الجزائر - "الحياة" - ألغى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مساء الأربعاء العمل بنظام المحافظات الساري منذ حزيران يونيو 1997، منهياً بذلك مهمات الوزير المكلف محافظ الجزائر شريف رحماني وأكثر من 12 والياً آخر يديرون محافظة الجزائر الكبرى. وتزامن القرار الرئاسي مع سلسلة من الانتقادات اللاذعة التي وجهها بوتفليقة إلى المحافظ، مثل محاولة انشاء "دولة حقيقية داخل الدولة" من خلال إدارته محافظة لا يراقبها وزير الداخلية أو الحكومة ولا حتى الرئاسة. وكان الرئيس السابق اليمين زروال أصدر، في حزيران 1997 قانوناً خاصاً بإنشاء ست محافظات في مختلف انحاء الجزائر بعد مصادقة المجلس الوطني الانتقالي هيئة تشريع انتقالية على مشروع القانون الذي التزم رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى تطبيقه، وتم فيه اقتراح عدد من المحافظات، منها محافظة الجزائر الكبرى وعنابة ووهران وقسنطينة. وصعد بوتفليقة من حدة لهجته، خلال اجتماع مجلس الوزراء، ليعبر عن رفضه التخلي عن صلاحياته الدستورية، وقال: "لن اسمح طيلة عهدي بوجود حالات تنفلت فيها سلطة من السلطات عن المراقبة". وأضاف ان قراره نابع من حرصه على تحقيق عنصرين أساسيين في دولة القانون، هما "العودة إلى الشرعية الدستورية والسير العادي للمؤسسات". وشدد على رفضه القاطع "خلال فترتي الرئاسية أن تنفرد سلطة من السلطات" و"قيام دولة داخل دولة". وعبر عن رفضه كل "الممارسات والاختلالات التي قد تنتاب وحدة دولة القانون الكفيلة بحماية المجتمع والنظام العام احتراماً صارحاً". ورأى بوتقليقة ان القرار الذي أصدره أتاح استرجاع "الوئام الذي غاب طيلة عشرية تقريباً"، وأضاف: "هذا مكسب يستدعي بذل الجهود لتعزيزه واليقظة المتواصلة والتعبئة من طرف كل فرد ومن الجميع". ويتهم بوتفليقة رحماني بتبذير الأموال على رغم أنه استطاع إعادة العاصمة إلى مكانتها كعاصمة متوسطية من خلال سلسلة من المشاريع التي وضعها حيز التنفيذ، إضافة إلى تنفيذه احتفالات الألفية التي أعطت للجزائر رونقاً مميزاً مطلع السنة. وكان لافتاً أنها المرة الأولى التي يلجأ فيها بوتفليقة إلى إلغاء نص قانون من دون انتظار قرار البرلمان، مستعيناً في ذلك بحق دستوري ورد في المادة 124 وتعطيه صلاحية التشريع بين دورتين، علماً ان الدورة البرلمانية الربيعية تبدأ غداً. ولاحظت مصادر مطلعة ان ثمة اشكالية جديدة في عمل مختلف المؤسسات الرسمية وهي "صمت المجلس الدستوري لمدة ثلاث سنوات كاملة على مخالفة قانون المحافظات الدستور الصادر في تشرين الثاني نوفمبر 1996"، علماً أن أعضاء المجلس الدستوري التسعة الذين أيدوا قرار انشاء محافظة الجزائر لم يتغيروا منذ أكثر من أربعة سنوات. ورد مصدر رسمي في المجلس الدستوري، في اتصال أجرته معه "الحياة"، ان "الرئيس زروال لم يخطر المجلس في شأن دستورية قانون المحافظات". وأكد وجود عدد كبير من القوانين غير المتطابقة مع الدستور الجزائري ما يزال العمل بها سارياً. وعن سر صمت المجلس عن وجود مخالفات بهذا الحجم، قال: "ليس لمجلسنا سلطة التحرك الذاتي لإصلاح الوضع. نحن مقيدون بالدستور في مادته 166 التي تضع سلطة الاخطار في يد كل من رئيس الجمهورية ومسؤولي البرلمان بغرفتيه". وأكد ان قرار المجلس الدستوري إبطال مفعول قانون المحافظات يسري من تاريخ صدوره في 27 شباط فبراير الماضي. ورأى مراقبون أن قرار بوتفليقة إلغاء قانون المحافظات يعد خطوة أولى في مسار تقويم مؤسساتي يهدف في الدرجة الأولى إلى اخضاع مختلف المؤسسات إلى سلطته الدستورية، علماً ان نظام المحافظة كان يعفي الوزير المحافظ من تقديم عرض حال سواء لوزير الداخلية أو لرئيس الحكومة عن شؤون المحافظة التي استقلت مع مرور الوقت من مختلف آليات المراقبة المكفولة دستورياً لمختلف المؤسسات الرسمية. كما أن المرسوم الرئاسي الصادر مساء أول من أمس يعد أكبر ضربة يوجهها الرئيس بوتفليقة لسلفه الذي كان يهدف من خلال وضع نظام المحافظات إلى البحث عن أقطاب إدارية تتكفل باستقطاب رجال الأعمال والتحكم في الوضع الأمني المتردي. وترجح أوساط سياسية أن يعمد بوتفليقة قريباً إلى حل عدد آخر من المؤسسات الرسمية مثل مجلس الأمة من خلال عرض دستور جيد للاستفتاء قبل نهاية السنة الجارية. ويندرج الاصلاح المؤسساتي الذي شرع فيه بوتفليقة، حسب مصادر رسمية، في إطار محاولاته ايجاد توازن جديد بين مختلف مؤسسات الدولة. وتندرج قرارات الرئيس في المستوى السياسي، ضمن المحاولات الرامية إلى التخلص من كل المؤسسات الرسمية التي انشأت منذ إلغاء المسار الانتخابي في كانون الثاني يناير 1992، خصوصاً تلك التي قام بها زروال. وتأتي قبل انقضاء أسبوع على إبعاده ستة عسكريين برتبة لواء، محسوبين على الرئيس زروال، من صفوف الجيش الجزائري. وسيتولى كل من رئيس الحكومة أحمد بن بيتور ووزير الداخلية نورالدين زرهوني العمل على ارجاع مختلف البلديات التي ضمت إلى المحافظة إلى ولاياتها الأصلية مثل بومرداس والبليدة وتيبازة بما في ذلك مختلف المناطق الصناعية التي حرمت هذه المدن من مداخيل كبيرة من الرسوم والضرائب. وكانت هذه القضية محل شكوى السكان منذ 1997، لكن لم يتم ايجاد حل لهذه الولايات التي فقدت مبالغ مالية كبيرة عطلت مشاريع التنمية على رغم الوعود التي قدمها آنذاك رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى بتوفير بدائل مالية جديدة لهذه الولايات. وستصبح بذلك محافظة الجزائر الكبرى مجرد ولاية إدارية كبقية الولايات الأخرى.