تساءلت أوساط مراقبة للعلاقات الفرنسية - اللبنانية في باريس، ما اذا كان قرار الحكومة اللبنانية بتعيين سفير جديد لدى فرنسا ايليزيه علم ليحل محل السفير الحالي ريمون بعقليني الذي لم ينهِ بعد سنته الأولى في العاصمة الفرنسية، يستند الى مبادرة لبنانية لتحسين العلاقات بين البلدين، أم انه مجرد استجابة لطلب بعقليني نقله الى كندا. وكان الأخير بدأ مهمته في العاصمة الفرنسية بعدما أخّرت باريس موعد قبول اوراق اعتماده على مدى ثلاثة أشهر معربة بذلك عن عدم ارتياحها اليه. والواقع انه منذ بداية عهد الرئيس اللبناني اميل لحود طغت على العلاقات اللبنانية - الفرنسية حال من البرود والابتعاد، تعززت أخيراً بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب، خصوصاً بعد اصرار فرنسا على ضرورة ارسال الجيش الى المناطق المحررة. والمستجد حالياً ان لبنان يرفض مبدأ استمرار اجتماعات لجنة مراقبة "تفاهم نيسان" لأنه لا يرى داعياً لاستمرار نشاط اللجنة التي كانت شكلت اثر عملية "عناقيد الغضب" عام 1996. في المقابل تعتبر فرنسا بقاء هذه اللجنة مفيداً لأنه يخفف من العبء على مجلس الأمن في حال كانت هناك شكاوى بسبب اختراقات على "الخط الأزرق"، أو بشأن حوادث محتملة على هذا الخط. وترى فرنسا ان لجنة التفاهم اطار قائم، وانه الاطار الوحيد الذي يمكن للأطراف المعنية الاتصال والتحاور ضمنه، ومن المفضل الا تكون كل الشكاوى موضع بحث في مجلس الأمن على رغم ان ذلك لا يمنع ان يناقش المجلس الاختراقات البالغة الخطورة في حال تعذر معالجتها من خلال اللجنة. وفرنسا على اقتناع بأنه في حال ابقي على اللجنة فإنه ينبغي تعديل مهمتها، ولدى المصادر المطلعة انطباع بأن رفض استمرار هذه اللجنة مصدره لبناني وليس سورياً. والمؤشر الآخر على الاختلاف في الرأي بين البلدين هو ان فرنسا تربط تأييدها للمؤتمر الدولي للمساعدة على اعمار جنوبلبنان، المقترح عقده في باريس بأن تبسط الدولة اللبنانية سيادتها على كل اراضيها وارسال جيشها الى الجنوب. فالمعروف ان هناك ضغوطاً اميركية تمارس على فرنسا لحملها على تنظيم هذا المؤتمر في باريس، فيما تجيب الأخيرة متسائلة: كيف نساعد الجنوباللبناني في وقت ترفض الدولة اللبنانية بسط سيادتها عليه؟ كما تعتبر باريس ان الجنوب ليس "منطقة منكوبة"، ويجب بالتالي درس الهدف من انعقاد المؤتمر وتحديد مهمته. وهناك مؤشر آخر، وهو علني، تمثل بما صرح به رئيس الحكومة سليم الحص الى صحيفة "لوموند" ومفاده ان لبنان لا يحبذ ان يكون لدولة معينة دور مهيمن في قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوبلبنان. وكان الرئيس لحود اكد ايضاً لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن، انه لا يريد سيطرة لأي دولة في اطار قوات الطوارئ التي سيجدد لها في 31 تموز يوليو الجاري. وبدا الجانب اللبناني أكثر وضوحاً مع الجانب الأميركي عندما ابلغه بأنه لا يحبذ تكثيف المشاركة الفرنسية، لأن لبنان لا يثق بالسياسة الفرنسية. هذه المسائل كان يمكن ان تكون مجرد اختلاف في الرأي بين شريكين لو ان الحوار السياسي، والحرارة المعهودة التي كانت قائمة بين لبنانوفرنسا سابقاً، لم يغيبا. فالديبلوماسية اللبنانية تجاه فرنسا اقتصرت خلال السنتين الأخيرتين على نشاط السفارة في لبنان. فلا الرئيس اللبناني ولا رئيس الحكومة، قاما بأي مبادرة حقيقية او زيارة لفرنسا، لاحياء حوار مفيد للبنان. واقتصرت الزيارات على وزراء لبنانيين