فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    هيئات الأمر بالمعروف في منطقة الباحة تنشر محتوى برنامج "أيام معلومات" في الميادين العامة والطرق    لوتشيانو سباليتي: باريلا جاهز    مودريتش: كرواتيا «الحصان الأسود»    نقل أول حالة إسعافية من مهبط برج الساعة    محافظ الطائف يتفقد نقاط الفرز في الخالدية والهدا والمحمدية    حج 1445ه: لا تهاون ولا تساهل... الأمن خط أحمر    مملكة العمل والإنجازات    «مبادرة الطائف» توزع ثلاثة آلاف هدية على الحجاج    خارطة طريق فرنسية لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان    مجموعة السبع تتجنّب حربًا تجارية مع الصين    «فتيان الكشافة السعودية» يرشدون التائهين ويديرون الحشود    أسواق غزة فارغة    الذهب يستقر وانتعاش الدولار يحد من المكاسب    اللواء العتيبي يتفقد «أمن المنشآت» بمحطات قطار الحرمين في جدة    تشكيلة ألمانيا واسكتلندا لمباراة افتتاح بطولة أوروبا 2024    الدوسري يتفقد مقار منظومة الإعلام في المشاعر المقدسة    "نزاهة" توقف وتكشف هويات المتورطين في انهيار المبنى السكني بحي الفيصلية في جدة    الصحة: نسبة تحصينات حجاج الداخل بلغت 99 %    غدا.. ضيوف الرحمن يتوجهون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    الرئيس المصري يصل إلى جدة لأداء مناسك الحج    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    بلدية بيش تطلق مبادرة "حقيبة حاج" لخدمة حجاج المحافظة    المملكة تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025 وتعزز مكانتها عالمياً    «مبادرة طريق مكة» تختتم أعمالها لموسم حج 1445ه في صالات (11) مطاراً في (7) دول    النيابة العامة تطور جهاز «ترجمان» لترجمة مجريات التحقيق خلال موسم حج 1445ه    الكشافة يساندون أطقم وزارة الصحة في مستشفيات المشاعر المقدسة    مقتل قائد قوات الدعم السريع في مواجهات «الفاشر»    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    في كتب الرحلات    النصر يستهدف التعاقد مع فان دايك    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    رقابة صحية ومباشرة ميدانية.. مكتب البيئة ينهي استعدادات عيد الاضحى في الخرج    مواكب حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين تتجه إلى المشاعر المقدسة    رونالدو.. أرقام قياسية عبر تاريخ اليورو    المملكة تشارك في المؤتمر الأوروبي لتقويم الأسنان    القادسية يتحرك لضم حارس منتخب مصر    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    الذكاء يدعم خدمات الدفاع المدني بالمشاعر    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    روبوتات هجينة لعلاج سرطان الرئة    «أرامكو» توقع اتفاقية مدتها 20 عاماً لشراء غاز أمريكي    حزم وقوة    سفير كازاخستان السابق: قضيت أجمل أيام حياتي في السعودية    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    22000 من القطاع البلدي يشاركون في الخدمة    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    الجبير: المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة ولديها مشاريع ضخمة تستهدف الحد من آثار التغير المناخي    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    لم يكن الأفضل !    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد وحدات القوات المسلحة وقطاعات وزارة الدفاع المشاركة في مهمة الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماري عجمي وماري يني رائدتان في الصحافة النسوية قاومتا الاستعمار وخلّدتا الشهداء
نشر في الحياة يوم 25 - 11 - 2000

} لما كانت هذه السنة قد اعلنت سنة المرأة فلا بأس من ان نسلّط الضوء على امرأتين لعبتا دوراً بارزاً، منذ مطلع القرن في حقل الصحافة والادب والشعر والعمل الوطني والاصلاح الاجتماعي، هما ماري يني وماري عجمي.
ولدت ماري عجمي في دمشق في الرابع عشر من شهر ايار مايو سنة 1888. وهي ابنة عبده يوسف العجمي، انتقل جدها من حماه الى دمشق في القرن الثامن عشر. وبما انه كان يرحل الى بلاد العجم للمتاجرة بالحليّ سمّي بالعجمي.
