وزير الثقافة ينوّه بمضامين الخطاب الملكي في مجلس الشورى    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    اتفاق نووي جديد يعيد فتح أبواب التفتيش في إيران    ضبط شخص بمنطقة الجوف لترويجه الحشيش و(6,911) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    المملكة توزّع 456 سلة غذائية في مدينة زحلة بلبنان    المكملات بين الاستخدام الواعي والانزلاق الخفي    عبدالعزيز بن سعود يجري اتصالاً هاتفيًا بوزير داخلية قطر    معرض الدفاع العالمي يشهد إقبالاً عالمياً واسعاً على المشاركة في النسخة الثالثة    رئيس مجلس الشورى: دعم القيادة الحكيمة للمجلس امتداد لرؤيتها في تعزيز مسيرة التنمية    أمير تبوك الخطاب الملكي تأكيد للنهج القويم للمملكة داخليًا وخارجيًا    المرور: التمهل قبل الدخول إلى الطرق الرئيسية يحد من الحوادث المرورية    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    وسط حضور جماهيري كبير .. الأخضر السعودي تحت 20 يتوّج بكأس الخليج    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    الجناح الأوروغوياني لوتشيانو رودريغيز يقود هجوم نيوم    أمير القصيم يتسلم تقرير جمعية طهور    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة "أمان"    سوق تمور المدينة يبدأ بالتصدير ومزاد خيري    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    افتتاح المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في الشارقة    صقار المستقبل برنامج موجه للصغار    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    المفتي: الخطاب الملكي يحمل رسائل سامية لخدمة الوطن والإنسانية    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    حرس الحدود في حقل تضبط مواطن مخالف للائحة الأمن والسلامة لمزاولي الأنشطة البحرية    رئيس وزراء قطر يعلن تشكيل فريق قانوني للرد على الاعتداء الإسرائيلي    "Grand Arrival"تجمع كانيلو وكروفورد في لاس فيغاس استعدادًا للأمسية التاريخية    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    الدولار يحافظ على استقراره وسط ترقب الأسواق بيانات التضخم الحاسمة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    حساب المواطن يودع 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر سبتمبر    المواقيت ومساجد الحل.. خدمات متجددة وتجربة ميسرة للحجاج    الإحصاء: ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 6.5% في يوليو 2025    جلسة طارئة لمجلس الأمن اليوم    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    "الملك سعود الطبية" تطلق خدمة تخطيط القلب لمرضى الرعاية المنزلية    عيادة متنقلة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية الناتج عن السكري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. سمو ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى غدًا الأربعاء    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    موجز    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين بناء على ما رفعه ولي العهد.. نائب أمير الرياض يسلم وسام الملك عبدالعزيز للدلبحي    السعودية: ندعم الحكومة السورية في إجراءات تحقيق الاستقرار.. قصف إسرائيلي لمواقع في حمص واللاذقية ودمشق    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    رقابة مشددة على نقل السكراب    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    ولي العهد وملك الأردن يبحثان الهجوم الإسرائيلي الغاشم    «حقيبة الرفاة».. جريمة هزت العالم    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    قطر تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها لن تتسامح مع «السلوك الإسرائيلي المتهور»    تاريخ وتراث    الاتفاق يجهز ديبملي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستفراد بسورية
نشر في الحياة يوم 23 - 05 - 2000

منذ اجتماع جنيف في شهر آذار مارس الماضي بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد تلاحقت الأحداث في اتجاهات تبدو في ظاهرها متضاربة. فالرئيس الاميركي عاد إلى واشنطن ليقول عن الرئيس حافظ الأسد: "إنه الآن يعرف بالتفصيل ما هي المقترحات الإسرائيلية. وأعتقد أنه طالما بذل الإسرائيليون جهدهم ليكونوا محددين وشاملين، وإذا كان لنا أن نحقق تقدماً، فلابد لهم الآن أن يكونوا قادرين على معرفة ما هو رد فعله المحدد والشامل بالنسبة إلى كل المسائل المطروحة. يعني: الكرة أصبحت في الملعب السوري".
في هذا الطرح الأميركي الجديد مشكلتان. أولاً - لكي يعرف رئيس سورية طلبات إسرائيل من بلده لم يكن محتاجاً بالمرة الى السفر الى جنيف للاجتماع بالرئيس الاميركي. كان محتاجاً فقط - وهو في دمشق - إلى جهاز راديو. فطلبات إسرائيل التفاوضية من سورية معروفة وذائعة بامتداد سنوات... بتفاوض ومن غيره.