تقنيين مثل وزير المال جورج قرم وزملائه من القطاع الاقتصادي. ومعروف ان الفتور بين البلدين بدأ مطلع عهد الرئيس لحود، وعلى رغم أن الأخير التقى الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مونكتون كندا على هامش القمة الفرنكوفونية. إلا ان الحرارة المعهودة بين لبنانوفرنسا لم تعد الى البلدين بعد هذا اللقاء. ويلاحظ ان معظم رؤساء الدول العربية زاروا فرنسا، بمن فيهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وابنه الرئيس المرشح الدكتور بشار الأسد، فيما لم يقم لحود بأي زيارة لها. وكان الرئيس السابق الياس الهراوي، قام بزيارتي دولة الى فرنسا، الأولى في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران والثانية في عهد شيراك. والمعروف عن الأخير منذ توليه منصبه، انه يحبذ مواكبة العلاقات الفرنسية الدولية بعلاقات شخصية قوية وودية مع رؤساء الدول. وهو رسخ علاقة صداقة حارة مع الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وابنه الملك محمد السادس، ومع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ووزير الدفاع السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبدالعزيز ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد، وسواهم. وتلعب الصداقات في سياسة شيراك دوراً كبيراً، الى حد ان السفير الأميركي السابق روبرت بيلليترو قال خلال ندوة عقدت قبل ايام في باريس عن الشرق الأوسط، انه ينبغي الاستفادة من صداقة شيراك والرئيس الأميركي بيل كلينتون لتعزيز الدور الفرنسي في الشرق الأوسط. لذلك كثرت التساؤلات عن اسباب انقطاع الود بين لبنانوفرنسا، خصوصاً أن شيراك زار لبنان ثلاث مرات في بداية عهده بين 1996 و1998، وهل ان صداقة شيراك ورئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي بات خارج الحكم، لعبت دوراً في ذلك. من المؤكد ان علاقة شيراك - الحريري ليست السبب الوحيد لتباعد البلدين، فشيراك لم يعد وحده في الحكم، وانما يمضي بقية عهده في "تعايش" مع حكومة اشتراكية، لكن وزير الخارجية هوبير فيدرين يحظى بثقة كل من رئيسي الجمهورية والحكومة على رغم كونه اشتراكياً ايضاً. وزار فيدرين لبنان مرتين والتقى كبار المسؤولين فيه، كما ان فرنسا لم تتأخر في ارسال مبعوث الى لبنان وسورية كلما اقتضى الأمر ذلك. إذ تردد مدير ادارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية ايف اوبان دولاميسوزيير مرات عدة على لبنان وسورية لنقل رسائل وتوضيح امور أو الاستماع الى اداء المسؤولين. وكان الرئيس الفرنسي طلب من نظيره اللبناني في قمة مونكتون ان تستخدم الحكومة اللبنانية الاتفاقات المالية التي لم تستخدم كلها، وهي بنحو 500 مليون فرنك فرنسي، وكان موعد تجديدها في 30 حزيران يونيو الماضي. واستخدم لبنان جزءاً صغيراً من هذا المبلغ لمشاريع مياه نفذتها الوكالة الفرنسية للتنمية، وبقي جزء آخر لم يستخدم على رغم حاجة لبنان الى مثل هذه الاتفاقات. اضافة الى ذلك فإن الخلافات التجارية بالنسبة الى الهاتف الخليوي والتصريحات الرسمية اللبنانية الشديدة اللهجة، بالنسبة الى شراكة الهاتف الفرنسية "فرانس تيليكوم" لم تساعد في اشاعة اجواء ودية بين البلدين. ويتساءل المراقبون أخيراً هل تستمر العلاقات اللبنانية - الفرنسية على هذه الحال، علماً ان فرنسا تسلمت اعتباراً من الأول من تموز يوليو الجاري رئاسة الاتحاد الأوروبي في فترة بالغة الأهمية لكل من لبنان وسورية!