أمير الشرقية يستقبل سفير جمهورية جورجيا لدى المملكة    "زين السعودية" تتعاون مع "سيسكو" لتطوير بنية تحتية متقدمة مرتكزة إلى الذكاء الاصطناعي    اطلاق المرحلة الثانية من "تحدي الابتكار للاستدامة" من بوسطن    السعودية الأولى عالميًا كأعلى وجهة في نسبة نمو إيرادات السيّاح الدوليين    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي لنقطة توزيع مياه    وعي لصحة المجتمع" يشارك بخمسة أركان في مبادرة توعوية عن أضرار المخدرات بمجمع الراشد مول بجازان    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق عددا من الفعاليات عن الحرف اليدوية    جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تحصل على اعتماد أكاديمي فرنسي    موعد مباراة سان جيرمان وتشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كوكب زحل يصل اليوم إلى نقطة الثبات    القيادة تهنئ رئيس الجبل الأسود بذكرى اليوم الوطني لبلاده    تنفيذ 15 مشروعًا مائيًا وبيئيًا في الباحة بأكثر من 591 مليون ريال    وكالات أممية: نقص الوقود في غزة بلغ مستويات حرجة ويهدد بانهيار شامل    رئيس الوزراء الأسترالي يبدأ زيارة إلى الصين    «اليونسكو» تدرج نقوش موروجوغا الصخرية الأسترالية ضمن قائمة التراث العالمي    الأرصاد: رياح على 5 مناطق و طقس حار في الشرقية    الياباني GO1 يتوّج بلقب FATAL FURY City of the Wolves    ضمن منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق "Team Redline" البريطاني يتوج ببطولة"Rennsport"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    الزعيم يسابق الزمن لحسم صفقة" كين"    النصر يخطط لمبادلة لابورت بالأمريكي بوليسيتش    «أوبك»: 18.5 % نمو طلب النفط عام 2050    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    مبعوث ترمب في طريقه إلى كييف.. أوكرانيا تؤكد استئناف الإمدادات العسكرية من واشنطن وأوروبا    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    الغبار الإفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    ضبط 20 ألف قرص مخدر والإطاحة بعدة مروجين    باحث: دخول نجم سهيل 24 أغسطس المقبل    وسط تصاعد التحذيرات الدولية.. إدانة أممية لعرقلة الحوثي جهود إنقاذ البحارة المفقودين    الأمن العام يوضح خطوات الإبلاغ عن الاحتيال المالي    ضبط 10 مكاتب مخالفة في قطاع السفر والسياحة بالرياض    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    568 مبتعثا ثقافيا للخارج والأولوية للبكالوريوس    فيلمي القادم سيصور بالرياض.. الفنان أحمد السقا ل"البلاد": الهلال شرف العرب في كأس العالم    رنا جبران تجسد الأمومة الجريحة في مسلسل"أمي"    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    تعديل جيني بديلا لأبر التنحيف    قطة تكتشف سلالة فيروسية نادرة    الدماغ لا يتوقف عن النمو    الإفراط في تناول دواء شائع يسرع شيخوخة كبار السن    «الصحة» تقدم 7 إرشادات لتجنب ضربة الشمس    المدخلي رأس خصوم الإخوان    نائب أمير الرياض يشرف حفل السفارة الفرنسية.. ويطّلع على جهود "الأمر بالمعروف"    خطيب المسجد الحرام: تلطفوا بعباد الله وأحسنوا إليهم    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    جدة تستضيف الجولة الرابعة من بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة F1H2O    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الفارس"المبطي"يحقق المركز الثاني في بطولة ڤالكينزڤارد بهولندا    Bitcoin تسجل أعلى مستوياتها في 2025    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن صالح الشثري    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأردن على مفترق طرق ؟
نشر في الحياة يوم 25 - 01 - 2001

يمر الأردن في مرحلة انتقالية في غاية الدقة، ويواجه تحديات تلقي بظلالها على العمل السياسي وتؤثر جذرياً على الوضع الاقتصادي والحياتي للمواطن العادي. ثمة ملاحظات أولية توصلت اليها خلال قيامي بدراسة ميدانية منذ منتصف شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي عن الحركات الاجتماعية - السياسية الصاعدة في الأردن.
