سجل مؤتمر حزب اتحاد التسعين - الخضر الذي انعقد في نهاية الاسبوع الماضي فشلاً كبيراً لزعيمه غير المتوج وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر، ونجاحاً غير منتظر لرئيسه السابق وزير البيئة يورغن تريتين. ورغم ذلك توصل المؤتمرون لأول مرة بمثل هذا الوضوح الى عقد مساومة في عدد من الأمور بصورة ادهشت المراقبين، خاصة وأن البعض منهم توقع عشية انعقاد المؤتمر حدوث نقاشات حامية وتبادلاً للاتهامات بين الجناحين الأصولي والواقعي فيه. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، على الأقل ليس بالشكل الذي يمكن أن يهدد وحدة الحزب ومشاركته في الحكومة الاتحادية الائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي بقيادة المستشار غيرهارد شرودر. ومع ذلك جاءت ردود الفعل على المؤتمر متفاوتة ومتناقضة بين متفائل ومتشائم و"متشائل". وتجدر الاشارة الى أن الخضر عقدوا مؤتمرهم الحزبي هذا في نفس الزمان والمكان حيث عقدوا مؤتمرهم التأسيسي الأول قبل 20 سنة في مدينة كارلسروه التي شهدت ولادة حزب لم يعطه السياسيون في حينه أي حظ في البقاء والاستمرار. واليوم فإن حزب الخضر ممثل منذ فترة طويلة في البرلمانات المحلية وفي البرلمان الاتحادي، ويشارك في عدد من الحكومات المحلية اضافة الى مشاركته الأولى في حكومة اتحادية بعد الفوز الذي حققه مع الاشتراكيين الديموقراطيين في انتخابات 1998 العامة. وعلى الرغم من أن قاعدة الحزب الأصولية اليسارية الاتجاه لا تزال تدعو الى الحفاظ على المنابع الأساسية لنهج الحزب وبرامجه السياسية والبيئية لا يمكن تجاهل واقع ان الحزب طوّر مفاهيمه و"تأقلم" مع الواقع السياسي المتغير و"تعود" على طعم الحكم، بحيث أن هذا كله جعل منه حزباً عادياً أو كلاسيكياً في المفهوم السياسي للكلمة. ومع ذلك بقيت الهيكلية التنظيمية للحزب دون تطور كبير ولم تعد قادرة في رأي القسم الأكبر من القيادة على احتواء المهمات المطروحة عليه وعليها. ومن هنا كان يوشكا فيشر المبادر قبل سنتين الى طرح مسألة الاصلاح التنظيمي في الحزب في وقت كانت القيادة نفسها حذرة من الأمر ورافضة له. ولكن بعد المشاركة في الحكومة الاتحادية وجدت حتى القيادات اليسارية التي شاركت في الحكم ان النظام الداخلي الذي يمنع الوزير والنائب ورئيس الكتلة النيابية أو ذوي المنصب الرفيع في احدى الوزارات والادارات الحكومية من تسلم مسؤولية حزبية في نفس الوقت هو نظام يفصل ممثلي الحزب في الحكم عن قاعدة الحزب، ويخفض من تفاعلهم مع القاعدة ويفتعل المشاكل بين القيادة الحزبية والقيادة البرلمانية والحكومية. وبعد نقاشات علنية وداخلية قدمت القيادة الأخيرة الملتفة حول فيشر مشروع اصلاح تنظيمي يدعو الى الغاء هذا الفصل ويسمح للسياسيين الخضر بتسلم مسؤوليات حزبية. وهدف الجناح الواقعي من ذلك بشكل اساسي الى انتخاب وزير الخارجية فيشر رئيساً للحزب والانتهاء من كونه الزعيم غير المتوّج. فعندما قرر الابتعاد عن حياة الحزب الداخلية والتركيز على عمله في وزارة الخارجية اختل التوازن في الحزب، ما جعل القيادة تناشده العودة الى التدخل في شؤونه الداخلية فوافق مشترطاً العمل على تغيير الهيكلية التنظيمية. وكان الجميع يتوقع بالفعل ان يقرّ المؤتمر الاصلاح المطلوب او التوصل على الاقل الى مساومة تسمح لنصف اعضاء القيادة الحزبية بتسلّم مناصب حكومية. وواضح ان فيشر وجناحه الواقعي اخطآ في تقدير اتجاه المندوبين الى المؤتمر فجاء تصويت اكثرية المشاركين فيه لصالح الجناح الاصولي الذي تمكن من اقناع الغالبية