ثانياً: إن ما تطلبه سورية من البداية معروف لإسرائيل ولأميركا. آخر كلام عند سورية هو نفسه أول كلام: الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان السورية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 242 الذي كان التزام سورية به في سنة 1974 مطلباً أميركياً ملحاً.
ومنذ سنة 1991 وهناك عملية تفاوضية هندستها الولايات المتحدة بكل تفاصيلها. بمقتضى تلك العملية ألحت الولايات المتحدة بمجموعة طلبات جديدة خارج سياق القرار 242. ألحت بالمفاوضات المباشرة، وبعلاقات سلام تعاقدية، واستبعاد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. كل هذا بعيد تماماً عن القرار 242 الذي يطلب من سورية فقط إنهاء حالة الحرب. وبعد كسر تلك المحرمات العربية سورياً، وبعد تسع سنوات من المفاوضات المتقطعة، واجتماعين على مستوى الرؤساء بين أميركا وسورية، وجولات متعددة من وزير الخارجية الأميركي السابق ثم خليفته... تجيء الولايات المتحدة في سنة 2000 لتقول إنها لا تعرف - بعد - رد الفعل السوري المحدد والشامل على الطرح الإسرائيلي. بل أيضاً: أن الكرة أصبحت في الملعب السوري.
حينما يقال هذا لدولة أراضيها محتلة إسرائيلياً منذ 33 سنة تصبح الرسالة واضحة: وقاطعة: يا سورية... اسمعي كلام إسرائيل. تلك رسالة لا تبشر بتسوية، ولكن تنذر بتشويه. وهي تشويه للطرف الذي قيل له من البداية: اسمع كلام أميركا. وبعد أن سمع كلام أميركا إذ بأميركا تقول له: اسمع كلام إسرائيل. من وقتها - وقت اجتماع جنيف في آذار مارس الماضي - وهناك حملة منهجية لترويع سورية وتهديدها باعتبارها أضاعت "الفرصة الأخيرة" للتسوية مع إسرائيل.
تعبير "الفرصة الأخيرة" هذا صكّته أصلاً الصحف الإسرائيلية قبيل اجتماع جنيف بأيام. لكن حينما تتبناه الولايات المتحدة عملياً تأخذ المسألة بعداً أكبر وأخطر. ففي خلاصة الأمر لم يكن ما نقله الرئيس الأميركي الى الرئيس السوري في اجتماع جنيف سوى "إنذار إسرائيلي"، جوهره... إما الإذعان أو العزل. وبعد اجتماع جنيف بدأ على الفور السعي الى عزل سورية والاستفراد بها من خلال إعلان إسرائيلي عن الانسحاب من لبنان قبل السابع من تموز يوليو المقبل تحت عنوان قرار مجلس الأمن الرقم 425.
من المفارقات الدرامية هنا أن سورية تصرفت طوال شهر نيسان ابريل على الأقل باعتبارها فوجئت تماماً بهذا التحرك الإسرائيلي المدعوم أميركياً. هذا يعني خللاً سورياً، أما في استيعاب ما يجري أو في التعبير الإعلامي عن موقف صحيح، أو في كليهما معاً. فالفصل بين المسارين اللبناني والسوري كان مطروحاً إسرائيلياً منذ سنة 1996 على الأقل. وشعار "لبنان أولاً" الذي طرحه بنيامين نتانياهو تهديداً لسورية كان يعبر عن الخيار الإسرائيلي الأول الذي هو بدوره استمرار للسياسة الإسرائيلية في التعامل مع الأطراف العربية منفصلة عن بعضها البعض. وفي حالة لبنان تحديداً تظل مصلحة إسرائيل هي عزل لبنان عن محيطه العربي، وبالتحديد عزله عن سورية... حرباً وسلاماً.