يشكل هذا البحث جزءاً من دراسة مقارنة عن أهم هذه الحركات في كل من مصر واليمن والأردن ولبنان وفلسطين. المسألتان الرئيسيتان اللتان تواجهان الأردن الآن: العلاقات الثنائية الداخلية الاردنية - الفلسطينية، والاصلاح، وهما مرتبطتان ببعضهما بعضاً ارتباطاً عضوياً. فمن الصعب جداً ايجاد حلول منطقية وفعّالة لقضية الوحدة الوطنية إلا بدمقرطة المجتمع الاردني وبناء مؤسسات حقيقية لامتصاص الافرازات الشعبية واشراك القواعد الشبابية في العملية السياسية. من جهة أخرى، تتطلب دمقرطة المجتمع الاردني وتقتضي العمل الجدي المبدع وبناء قنوات حوار وطني لحل قضية الثنائية في العلاقة الاردنية - الفلسطينية الداخلية.
أشار العديد من الفاعليات الشعبية والشبابية، الذين قابلتهم، إلى ان الحكومة والقصر لم يتعاملا بجدية، حتى هذه اللحظة، مع الأحداث بمستوى التحدي. فلا توجد لدى الدولة رؤية استراتيجية للاصلاح، إنما محاولات متواضعة لسد الثغرات هنا وهناك بأساليب تقليدية غير خلاقة وغير كافية ولا تفي بالغرض المطلوب. تعتقد نخبة محدودة، ولكنها مهمة، ان "السيطرة على الادارة هي الحل" وان الاقتصاد يشكل العامل الاهم للتغيير. في نظر هذه النخبة الصغيرة والنافذة تشكل السيطرة على الادارة المدخل العملي للبدء في مشروع الاصلاح، والمطلوب القيام بمجموعة من الاصلاحات الجذرية في اقرب فرصة ممكنة لتقنين الادارة وتوجيهها وتفعيلها.
على سبيل المثال وصل العجز المالي في الموازنة هذه السنة الى اكثر من حوالى 170 مليون دينار اردني حوالى 230 مليون دولار اميركي. ويقول بعض الخبراء الاردنيين إن هذا العجز يمكن تسديده بالكامل من خلال وقف الهدر الكبير في الدوائر والوزارات الحكومية المختلفة. لماذا تنفق الدولة، مثلاً، عشرات الآلاف من الدنانير على السيارات الحكومية الفاخرة، والموضوعة تحت تصرف كبار موظفي الدولة؟ كما يقدّر الهدر في استهلاك الطاقة والوقود والمياه في الدوائر الحكومية بالملايين من الدولارات.
وتشكل الجامعة الاردنية وحدها ثاني اكبر مستهلك للمياه بعد القوات المسلحة. بالاضافة الى ذلك، تقدر كلفة سفر المسؤولين ومياوماتهم بالملايين من الدولارات، وتعطى الهواتف الخليوية لموظفي الادارات من دون أي أسس ومعايير حيث تكلّف أيضاً الملايين من الدولارات. ويتم شراء الأثاث والمواد والقرطاسية بطريقة عشوائية وغير ضرورية مما يزيد من نسبة الانفاق الحكومي وعجز الموازنة.
يكمن الخوف في لجوء الحكومة الاردنية الى رفع بعض اسعار السلع، بخاصة المحروقات، في محاولة لسد العجز المالي في الموازنة. وتحذّر القيادات الوطنية من ان مثل هذه الخطوة ستلقى معارضة شعبية شديدة بسبب الوضع الاقتصادي والحياتي الصعب لعدد كبير من المواطنين.
وتشير الدراسات الى ان واحداً من كل اربعة اشخاص في سوق العمل عاطل، اي ان نسبة البطالة تزيد عن 20 في المئة، واكثر من ثلث سكان الاردن البالغ مجموعهم 4.5 مليون نسمة يعيش تحت خط الفقر!
