الرئيس عزرا وايزمان وأركان المعارضة الإسرائيلية كلهم يصرون على أن صفقة عقدت بين سورية واسرائيل في الاتصالات السرية المباشرة بينهما، وعبر الوسيط الأميركي، وان اجتماع الرئيسين الأسد وكلينتون في جنيف اليوم ما كان جرى لولا أن نجاحه مضمون سلفاً. ثمة منطق واضح في هذا الكلام، غير أن عقد السلام النهائي لا يزال صعباً الى مستحيل، فرئيس الوزراء ايهود باراك تحدث عن العودة الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، الا أنه ربط ذلك بشروط تعني عدم العودة، ثم أنه قال مرة بعد مرة، وعشية اجتماع جنيف، أنه لن يعطي الرئيس الأسد أي التزام قبل أن يعرف ماذا سيقدم الجانب السوري مقابل الانسحاب من الجولان، وزاد أنه لم يعطِ الرئيس الأميركي أي تفويض للتكلم بإسمه. ماذا يستطيع الرئيس الأسد أن يقدم ووزير خارجية اسرائيل ديفيد ليفي يقول أن سورية لن تنسحب الى حدود الرابع من حزيران، ويهدد رئيس وزرائه بالسقوط إذا وافق على وصول السوريين الى ضفة بحيرة طبريا. ثم ان كل استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، والاتفاق النهائي سيخضع لاستفتاء رسمي، أظهر غالبية ضد الانسحاب من الجولان كله، وغالبية لا تثق بالجانب السوري، أو بنوايا الرئيس الأسد شخصياً. النوايا الإسرائيلية الحقيقية قد يجدها الباحث في ما يصدر عن الجماعات اليهودية الأميركية المهتمة بإسرائيل، أو المتواطئة معها، وهكذا فقد قرأنا أن المطلوب من الرئيس الأميركي في اجتماعه مع الرئيس الأسد أن يبلغه أنه أي كلينتون يؤيد الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان، وأنه يجب أن يفهم السوريون أن الانسحاب يجعل تفاهم نيسان ابريل في حكم المنتهي، وان الاتفاق مع اسرائيل يفرض على سورية ضبط نشاط حزب الله وتهدئة الحدود بين لبنان واسرائيل، وبعد ذلك يطلب الرئيس كلينتون من القادة العرب كافة تأييد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، ونصح سورية بتهدئة الحدود، ويبدو أن هذا ما سيسمعه الرئيس مبارك من الرئيس كلينتون عندما يجتمعان في واشنطن غداً. وزايد روبرت ساتلوف، رئيس مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المؤيدة لإسرائيل التي أسسها مارتن أنديك في واشنطن، على ديفيد ليفي وبنيامين نتانياهو واريل شارون في الوقاحة فهو في تحليل لاجتماع جنيف، تحدث عن حدود الرابع من حزيران وقال حرفياً: مبدئياً، اسرائيل تعارض هذا لأن هذه الخطوط تعكس تعديات سورية على مدى سنوات ما ينتهك مبدأ "عدم السماح بضم أراضٍ بالقوة". اسرائيل كلها أرض فلسطينية محتلة بالقوة، ولكن الدكتور ساتلوف، تلميذ أنديك وخلفه، يتحدث عن "احتلال" سوري فيما الموضوع كله هو عدم السماح لإسرائيل باحتلال أراضٍ عربية بالقوة العسكرية، ثم طلب مكافأة للانسحاب. والوقاحة هذه تجعل المراقب مثلنا يحمد ربه أنه ليس في موقع المسؤولية السياسية للتعامل مع هؤلاء الناس. الوقاحة لا تتوقف عند الكلام، فإسرائيل تريد من الولاياتالمتحدة أن تمول انسحابها من الجولان، والصفقة العسكرية وحدها تزيد على 17 بليون دولار، وتشمل بالإضافة الى الأسلحة أحدث تكنولوجيا استطلاع عسكري والوصول الى معلومات أقمار التجسس الأميركية، إذا استمر الرفض السوري القاطع لأي وجود اسرائيلي في محطات انذار مبكر في جبل الشيخ. وتزيد بسرعة وقاحة اسرائيلية مواكبة لكل ما سبق هي الحملة في الولاياتالمتحدة لمنع تلقي سورية أي مساعدات أميركية ضمن الصفقة النهائية، وهي حملة يقوم بها بعض أعضاء الكونغزس الذين يمثلون اسرائيل لا الأميركيين الذين انتخبوهم. والإسرائيليون يتحركون بسرعة، وقد زار أموس مالكا، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، واشنطن الأسبوع الماضي لضمان الحصول على صور أقمار التجسس الأميركية عن التحركات العسكرية السورية، ضمن أي صفقة قادمة. كما أن أموس يارون، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، سيصل الى واشنطن هذا الأسبوع، للبحث في الصفقة الأمنية التي تطلبها اسرائيل. الحكومة الإسرائيلية بدأت تسرب، عبر عملائها في الولاياتالمتحدة، ان الوضع قد ينفجر إذا لم يحصل اتفاق، وهدف هذه هذه التسريبات اخافة الإدارة الأميركية، أكثر منه دفع المفاوض السوري نحو الحل. خارج نطاق التسريب والتخويف تظل فرص الحل أكبر كثيراً من احتمالات الانفجار، فالجانب السوري جعل السلام خياراً استراتيجياً، وهو لا يريد أكثر من العودة الى حدود الرابع من حزيران 1967، وطلبه بالتالي واضح لا يحتمل تفسيرات عدة. والخلافات على الماء والإجراءات الأمنية والعلاقات الطبيعية اللاحقة كثيرة، إلا أنها كلها أقل أهمية بكثير من السلام نفسه. ومع ذلك فالمراقب يشك في النتيجة النهائية عندما يجد دولة قامت على احتلال أراضٍ بالقوة تتهم غيرها، ثم تزيد مطالبة بمكافأة عن الاحتلال، وتزيد بعد ذلك الإصرار على عدم تعويض الضحية عن خسائره. إذا تجاوزنا كل هذه الوقاحات فالأرجح أن تمضي عملية السلام قدماً بعد اجتماع جنيف، والانسحاب سيتم على مدى سنتين تقريباً، فهذا تاريخ وسط بين طلب سورية أن تنسحب اسرائيل في ستة أيام كما دخلت، وطلب الحكومة الإسرائيلية أن يتم الانسحاب في فترة بين ثلاث سنوات وأربع. وسيسير التطبيع، أو العلاقات الطبيعية خطوة خطوة مع الانسحاب، ويكتملان معاً.