حفز تكرار الحوادث المأسوية في الطيران فريقاً هندسياً في جامعة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية، على البحث في انشاء نظام مراقبة جديد للملاحة الجوية، يرتكز على تثبيت كاميرات فيديو في الطائرة ومتابعة رحلتها من محطات أرضية، كما هو مطبق في رحلات المركبات الفضائية. يوماً بعد يوم تزداد الحاجة الى تعقب رحلات الطائرات من خلال محطات مراقبة على الأرض. فحوادث اختطاف الطائرات مازالت على رغم كل الأحتياطات الأمنية، تحصل بين الفينة والأخرى وأخيراً تكررت حوادث سقوط الطائرات، ما ولد قلقاً عاماً حيالها. فعلى رغم عدم وجود أقارب لنا في الطائرة المصرية التي سقطت فوق المحيط الاطلسي، أو في الطائرة التي سقطت فوق الخليج العربي، الا أن مشهد الناس الباكين في مطار القاهرة وهم ينتظرون المزيد من الأخبار عن مصير ذويهم أبكانا وشدنا الى التعاطف معهم. ولم يكن ذلك التعاطف السبب في البحث الذي نقوم به في "جامعة الملك عبد العزيز" في سبيل الوصول إلى نظام للمراقبة الأرضية لمتابعة الرحلات الجوية. فهذا الموضوع شغل كثيرين من العلماء في أنحاء المعمورة وهم يسعون الى الوصول إلى حل أمثل يزيد من سلامة النقل الجوي. وفي الوقت الراهن، يتولى الصندوق الأسود في الطائرة تسجيل المعلومات والبيانات عن رحلة الطائرة، وهو في الحقيقة صندوقان لا واحد، وليسا اسودي اللون، تحملهما طائرة الركاب المدنية، وهما مهمان جداً في استقصاء أسباب حوادث الطائرات، وكل منهما عبارة عن مسجل. يسجل الأول كل معلومات الطائرة، مثل الزمن والارتفاع والسرعة والاتجاه، ويعمل، في استمرار، خلال 25 ساعة. وأما المسجل الثاني فمخصص للأصوات داخل مقصورة القيادة، وهو حساس جداًَ لأنه يسجل أدنى صوت، وتتفاوت مدة عمله بين نصف ساعة وساعتين بحسب نوعه. وصمم كلا الصندوقين ليتحمل ظروفاً قاسية مثل قوة صدم عالية جداً، ودرجات حرارة أكثر من ألف ومئة درجة مئوية، وضغط الماء حتى لو كان العمق 20 الف قدم تحت سطح البحر. وفي العادة فإن البطارية عمرها ثلاثون يوماً، ويصدر "الصندوق الأسود" إشعاعات تدل الى مكان وجوده حتى يمكن تحديد موقعه بعد أي حادث. أما مكان الصندوق الأسود داخل الطائرة فهو على محور بدنها في منطقة الذيل، لأن احتمال بقاء هذه المنطقة بلا إنكسار في أي حادث، احتمال مرتفع. والمشكلة في هذا المكان بعده عن مصدر الطاقة الذي يشغله، والذي يكون في مقدم الطائرة، ما يعني ان في أي حادث قد تتقطع توصيلات الطاقة عن الصندوق الأسود ويتوقف عن التسجيل. وهذا ما حصل فعلاً اذ ضاعت المعلومات في 52 حالاً خلال السنوات الست عشرة الماضية. وهناك أمر مهم في معلومات الصندوقين الأسودين، هو مطابقة تزامن المعلومات بينهما، ثم مطابقة ذلك مع تزامن المعلومات المتوافرة على الرادار الأرضي. وسبب ذلك هو ان لا إرتباط بين هذه المعلومات من حيث الزمن. لذا، من الضروري إجراء هذه المطابقة حتى يمكن معرفة تزامن المعلومات. وهذا مهم جداً في تحليل أسباب أي حادث. نحو نظام مراقبة بالفيديو ومن الأرض وللأسباب المذكورة آنفاً، أتجه تفكيرنا إلى إضافة عنصرين جديدين في مجال جمع البيانات خلال الرحلات الجوية. أولهما اضافة نظام تصوير فيديو في كل أجزاء الطائرة، وثانيهما نقل معلومات الرحلات الجوية كاملة وفي شكل مستمر إلى محطات مراقبة أرضية عبر الأقمار الاصطناعية. نظام التصوير المقترح في هذا البحث يتكون من كاميرات فيديو رقمية صغيرة، تزرع في أماكن مختلفة من الطائرة، في الداخل والخارج. وإحدى مهمات البحث هي تحديد أماكن وضع هذه الكاميرات، من خلال المعلومات الإحصائية المتوافرة عن اسباب حوادث الطائرات. وسيتم الإحتفاظ بالأفلام الناتجة من الآت التصوير في شكل رقمي في جهاز حاسوبي خاص يشبه في خواصه الصندوقين الأسودين الحاليين، ما يجعل الصندوق الأسود يتألف من ثلاثة صناديق. وقد يكون من الضروري استخدام تقنية التصوير بالأشعة، تحت الحمراء، في حال الطيران الليلي. أما نقل المعلومات إلى محطات مراقبة أرضية فيقترح البحث أن يكون هناك طيار أرضي لكل رحلة طيران، يتابع الرحلة على شاشة حاسوب تظهر عليها كل بيانات الصندوق الأسود "الجديد". وفي الوقت نفسه، يتم تسجيل البيانات على القرص الصلب للحاسب حتى يمكن الرجوع إليها عند الحاجة. ويشمل هذا الصور الرقمية الملتقطة بآلات التصوير الفيديوية. وسيتولى الطيار الأرضي المتابعة المستمرة للرحلة، كأنه جالس في مقصورة القيادة. وفي المرحلة الأولى من البحث يمكن قصر دور الطيار الأرضي على المراقبة، وبعد نجاح المرحلة الأولى، يدور البحث على احتمال تمكينه من التحكم بالطائرة عن بعد والتدخل في اللحظة المناسبة لانقاذها في حال الخطر. تقنيات هذا الحل متوافرة من الخبرة الطويلة التي اكتسبها الإنسان في مجال متابعة رحلات الفضاء. وكما استطاعت الرحلات الفضائية ذات الكلفة العالية تأمين أجهزة مراقبة دقيقة لمركبات الفضاء، يمكن الرحلات الجوية أن تتحمل الكلفة العالية لأجهزة المراقبة المقترحة في هذا البحث. *استاذ في كلية الهندسة - جامعة الملك عبد العزيز.