وفيما كانت التوجهات السورية صحيحة في معظمها إلا أنها بدت هنا متلبسة بنسيان الدرس الجوهري في السياسة: إذا كنت تريد الأفضل فعليك أولاً أن تستعد للأسوأ. سورية طوال شهر نيسان ابريل لم تبدُ جاهزة للسيناريو الأسوأ وهو الفصل بين المسارين اللبناني والسوري. المفارقة تصبح أكبر حينما ندرك أن سورية هنا تدفع ثمن نجاحها. فإسرائيل لا تنسحب من الجنوب اللبناني مودة للبنان ولا حباً في الأمم المتحدة ولا غراماً بالشرعية الدولية بعد طول كراهية.
إسرائيل تنسحب من لبنان إيقافاً لنزيف احتلالها هناك. هذا النزيف أوجع إسرائيل لثلاثة أسباب: مقاومة وطنية لبنانية جادة للمرة الأولى. وحدة وطنية لبنانية حقيقية تساند المقاومة - أيضاً للمرة الأولى. دعم سوري فاعل للوحدة الوطنية اللبنانية. في اللحظة التي يؤدي فيها هذا كله إلى النتيجة المطلوبة كان يجب على سورية أن تكون جاهزة بسيناريو مدروس سلفاً. سيناريو من شقين: الترحيب بانتصار منطق المقاومة اللبنانية. وفي اللحظة نفسها التحسب لتصعيد الحصار الإسرائيلي الأميركي ضد سورية ذاتها. إنه العسل مخلوطاً بالسم. وسورية عليها أن تفصل العسل لكي تتحصن ضد السم.
والنجاح الموقت الذي لفقته إسرائيل، وتساعدها في ذلك حملة إعلامية غربية، هو طرح الانسحاب الإسرائيلي من لبنان كدليل مفحم على أن إسرائيل فاعل خير مقابل سورية عنصر الشر. بل إن إذاعة مثل "بي. بي. سي" تروّج حالياً لفكرة أن سورية متشددة وإسرائيل مرنة، وحافظ الأسد جامد بينما ايهود باراك سجل "نقطة مضيئة" في "انجازاته" بقراره الانسحاب من لبنان. لكن إسرائيل - بافتراض أنها انسحبت بالكامل من لبنان فعلاً - لا تفعل أكثر من التراجع عن واحدة فقط من جرائمها ضد لبنان، ويظل على الشعب اللبناني في مجموعه أن يعاني من الجرائم الأخرى وأبرزها تدمير مرافقه المدنية وتكسيحه اقتصادياً كلما حاول التقاط الأنفاس.
وفيما كان الرائج إسرائيلياً أن لبنان ورقة سورية، إلا أن الصحيح كان دائماً أن لبنان ورقة إسرائيلية. ورقة تستخدمها إسرائيل لتمزيق وتفسيخ لبنان داخلياً ولإشاعة الفوضى اقليمياً. سورية لم تكن في لبنان قوة تمزيق بينما إسرائيل كانت دائماً قوة تخريب. فإذا كان لنا أن نشهد وشيكاً خروج إسرائيل من لبنان فوق الأرض، إلا أنها ستبقى باستمرار تعمل تحت الأرض. هنا تصبح مسؤولية لبنان الأولى هي استخدام قوته للتغلب على ضعفه. وقوة لبنان هي بالأساس وحدته الوطنية ووضوح أولوياته. والرئيس إميل لحود يبدو مستوعباً تماماً دروس الماضي ولاحتمالات المستقبل.
أما سورية فيبدو أنها تجاوزت رياح شهر نيسان ابريل استعداداً لسخونة تموز يوليو. إذ فرضت إسرائيل عليها قواعد مختلفة للعب في كل مرة. وفي استيعاب ما جرى منذ سنة 1993 حتى الآن كانت إسرائيل تلوح بورقة التسوية السورية فقط كمهماز لاعتصار المفاوض الفلسطيني. نحن الآن في مرحلة اعتصار سورية ذاتها. هي أيضاً مرحلة تطويع سورية والاستفراد بها استراتيجياً بما يتجاوز لبنان والأردن والقضية الفلسطينية برمتها. في الواقع أن تفكيك المثلث المصري - السوري - السعودي كان من البداية مدخلاً الى إقامة "الشرق الأوسط الجديد" حسب المفهوم الإسرائيلي بشقيه: عمل وليكود.
العنوان "تسوية والمضمون تشوية"، هذا لا يعني انخلاع القلوب. يعني فقط أن جوهر السياسة هو: من يريد الأفضل عليه أولاً أن يستعد للأسوأ.
* نائب رئيس تحرير "أخبار اليوم" القاهرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.