دخلت ماري المدرسة الايرلندية في دمشق وهي ابنة خمس سنوات. ثم انتقلت الى المدرسة الروسية، كما درست التمريض في الجامعة الاميركية في بيروت سنة 1906 ولاسباب صحية لم تكمل دراستها الاخيرة. ثم مارست التعليم في زحلة وبور سعيد والاسكندرية ودرّست في المدرسة الروسية في دمشق وعلّمت كذلك في فلسطين والعراق.
ولكن ماري عجمي عرفت كأديبة وشاعرة وصحافية انشأت مجلة "العروس" سنة 1910 فكانت اول مجلة نسائية في سورية. كما مارست الكتابة في الكثير من الصحف والمجلات. وكان لها نشاط بارز في الحقل الاجتماعي والنضال الوطني.
عاشت في فترة عصيبة في عهد الطغيان العثماني وما خلفه من ظلم وجور واستبداد. وفي عهد الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان. لم تكتفِ بنشاطها في حقل التعليم والصحافة والكتابة ونظم الشعر بل دأبت على غرس الحس الوطني الصحيح في صدور الطالبات وتوجيههنّ نحو التقدم والتحرر، فأسست الجمعيات والنوادي النسائية للقيام بتلك المهمة.
في مسيرتها النضالية التقت بالمناضل بترو باولي الذي كانت تسميه "الباثر" وتواعدا على الزواج بعدما جمعت بينهما روح النضال والكفاح ومحاربة الظلم والاستبداد العثماني. ولكن حظها كان سيئاً لأن خطيبها قبض عليه الاتراك وسجن ثم اعدم وكان احد الشهداء الابرار الذين شنقهم جمال باشا السفّاح. ولم تستطع انقاذه من حبل المشنقة على رغم تحديها الجنود الاتراك وزيارته في سجنه في دمشق ونقل الرسائل اليه وتشجيعه والوقوف الى جانبه في محنته.
وهي ظلت تذكر حبيبها الذي ذهب ضحية الغدر والظلم واستمرت في نضالها ضد الاتراك والدفاع عن حرية شعبها وحثه على مقاومة الاستبداد. ولم تتزوج. وكانت الصحافية الوحيدة التي تسنى لها ان تدخل السجون في دمشق زمن الحكم العثماني والاطلاع على ما فيها من فساد وقهر واحتقار للكرامة الانسانية.
وحول موضوع السجون زمن الحكم التركي كتبت مقالات عدة تصف فيها ما شاهدته في زياراتها لتلك السجون:
"كنت ازور بعض اصدقائي الادباء في سجن القلعة، الذين زجوا مع المجرمين بتهم بحث عنها المجلس العرفي فلم يجدها، كنت انحدر اربع درجات الى الباب الحديدي ويصعدون لمواجهتي على ثمان درجات الى الباب حيث نلتقي والمنديل على انفي لا اجرؤ على انتزاعه بسبب الروائح المنتنة المنبعثة من جوف ذلك السرداب. فكنت اختصر ما امكن من الكلام لانجو بنفسي سريعاً الى الهواء الطلق، غير رائية للدموع تترقرق من العيون الحمر المقرحة الاجفان المنهلّة على خدود شاخبة هزيلة. فاذا توسّلوا إليّ بالبقاء وقتاً اطول عضضت على المنديل وأنا اكاد اختنق متذرّعة بانهماكي في اعمال اخرى".
كان وصفها الواقعي هذا للسجون في عهد الاتراك يثير النقمة في النفوس ويحفز على الثورة، والانتفاضة ضد الظلم ويشحن الناس بدافع من الحميّة للتحرر.
وهي لم تواجه الظلم العثماني وحسب بل واجهت الاستعمار الفرنسي الذي نكّل بالشعب السوري الثائر في وجهه سنة 1925. وعلى رغم محاولة رشوتها واستمالتها لمهادنة فرنسا - كما تروي - رفضت كل الاغراءات وواجهتها بشجاعة مع انها كانت بحاجة الى المال والى الورق لاصدار مجلتها "العروس".