من جهة اخرى يشدد خبراء اقتصاديون على انه بإمكان الحكومة ان تخفّف من حدّة ردّ الشارع الشعبي بسلوكها طريق ايقاف الهدر الكبير في مؤسسات الدولة. وتجدر الاشارة في هذا السياق الى ان الاردن نجح في تخفيض العجز في موازنته العامة منذ عام 1989 وحتى 1995 من حوالى 25 في المئة الى 3 في المئة من خلال ضبط النفقات الحكومية وزيادة طفيفة للضرائب. ولم تحدث اية خضة في الشارع الاردني لأنه كان هناك شعور لدى الاوساط الشعبية بأن الفساد في المراكز العليا، على الاقل، قضي عليه الى حد كبير، ولذلك قَبِِلَ الناس على مضض بالاجراءات القاسية الى حد ما. إلا انه من المستبعد ان تقبل الاوساط الشعبية الآن بزيادة مطردة في اسعار المحروقات بخاصة البنزين، لأنها مستاءة من نسبة الهدر الكبيرة في مؤسسات الدولة وتدهور مستوى معيشتها.
القضية الثانية المرتبطة بعملية الاصلاح، التي تحظى باهتمام الاردنيين، علناً أحياناً وأكثر الأحيان في احاديث الصالونات، تتمحور حول قانون الانتخاب، الذي يستند الى ما اصطلح على تعريفه في الاردن ب"قانون الصوت الواحد". قدمت الحكومة الاولى في عهد الملك عبدالله الثاني، برئاسة رؤوف الروابدة، تنازلات للمعارضة وللقوى السياسية المختلفة في البلاد، وزعمت انها كانت جاهزة لادخال تعديل على قانون الانتخاب. لم يحدث شيء من هذا القبيل. الملفت للمراقب ان لا الحكومة تملك رؤية اخرى لقانون الانتخاب الحالي ولا يوجد لدى الاطراف السياسية المعارضة، التي تحاور الدولة، تصوّر موحد وواضح لتعديله. لكل ذلك، سيبقى قانون الانتخاب أحد العوامل الاساسية التي تزيد من حدة التوتر السياسي في الاردن، خصوصاً ان الحركة الاسلامية، أهم القوى السياسية المنظّمة، تعتبر ان هذا القانون "فُصّل تفصيلاً" لتحجيمها وتهميشها بعد فوزها المميز في الانتخابات النيابية عام 1989.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن الحدّ من التداعيات السلبية لقانون الصوت الواحد على الساحة السياسية الاردنية في ضوء الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً ان معظم القوى المعارضة قاطعت الانتخابات السابقة؟ ما هو المخرج القانوني الذي يسمح للدولة وللأحزاب السياسية بالتعاون من خلاله لبناء قاعدة وطنية مشتركة للعمل السياسي؟
لا يمكن القيام باصلاحات جذرية بنّاءة من دون معالجة قضية الحريات العامة، التي تتسم بالاستمرارية، وغالباً ما تؤدي الى تأزيم الوضع السياسي في الأردن.
في هذا الاطار، ثمة خيبة امل شعبية كبرى ازاء اداء الحكومة الاولى في عهد الملك عبدالله، إذ اتسمت تلك المرحلة بتشديد الرقابة على الاذاعة والتلفزيون ومحاولة احكام السيطرة على وسائل الاعلام الرسمية، بما فيها وكالة الانباء الرسمية "بترا" وتعيين اشخاص محسوبين على رئيس الوزراء في المراكز العليا للجهاز الاعلامي الرسمي. وأدت الطريقة العرفية وغير الدستورية التي تعاملت بها حكومة الروابدة مع قضية "حماس" الى احتقان الساحة السياسية في الاردن وتذمّر شريحة كبيرة من المواطنين. والاخطر من ذلك، يزعم بعض السياسيين ان حكومة الروابدة بدل ان تعمل على تمتين اواصر وروابط الوحدة الوطنية، غزتها سلباً وعمّقت حال الفرز السياسي - السوسيولوجي في البلد.
