يمكن التبرع بتقديم قراءة سياسية للمذكرة التي وجهها رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. تكمن العوامل التالية، على الأرجح، في خلفية هذا الموقف: أولاً ان لبنان متمسك فعلاً وقولاً بتلازم مساره التفاوضي مع المسار السوري. ثانياً ان لبنان يدرك، وبالتجربة، ان سلاماً شاملاً هو الذي يقود الى وضع مستقر في المشرق العربي على الأقل. ثالثاً ان لبنان واعٍ لمحاولة اسرائيل تحويل انسحابها العسكري من لبنان الى هجوم سياسي على دمشق، كما انه واع للتعثر في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، الذي سيقود، على الأرجح، إما الى تأجيل أي حل لقضية اللاجئين وإما الى التوافق على حل لا يضمن العودة والتعويض. رابعاً ان نافذة الفرص امام تسوية سورية اسرائيلية لم تقفل تماماً بعد، وان ما تقوم به اسرائيل، قبل قمة جنيف وبعدها، من تسريع لقراراتها الخاصة بلبنان، قابل للاندراج في سياق سياسة تفاوضية تريد تجميع اوراق الضغط كلها. اذا كان التقدير السابق صحيحاً فان المذكرة قابلة للنظر اليها بصفتها ورقة تفاوضية تعطّل، قدر الامكان، محاولة اسرائيل التملص من حلول عادلة وشاملة، فلسطينياً وسورياً، وانها تطرح في مجال التداول السياسي وجهة نظر طرف، هو لبنان، تريد اسرائيل تحويل انتصاره المتمثل بتحرير ارضه او القسم الأكبر منها الى انتصار مثقل بتبعات يصعب عليه احتمالها. اذا كانت نقطة الانطلاق اللبنانية هي تفضيل الحل الشامل والانسحاب باتفاق، فإن بعض ما يجري في اسرائيل نفسها يقدم مبررات معقولة لمذكرة من هذا النوع. كما ان مواقف دولية كثيرة ما زالت تصب في مجرى تفضيل الحل الشامل والانسحاب باتفاق، وتستهول ما قد يحصل، اقليمياً، في حال حصل العكس. وفي ما يخص اسرائيل فإن المعلومات تشير الى حلف قوي يعارض انسحاباً احادياً من دون اتفاق. ويتشكل هذا الحلف من غالبية ضمن المؤسسات الأمنية تتحدث عن تحول "وعد انتخابي" الى "فخ وطني" وعن "مقامرة، لا سابق لها حجماً، بأرواح المدنيين"، ومن تيار واسع ضمن مستوطني الشمال يعبر عن قلق من المستقبل ويطالب بضمانات لا يؤمنها سوى اتفاق متكامل. ان متابعة هذه التطورات، مضافة الى الخلفية المنسوبة للمذكرة اللبنانية، تغري بقدر من التشدد لا يمكنه الا ان يعزز، في ما تبقى من اسابيع "مفيدة"، تغليب فكرة التسوية على المسارات كلها او، على الأقل، على ما هو "متلازم" بينها. تعكس المذكرة، أيضاً، وجود مخاوف شرعية: لا وثيقة اسرائيلية رسمية توضح موقف تل أبيب، لا معرفة بنوعية الانسحاب وحجمه، لا حسم في مصير الميليشيات المتعاملة، لا ضمان في ما يخص حرمة الأرض والفضاء والمياه، لا وضوح حول حق الرد الاسرائيلي على اي عمل لاحق، الخ... كما تعكس المذكرة، أيضاً، مطالب شرعية يتجاهلها القرار 425 اصلاً: حق العودة للفلسطينيين والتعويض للبنان نتيجة الاعتداءات السابقة، الخ... ان قراءة المذكرة من زاوية ان فرص التسوية ما زالت واردة تسمح بفهم مختلف لها. لكن التبرع بهذه القراءة قد لا يرضي احداً بخاصة اولئك المتمسكين بقراءة حرفية لها، سواء كانوا معها أم ضدها.