وكتبت في مجلتها حول ذلك تقول:
"بعد ايام قليلة انقضت على استيلاء فرنسا على دمشق جاءني شرطي برقعة، يدعوني فيها رئيس الوزارة الجديد الى اجتماع اراد عقده. فكتبت عليها كلمة "تبلّغت" وأبيت ان ألبّي الدعوة... وبعد انعقاد الاجتماع، سألت عن القصد منه، فقيل لي ان مدير إدارة المطبوعات الفرنسية خطب في الحضور، وهم من الكتّاب، وعلّمهم كيف يكتبون، ووزّع عليهم ورقاً بلا ثمن، ووعدهم بالمساعدة.
ولم يمر ردح طويل على ذلك، حتى طفق احد معارفي يتردد كل مساء محاولاً إقناعي بانني اذا هتفت لفرنسا وأنشأت الفصول، معددة الاصلاحات التي تقصّد علينا الانتداب من اجلها، فزت بأجر شهري ضخم من الذهب الوهّاج. وفاجأته يوماً بقولي: ما هي تلك الاصلاحات التي تريد ان اكتب عنها؟ قال: عليّ ان آتيك بقائمتها مرّة بعد اخرى، وعليكِ إقناع القوم بها شفاهاً وخطابة وكتابة، قلت: لتنجز فرنسا اولاً ما تعدنا به من الاصلاحات، فأقوم بذكرها مجاناً... وكان جوابي له آخر عهدي به".
كانت ماري عجمي رائدة في ميدان النثر والشعر كما في ميدان الصحافة. اذ اصدرت مجلة "العروس" التي تعد من المجلات المهمة في زمن الطغيان والاستبداد والتسلط حيث كانت تنشر مقالاتها النارية التي كانت ثورة على الظلاّم والطغاة. وقد اجمع الذين كتبوا عنها انها كانت تقف الى جانب الحق ولا تعرف غير الصراحة تدافع عن حق المرأة وتعاضدها في نيل حقوقها وتعمل على اعلاء شأنها.
تقول عنها وداد سكاكيني وقد عرفتها عن كثب: "لم يعرف الادب النسوي في قديمه وحديثه كاتبة زهدت بزينة الحياة والانثى كما كانت ماري عجمي منذ صباها. فقد ظهرت على سجيتها وشكلها متأبية على كل تمويه وزيف، والبساطة في كل شأن من شؤونها كانت لها شعاراً، فهي متجلية في سيرتها ولبوسها، وفي معيشتها وسمتها. وما رأها الناس حتى في ايام شبابها وتألق ادبها في زينة او زخرف، على عادة اكثر النساء، اذ كانت ماري تدرك بعقلها وشعورها ان وسيلة الاديبة الى الرجل ادبها ومواهبها لا زينتها ودلالها، وحديثها الفياض بروحها وقلبها لا في غرورها ومآدبها، وهذا مصداق ما آثر عن ماري عجمي، فقد جمعها الى نخبة من وجوه المجتمع النسائي نصير للمرأة، ليلقين كاتباً اجنبياً جاء البلاد العربية متطلماً شؤون المرأة فيها واطوار وعيها ونهضتها. فلما اقبلن عليه بالتحية وكنّ في احسن زي واغنى مظهر نظر اليهنّ طويلاً متأملاً ممتحناً، وكان نصير المرأة العربي يقدم النسوة باسمائهنّ مقرونة بالاديبة والصحافية والشاعرة والمجاهدة، وحين وصل دور الآنسة ماري عجمي وكانت في بساطتها المعهودة بالرداء والطلعة واللقاء تبسّم الاجنبي الاديب وقال لنصير المرأة: يبدو لي ان هذه المرأة هي الاديبة الحقيقية".