لقد تذمّر العديد من الاردنيين من زيادة سطوة دائرة جهاز المخابرات وتغلغلها في الحياة العامة خلال فترة الحكومة الاولى للعهد الجديد. والمثال على ذلك، ضُرب "مركز الدراسات الاستراتيجية" في الجامعة الاردنية وأُقصي مديره الدكتور مصطفى حمارنة، واعتبر هذا القرار في حينه عودة الى التدخل العلني في عمل الجامعات المدنية، مثلما كان يجري قبل 1989، العام الذي شهد تحولاً ديموقراطياً في الاردن. وأدى هذا التراكم التدريجي في الاخطاء الى انهيار شعبية حكومة الروابدة، كما اظهرته استطلاعات الرأي في "مركز الدراسات الاستراتيجية" فما كان من الملك عبدالله الثاني، إلا أنه اجرى تغييراً حكومياً بتعيين علي ابو الراغب رئيساً للوزراء.
تدخل الملك لتصحيح المسار الحكومي له دلالات عدة. صحيح ان البلد الصغير يواجه عقبات وتحديات صعبة، إلا أنه بالمقارنة، توجد جوانب ايجابية تقتضي الامانة التاريخية عدم اغفالها. فالأردن ينعم بهامش من الحريات والمناورة السياسية لا مثيل له في معظم البلدان العربية. وأثبتت تجربة صحيفة "العرب اليوم" ان بإمكان الصحافيين والكتّاب ان يرفعوا من سقف الحريات والنقاش الحرّ. وعندما برزت مشكلة المياه الى السطح في 1998، أُطيح بالوزير المسؤول فوراً، هذا مع العلم بأن المسألة، كما تبين لاحقاً، كانت مُضخّمة الى حد كبير. تدخل الملك عبدالله الثاني شخصياً في قضية "مركز الدراسات الاستراتيجية" وأعاد مديره الى مركزه، على رغم الموقف العنيف لمدير جهاز المخابرات، الجنرال بطيخي، لإعاقة عودة الاستاذ الجامعي.
وأثبتت هذه التجربة ان المجتمع المدني الاردني يملك المقومات والقدرة على المقاومة والديمومة في الاردن، إذ تتم الحوارات حول معظم المواضيع بشكل علني يذهل المراقب الخارجي. لقد نزلت التظاهرات الى الشارع لتغيير مادة في القانون، حول ما اصطلح بتعريفه "جرائم الشرف"، واشترك في بعض التظاهرات افراد من العائلة المالكة بتشجيع شخصي من الملك، في محاولة جدية لالغاء هذه المادة المخجلة.
المراقب الخارجي، الذي يعيش في الاردن يشعر ان المجتمع الاردني ينبض بالحيوية ويملك ديناميكية مميزة خاصة، ولكن بعض الباحثين العرب وقع تحت تأثير بعض المقولات والاطروحات التبسيطية التي تعتبر ان اهمية المملكة الاردنية تكمن في نسبة عدد اللاجئين الفلسطينيين الى عدد السكان الاجمالي وقربها من ساحة الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. المرحلة الانتقالية التي يمر بها الاردن ومحاولات الاصلاح والحوارات على ارض الواقع تحمل في طياتها امكان تخطي العديد من العقبات واثراء للحياة السياسية وللمجتمع المدني.
تبقى كل هذه المحاولات مهددة بالفشل الذريع ما لم تتعاط الدولة والمجتمع الاردني بشفافية ووضوح مع القضية الجوهرية، الا وهي مسألة العلاقة الثنائية الاردنية - الفلسطينية ومستقبلها داخلياً. ثمة خوف حقيقي وعميق الجذور يدفع بالدولة والقوى السياسية المتعددة معاً الى عدم معالجة هذه القضية الخطيرة التداعيات.
لا يكفي ان تتغنى الدولة بالوحدة الوطنية وتؤكد صلابتها، بل تقتضي المصلحة الوطنية والوئام المدني معالجة جذرية لحال الفرز الحقيقية في المجتمع الاردني.
* استاذ العلاقات الدولية والديبلوماسية في جامعة سارة لورنس في نيويورك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.