بسلبية تركيز المسؤوليات في يد شخص واحد وخطر اتخاذه القرارات دون العودة الى الهيئات المعنية. وبنتيجة رفض مشروع الاصلاح سوف يُمنع اثنان من قيادات الخضر البرلمانيين من الجناح الواقعي امرأة ورجل يرأسان كتلتيهما النيابيتين في ولايتين محليتين من الترشح الى منصب الناطقين الرسميين باسم قيادة الحزب في الانتخابات التي ستجرى قريباً، اي الترشح الى رئاسة الحزب المشكّلة عند الخضر منذ البداية من رجل وامرأة. ورغم ان الجناح الواقعي اعترف بالفشل، الا انه لا يزال يأمل في طرح الموضوع من جديد في المؤتمر الحزبي القادم، وعلى فيشر القبول الآن بمصيره، علماً انه لم يعلّق بكلمة واحدة على الامر. لكن المراقبين سجلوا تحركاً من خلف الكواليس للجناح الواقعي يحث الشخصين اعلاه على ترشيح نفسيهما رغم القرار ضد الناطقة الحالية باسم قيادة الحزب آنتيا رادكه التي تمثل الجناح اليساري الاصولي والتي لا تحظى برضا فيشر عليها، وزميلتها غوندا روستل التي اعلنت عن عدم ترشيح نفسها مرة اخرى. واذا حصل ذلك فقد تهدد هذه الخطوة الانسجام الظاهري الذي تمتع به الجناحان داخل المؤتمر. وفي المقابل لا بد من تسجيل صعود جديد في شعبية وزير البيئة يورغن تريتين الذي لا يزال يمثل الاتجاه اليساري ولو انه اصبح من الناحية العملية اكثر واقعية منه اصولياً. وكان تريتين قد تعرض قبل اشهر لانتقادات عنيفة من الجناح الاصولي واليساري بحجة ضعف مواقفه امام "لوبي" الطاقة النووية في البلاد واستعداده للتراجع عن برنامج الحزب الذي يدعو الى الخروج من عصر الطاقة النووية على الفور والاعتماد على الطاقات المتجددة. وهناك من المراقبين من يعتقد ان المساومة التي قام بها الاصوليون تمثلت في موافقتهم على البرنامج الزمني الذي قدمه تريتين بدعم من فيشر للتخلي عن الطاقة النووية مقابل رفض مشروع الاصلاح التنظيمي. وتطالب شركات الطاقة النووية الحكومة باعطاء المفاعلات النووية مدة 35 سنة على الأقل قبل إيقافها عن العمل، بينما يطالب الخضر بعشرين سنة والاشتراكيون الديموقراطيون بثلاثين سنة. واعتمد تريتين أخيراً فترة الثلاثين سنة لكي لا يصطدم حزبه بالحزب الاشتراكي الديموقراطي قائلاً لرفاقه في المؤتمر "ان المهم في الأمر هو وضع المدماك الأول لانتهاء عصر الطاقة النووية في البلاد". وكان التصفيق الكبير الذي حصل عليه تريتين إيذاناً بعودته الى لعب دوره السابق كقطب جاذب بعد مرحلة تراجع وليصبح الشخصية الثانية في الحزب بعد فيشر. وعلى الرغم من أن المؤتمر انعقد أصلاً للبحث في برنامج التخلي عن الطاقة النووية، إلا أن قسماً كبيراً من نقاشاته تركز على قضية بيع دبابات "ليوبارد 2 أ 5" الى تركيا ومصفحات "فوكس" الى دولة الامارات العربية المتحدة. ومعروف ان حزب الخضر يرفض من الناحية المبدئية تصدير الأسلحة الألمانية الى الخارج، خصوصاً الى البلدان التي تنتهك فيها حقوق الانسان. وكان الائتلاف الحكومي قد اهتز قبل فترة لأن الاشتراكيين أرسلوا نموذجاً من دبابة "ليوبارد" الى تركيا للتجربة. واعلنت انقرة أخيراً انها تود شراء 1000 دبابة منها بسبب تقنيتها العالية. لكن مؤتمر الخضر اصدر قراراً يرفض فيه بيع الدبابة الى تركيا لانتهاكها المستمر لحقوق الانسان. وعلى رغم معارضة الخضر لصفقة المصفحات مع الامارات العربية، إلا أنهم لم يتخذوا قراراً واضحاً برفض الصفقة، ما يترك المجال مفتوحاً أمام إتمام بيع 64 مصفحة المانية الى الامارات متخصصة في الكشف عن استخدام السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي في النزاعات المسلحة.