وعن ادبها يقول امين نخلة:
"لا اعرف في الاقلام النسويّة قلماً كالذي تحمله ماري عجمي. فهو شديد شدة اقلام الرجال، لطيف لطف اقلام النساء، في آنٍ معاً. ولعمرك، هيهات ان يجتمع النساء والرجال على شيمة واحدة اجتماعهم في ادب ماري عجمي".
وكان الاديب والشاعر امين نخلة قد جعلها خاتمة كتابه "الاساتذة في النثر العربي" الذي صدر سنة 1993.
واما خليل مردم بك فيقول عنها:
"جمعت ماري بين الصناعتين النثر والنظم، فلها المقالات والخطب والقصائد، وعالجت الترجمة كما عالجت الانشاء".
ثم يقول: "لا احب من غواية المرأة الاّ غوايتها في الادب، واكثر ما يعجبني من ادب المرأة هو سحر الحياء. وهذان المعنيان ماثلان في الآنسة ماري عجمي وفي ادبها".
يقول عيسى فتوح، وكان قد التقاها في اواخر حياتها وزارها في منزلها، يصف لنا هذا المنزل الدمشقي:
"هذا المنزل الاثري الذي كنت اتمنى ان يصبح في يوم من الايام متحفاً يضم تراث ماري عجمي واشياءها. وهو دار دمشقية واسعة، في صحنها بركة ماء، واشجار تاريخ، وأزاهير شتى، ومرايا. وكانت هي في الدور الثاني تنشر بعض ثياب غسلتها بنفسها، وكان من عادتها، اواخر ايامها، ان تزاول اعمالها وامورها الخاصة بنفسها، ولا تترك حتى لاختها، مجالاً لذلك. هذا البيت الذي يقع في الحارة الجوانية من زقاق "طالع الفضة". ثم يصف لنا شخصيتها فيقول:
كانت صاحبة نكتة فريدة وسخرية لاذعة. ولا يكاد يخلو عدد من اعداد مجلتها "العروس" من بعض النكات التي تنقلها لقرائها ممن برعوا بهذا الفن امثال مارك توين، وجورج برنارد شو، حتى انها كانت تتندر على نفسها لتضحك الحضور كما كان يفعل الجاحظ في زمانه.
توفيت ماري عجمي في دمشق في 25 كانون الاول ديسمبر سنة 1965 عن 77 عاماً بعدما عاشت شيخوختها في عزلة وبؤس وانقطاع عن الناس بسبب المرض. وعندما توفيت لم يشارك في جنازتها سوى نفر من المخلصين لها مشوا وراءها الى مثواها الاخير في مقبرة الباب الشرقي للروم الارثوذكس في دمشق.
ويذكر عيسى فتوح ان ماري عجمي ماتت من دون ضجيج او جلبة. حتى انه لم يرافقها الى المقبرة سوى 16 شخصاً من اقربائها ليس بينهم اديب سوى فؤاد الشايب.
ماري يني صاحبة مجلة "مينرفا"
يعود نسبها الى أسرة يونانية الأصل قدم جدها يني بابا دوبولس - الذي أبقى على اسمه الأول يني،. وتعني باليونانية حنا، وأسقط اسم عائلته بابا دوبولس التي تعني باليونانية ابن خوري أو كاهن في أوائل القرن التاسع عشر ونزل في أحد أديرة دمشق. وهي شقيقة قسطنطين عبدو يني 1885- 1947 الصحافي والأديب والمناضل المعروف.
ولدت ماري يني عطاالله في بيروت سنة 1895 ودرست في مدرسة زهرة الإحسان على الشيخ ابراهيم المنذر 1875- 1950 ثم مارست التعليم كما أسست مجلة "مينرفا" - وهي رمز الحكمة عند الإغريق - التي ظهرت أسبوعية خطية أول الأمر عام 1916 ثم أعادت إصدارها في 15 نيسان ابريل سنة 1923 مجلة تعنى بالأدب والفن والاجتماع. كرّست حياتها لمجلّتها التي كانت تقول عنها: "ستظل منيرفا أنا وأنا مينرفا فليس لديّ من عوالم الحياة ما هو أسمى منها مطلباً وأعزّ شأناً".
