صدر أخيراً، تقرير اليونيسيف لعام 2000 حول أوضاع الأطفال في العالم، محتوياً على جداول احصائية تشمل بيانات عن 193 بلداً مدرجة بالترتيب الأبجدي، ومجاميع عالمية، احتوت مؤشرات أساسية حول التعليم والصحة والتغذية، وسكانية واقتصادية دالة على التطورات الحاصلة في المستويات المذكورة منذ 1960 حتى نهاية القرن العشرين. وتوضحت الفجوات المتزايدة بين البلدان الغنية والفقيرة، من خلال أشكال ورسوم بيانية متعددة. في البداية يشير التقرير الى أنه في سياق التطور الاقتصادي الذي شهدته دول العالم المختلفة خلال السنوات العشرين الماضية بلغ عدد الذين يعيشون في حال الفقر 2،1 بليون انسان، أي واحد من كل خمسة أشخاص، بما في ذلك 600 مليون طفل، إذ يتزايد الفقراء، فيما تتواصل العولمة على خطين غير متماثلين: أولهما توسيع الأسواق عبر الحدود الوطنية وزيادة الدخل لفئة قليلة نسبياً، بينما يتم تضييق الخناق على الذين لا تتوافر لديهم الموارد ليكونوا مستثمرين أو مالكي القدرة على الانتفاع من الثقافة العالمية، وأكثرية الفقراء هم من النساء والأطفال، الذين كانوا فقراء قبل العولمة وازدادوا فقراً بعدها، فيما يعمل الاقتصاد العالمي الذي بات يتكون من طبقتين على توسيع الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وبين الأغنياء والفقراء. ويشير التقرير الى أن أسواق العملات العالمية تتداول 5،1 تريليون دولار كل يوم، وهناك عدد يقدر بنحو 2،1 بليون انسان في العالم، بينهم 50 في المئة من الأطفال يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، في حين ارتفع معدل دخل الفرد في 40 بلداً بنسبة تزيد على 3 في المئة كل عام منذ عام 1990، وشهد 55 بلداً تراجعاً خلال الفترة ذاتها، كما انخفض دخل الفرد في أكثر من 80 بلداً في العالم عما كان عليه قبل عقد مضى، ويتمتع أغنى خمسين من سكان العالم بنصيب من الدخل العالمي يعادل أربع وسبعين ضعفاً لنصيب الخمسين الأكثر فقراً في العالم، وقد أظهرت المعطيات أيضاً ازدياد التفاوت في مداخيل غالبية بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ عام 1980، وعلى رغم تربع بعض الدول الصناعية على قمة الهرم في التنمية إلا أن 12 في المئة من سكان أكثر البلدان ثراء في العالم يعيشون في ظل الفقر. ويوضح التقرير أنه على رغم مرور عقد على تبني اتفاقية حقوق الطفل، فقد قُتل أكثر من مليون طفل وجُرح أو أُعيق أكثر من 6 ملايين آخرين بسبب الصراعات المسلحة، فيما انتشر العنف في أرجاء العالمين الصناعي والنامي على حد سواء، متغلغلاً في حياة الأطفال والنساء أحياناً على شكل خبيث وغير مباشر. والحقيقة هي أن الفقر والجشع وغياب مبادرات قيادية تمهد السبيل لكثير من هذه الحروب وما ينتج منها من سوء التغذية ووفيات الأطفال والأمهات والأمية والتمييز. اضافة لما تقدم تبوأت الدول الصناعية سدة الهرم في المؤشرات الايجابية حول الطفولة، فتراجع معدل وفيات الرضّع فيها من 31 بالألف عام 1960 الى 6 بالألف عام 1998، ووصل العمر المتوقع فيها الى 78 عاماً نتيجة ارتفاع مستوى الخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية، فتعدّى معدل معرفة القراءة والكتابة بين الكبار 98 في المئة، وكانت الدول الافريقية الصحراوية حققت أدنى المعدلات في عام 1998، فلم يتجاوز معدل الوفيات الرضع 107 بالألف، والعمر المتوقع 48 عاماً، والملاحظ أن دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي تقع بعض الدول العربية في إطارها الجغرافي المتعارف عليه، حققت تطوراً ايجابياً في معدلات وفيات الرضع، إذ تراجع من 133 بالألف عام 1960 الى 38 بالألف عام 1998، وبلغ العمر المتوقع 66 عاماً، وبالطبع تتفاوت المعدلات بين دولة وأخرى في دول الأقاليم المذكورة، حيث تتربع الدول الصناعية على سلم الهرم من حيث ايجابيات الطفل، والمؤشرات الأخرى التي تشكل بمجملها اطاراً تقاس به التنمية البشرية، فإضافة الى المعطيات المشار اليها خطت القارة الأوروبية والولايات المتحدة الاميركية واليابان خطوات أساسية باتجاه تحقيق معدلات رفاه اجتماعية معقولة، نتيجة التنمية الشاملة، فمن ناحية تحققت معدلات نمو مرتفعة في تلك الدول نتيجة ادخال عناصر انتاج جديدة وساعد تحسين الأداء وارتفاع مستويات التعليم على تحقيق معدلات تنمية عالية فاقت معدلات النمو السكاني، ما أدى الى تحقيق نتائج قومية متفوقة، وتخصيص مبالغ كبيرة من الموازنات للصحة والتعليم. وتبقى الإشارة الى ان التقرير الدولي حول الأطفال، يسعى الى إذكاء الشعلة التي بدأت تبعث ضياءها قبل عقدين من الزمن عندما أقر زعماء العالم اتفاقية حقوق الطفل في العام 1989، وأكدوا بعد ذلك بسنة واحدة تعهداتهم للأطفال والمراهقين في مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل في أيلول سبتمبر عام 1990، ويدعو التقرير أصحاب القرار الى تجديد وعودهم لجهة تكوين رؤية وقيادة من أجل الأطفال داخل العائلات والمجتمعات المحلية. ويذهب التقرير الى أبعد من ذلك حين دعا الى ضرورة العمل الجماعي في المستويات كافة لتحرير الأطفال والنساء من الفقر والتمييز والعنف والمرض.