في اطار ما سمي ب"سيكولوجية الإنسان المقهور" ففي كل الأحوال قام التحليل النفسي في بحثه عن الجوانب السيكولوجية عند المثقف العربي والمجتمع العربي بجلدهما وتمزيقهما الى أشلاء وتقديمهما قرابين على مذبح التحليل النفسي.
ان القول إن "البدويانية" هي أهم عائق نفسي وبالتالي ثقافي حال بيننا وبين النهضة والانفتاح والديموقراطية، يجعل من "البدويانية" دريئة تصوب عليها التحليلات السوسيولوجية والسياسية والنفسية العربية أهدافها ولكن من دون أن تصل الى الهدف. فالبدويانية عبر هذه التحليلات التي تجهل البداوة، تفسر كل اخفاقاتنا. فهي المسؤولة عن اخفاقنا الايديولوجي والسياسي الرؤية الآحادية والمتشددة للايديولوجيا كما يقول الدكتور زيعور، وعن حروبنا الأهلية البدويانية ترضى بالحرف وتقف عند ظاهر النصر وهذه هي حال الحركات الإسلامية كما هو شائع والبدويانية وراء هزائمنا واستسلامنا للعدو... الخ. من تحليلات لا يمكن وسمها بأنها تحمل طابع التحليل. والأخطر من هذا كله أن خطاب التحليل النفسي الجديد، يقيم تضاداً بين الخير والشر، بين الحضارة وبين "البدويانية" باعتبارها الشر التي تظهر في خطاب التحليل النفسي على أنها معادية للوطنية، والديموقراطية والمجتمع الذي ينهض بعيداً عن العصبية البدوية المنقفلة، والتعبير لزيعور ص158.
هكذا يقوم خطاب التحليل النفسي ومن خلال وصفاته الجاهزة، بجلد الشخصية العربية من خلال اتهامها بالبدويانية، ظناً منه أنه اهتدى الى الحل، في حين أنه آثر الهروب الى الأمام وهذه هي شيمة الخطاب العربي المعاصر كما بيَّن الجابري في تحليله له.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.