تزوجت ماري يني سنة 1926 من ابراهيم عطاالله في حمص وسافرت معه الى تشيلي حيث كان مقر تجارته. ولكنها ظلت مواظبة على إصدار مجلتها يساعدها شقيقها قسطنطين الى أن توقفت عن الصدور سنة 1930.
وعلى رغم توقف مجلتها لم تتوقف عن الكتابة فكتبت في مجلة "الفجر" لصاحبتها نجلا أبي اللمع وكذلك كتبت في جريدة "الأحرار" لصاحبها جبران التويني، وفي مجلة "المكشوف" لصاحبها فؤاد حبيش.
وتعتبر مجلة "مينرفا" ثاني مجلة نسائية تصدر في لبنان بعد "فتاة لبنان" لصاحبتها سليمة أبو راشد التي تأسست عام 1914. وهي مجلة رائدها الصدق والكشف عن الحقيقة. ناضلت في سبيل حرية الرأي وخدمة المرأة والمجتمع. ودأبت على نشر المقالات الأدبية لكبار الأدباء والشعراء. ومعالجة القضايا الفكرية والاجتماعية ونشر القصص المترجمة والمكتوبة بالعربية. وقد أفسحت المجلة للكتاب والأدباء في المجال لنشر أفكارهم من دون تحفظ مما أعطاها صفة من التنوّع يحلو للقراء أن يجدوها في المجلة التي تعكس أحداث العصر.
مارست ماري يني التدريس في حمص فعلمت في المدرسة الروسية اللغة الفرنسية وتولت إدارة مدرسة "المخلص" في بيروت، كما مارست مهنة الصحافة فكتبت مقالات نشرتها، إضافة الى مجلتها "مينرفا"، في مجلات: الفتاة، والفجر، والمرأة الجديدة، والخدر، وسركيس، والمعارف، والكرمة، وجرائد: لسان الحال والبرق والحقيقة والنصير والشعب والأحرار والسلام والبريد والميزان والسائح وسواها من صحف بيروت والشام ومصر وسان باولو ونيويورك.
كما ألقت خطباً ومحاضرات في كثير من المدن مثل: بيروت وحمص ودمشق وصيدا وطرابلس وزحلة وبكفيا والشوير والشويفات.
واشتهدت ماري يني في الخطابة كشهرتها في الكتابة وعاشرت الأديبات والأدباء واستقبلتهم في منزلها جاعلة منه "صالون" أدب لأهل الأدب على اختلاف مذاهبهم. واستطاعت مجلة "منيرفا" أن تستقطب كبار الكتّاب والشعراء للمساهمة في الكتابة فيها امثال: أمين الريحاني وأمين نخلة والشيخ فؤاد الخطيب وسلمى صائغ وفوزي المعلوف وجبران خليل جبران، والشيخ ابراهيم المنذر وشفيق المعلوف وبدوي الجبل وماري عجمي والشاعر القروي وشبلي الملاّط وجبران التويني وعيسى اسكندر المعلوف ومعروف الرصافي. وهذا دليل كاف على أهميتها والدور الذي لعبته في حقل الصحافة النسائية.
ولم تهتم مجلة "منيرفا" بشؤون المرأة فقط بل تناولت موضوعات شتى تهم القراء مثل موضوع شهداء 6 أيار 1915، الذين شنقهم السفاح جمال باشا إذ حرصت كل عام على أن تتحدث عن هذا الموضوع جاعلة منه مناسبة وطنية يجب التذكير بها واستخلاص العبر منها.
كما حاربت الابتذال في الصحافة السطحية التي تعتمد الإغراء وتعمدت الأسلوب الأدبي الرفيع والثقافة العميقة التي تفيد القراء. ولم تسعَ الى إثارة الضجيج من حولها ونشر الدعاية لها وللعاملين فيها.
وأما أسلوب ماري يني في الكتابة فيتسم بالواقعية وبما تسبغه من أحاسيسها التي تعبّر عن نبضات قلبها وومضات فكرها وخلجات وجدانها فيأتي سهلاً وواضحاً فيدخل قلوب القرّاء من دون استئذان.
كانت مجلة "منيرفا" غنية بالمواضيع المتصلة اتصالاً وثيقاً بالحياة الإنسانية فاهتمت بنشر مقالات تتناول حضارة الشعوب وثقافاتها وعاداتها وأخلاقها والتي تعنى بالتوجيه التربوي والتعليم والمدارس، وكذلك بالفن على اختلافه ومن بين ابواب المجلة النقد الأدبي، يضاف الى ذلك كله شؤون المرأة، وما له علاقة بتحريرها والأخذ بيدها وانتشالها من الجهل والخنوع.
وكانت تقف في وجه التعصب الطائفي وتدعو بجرأة الى الثورة والتمرد. وأما باب "قصة العدد" فكان يمتاز بالقصص القصيرة ذات المغزى الاجتماعي تهدف الى توجيه النصح، بعضها مترجم وبعضها الآخر مستمد من واقع المجتمع. وفي المجلة نجد الظُرف والفكاهة. وأما في المقال الافتتاحي فكانت تعالج موضوع الساعة. وفي ذكرى الشهداء في السادس من أيار مايو من كل سنة كانت المجلة تتناول هذا الموضوع الوطني المهم.
كانت ماري يني أول بيروتية تصدر مجلة شاءت لها معالجة مواضيع تهم المرأة بالدرجة الأولى عبر مقالات وأبحاث تتناول الأدب والشعر والثقافة والحضارة والتربية والتعليم وما إلى ذلك. وعملت بحسب إرشاد أمين نخلة الذي كتب لها في إحدى رسائله يقول: "أؤثر المجلة النسائية العربية أن تكون على ظرف "الزهور" وفائدة "المقتطف" وتنوع أبحاث "الهلال". هذه هي المجلة التي تظنينها لك وما هي بالعسراء على إحدى نابهات القطر، وحاملات لواء الأدب الصميم فيه".
وكانت المجلة تقدم كتاباً هدية للمشتركين لتشجيعهم على شرائها والاشتراك فيها. وهي قد فهمت الصحافة على أنها: "فكر يجول في دماغ مفكر نابه، فيصبح حقيقة ثابتة تتمشى عليها الشعوب، ووحي عاطفة عميقة هادئة، تثور لاهتزازها جوانب الأقطار، هي همس يختلج بين شفاه فرد واحد، فيتحول صداه الى صوت هائل يدوّي بين ألوف الجماهير، كما تقول في تقديم مجلتها في الجزء الأول.
وعلمت في حقل التعليم قبل أن تمارس الصحافة واشتهرت بالخطابة وكان منزله مثابة صالة أدبية يجتمع فيها الأدباء والشعراء ورجالات الفكر. وحتى بعد سفرها مع زوجها الى سانتياغو عاصمة تشيلي انشأت هناك "الندوة الأدبية" على غرار "الرابطة القلمية" في أميركا الشمالية التي تأسست سنة 1920 و"العصبة الأندلسية" التي تأسست في البرازيل سنة 1933.
ومجلة "منيرفا" كان رائدها الصدق والكشف عن الحقيقة في ما تنشره من آراء وأخبار. حملت مشعل الحرية في إبداء الرأي وأفسحت في المجال لنشر المقالات النقدية ووضعت خدمة الإنسان في أولويات اهتماماتها. كما دعت الى التجديد ونبذ التقليد في المواضيع الأدبية وإلى توعية القراء وحثهم على الترقي..
ما كان لها اليد الطولى في معالجة القضايا الاجتماعية بنشر القصص الاجتماعية. كما كانت تنشر القصائد والقصص الأجنبية المترجمة.
وباختصار تناولت "منيرفا" المواضيع الأدبية من قديمة ومعاصرة وأخضعتها للنقد والتحليل وظلت سائرة بحسب الخطة التي رسمتها لها صاحبتها مستوحية آراء أدباء عصرها في هذا المجال ضمن باب "منيرفا وقراؤها" الى جانب نزعة التجديد التي اختلجت في صدرها وملأت نفسها الكبيرة فاقتنعت بوجوب العمل على زعزعة الجذور القديمة من عاداتنا وعيوبنا التي فتكت سمومها بكياننا الاجتماعي وآمنت ان تقدم المرأة مقياساً للتقدم الحضاري لأمة من الأمم وان المجتمع العربي يفتك فيه داءان عضالان: تخلف حضاري واضطهاد المرأة. وبالتالي فإنه يتوجب على الصحافة التي هي رسالة قبل ان تكون حرفة أو صناعة أن تدعو الى حرية الفكر وصراحة الرأي من اجل التصدّي لهذا الواقع الأليم.
تقول عنها عنبرة سلام الخالدي في كتابها "جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين" ص 168: "هناك صحفيات بينهن صديقات كنت على اتصال حميم بهنّ، مثل ماري يني صاحبة مجلة "منيرفا" وهي رمز الحكمة عند الإغريق"، وأعتقد أن اختيارها لهذا الاسم كان لاتصال نسبها باليونان، وقد عكفت على مجلتها تغذيها من روحها وأدبها وتخرجها الى الناس بحلّة شيقة تجمع الذوق والأدب الجمّ، فتمثل صاحبتها اجمل تمثيل، فهي الأدبية الرقيقة الناعمة التي تسير في هذا الكون بلطف جذاب وسعي دؤوب، وتخطط لغاياتها من غير عنف وتبدي آراءها من دون اصرار أو تسلط، ولم تدم مجلتها طويلاً بل أخذت صاحبتها امواج الغربة الى خارج لبنان، فتوقف العمل، وولجت هي باباً آخر، هو باب تأسيس عائلة جديدة لا شك في أنها اعطتها كل السعادة بما لديها من عطف وحنان وكفاءة".
تقول ماري يني في إحدى افتتاحيات مجلتها بما ينم عن نفسيتها وأخلاقها: "في حياة الناس لذة غير السعي وراء المادة، وفي النفوس أمنية غير كسب المال وحشده، وللمرء حياتان، حياة خاصة وحياة عامة. وعليه واجبان، واجبه نحو اخيه، وواجبه نحو نفسه. فبتلك الحياة المزدوجة اليوم أتحرك وبذيّاك الواجب المضاعف أسير تقودني هاتيك اللذة الخفية التي تتصل بحياتي الخاصة وهي سرّ بيني وبين الأقدار بل واجب نفسي نحو نفسي. وأندفع بتلك الظاهرة التي تربطني بحياة الأكوان وترغمني راضية للعمل من أجل الواجب العام فرض الإنسانية عليّ وشرط أبنائها على نفسي.
إلى أن تقول: "وإني لباذلة جهدي في سبيل إرضاء المجموع، رائدي الإخلاص وقائدي المبدأ القويم. فإذا ما اكتنفتني بواعث الخذلان لجأت الى ما في صدور المحيطين بي من دفائن الإخلاص واستعنت بها للسعي في إصلاح الخلل، جهد المستطاع، حتى أقف وأماني القوم في مستوى واحد أُرضي به نفسي ويرضى به عني ابناء قومي". ثم تلخص الهدف من إصدار مجلتها والدور الذي اختارته لها فتتابع قائلة: "هذه هي "مينرفا" التي أخرجها الى سوق الأدب، وملء فمها عظة المفكرين البالغة، وملء ثوبها أدب الأديبات الرائع. آملة ان تكون مع أخواتها العامل في الوصول الى الغاية التي ينشدها الناس في بدء التطور الاجتماعي، وهي منذ الآن ملك خالص للقارئين استوصيهم بها خيراً وهو حق صريح على المالكين".
في سنة 1975 توفيت ماري يني - وليس كما أوردت خطأ ناديا الجردي نويهض في كتابها "نساء من بلادي" حيث تقول ص274 إنها توفيت سنة 1967 - فكانت نموذجاً فذاً للمرأة المناضلة في سبيل خدمة أمتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.