لا يمكن ان يختلف اثنان على ان المنتخب السعودي لكرة القدم خسر لقبه الآسيوي بشرف، وعلى انه لم يتهاون ولو للحظة واحدة في مهمته خلال نهائىات كأس الأمم الآسيوية الثانية عشرة التي اقيمت اخيراً في ربوع لبنان. "الاخضر" خسر الكأس، لكنه كسب منتخباً شاباً قادراً على مواجهة الاستحقاقات الكبرى المقبلة وفي مقدمها تصفيات مونديال 2002. "الاخضر" خسر الكأس، لكنه اكد على ان مستقبل الكرة السعودية مشرق، وان موقعاً لها في نهائىات كأس العالم في كوريا واليابان بات على الابواب. لكن المهم ان تسير القافلة وألا يلتفت المسؤولون والجهازان الفني والاداري واللاعبون الى اصوات "نشاز" ينتظر لها ان تطفو على السطح قريباً تفند وتحلل وتنتقد، طبعاً، من دون ان تضيف شيئاً. "الاخضر" قدم ما عليه واكثر، ولم يكن في الامكان "ابدع" مما كان، خصوصاً انه واجه عملاقاً حقيقياً في عالم كرة القدم الآسيوية وخصماً عنيداً سُخرت له كل الامكانات التي يتمناها اي منتخب في العالم، في مقدمها احتراف كوكبة من نجومه في الاندية الاوروبية الشهيرة ما اكسبهم ميزة التعامل مع مثل هذه المناسبات الكبرى... فضلاً عن ملايين الدولارات التي انفقت لاعداد هذا المنتخب "الاصفر". اي "جماعة" من البشر لو كانت تعرضت لما واجهه عناصر "الاخضر" بعد خسارته القاسية امام اليابان 1-4 في بداية حملة دفاعه عن لقبه، كان يمكن ان تودي بكل طموحاتها... وان تقضي على احلامها سريعاً جداً. لكن الخطوة الادارية الناجعة التي تمثلت بقرار اقالة المدرب التشيخي ميلان ماتشالا وتعيين المدرب السعودي ناصر الجوهر، اعادت الثقة بالمنتخب والامل بالحفاظ على اللقب الذي تحول في ما بعد هدفاً مشروعاً بفضل حماسة اللاعبين وروحهم القتالية العالية التي غلفت الاداء الرجولي الذي خاض به المنتخب السعودي مبارياته التالية. وبعد ان تجاوز "الاخضر" ازمته وتأهل عن المجموعة الثالثة، ازداد هدفه قرباً إثر تخلصه من قوتين عظميين هما الكويت في الدور ربع النهائي وكوريا الجنوبية في نصف النهائي. وامل الجميع بالا تكون المواجهة النهائىة مع اليابانيين، وتمنوا ان تكون الصين هي الطرف الآخر. واعتبر البعض ان مواجهة جديدة بين المنتخبين ستسفر حتماً عن خسارة قاسية اخرى للسعوديين لاعتبارات عدة في مقدمها العامل النفسي. لكن السعوديين واجهوا المهمة الاخيرة ببسالة، وعرفوا كيف يوقفون خطورة العملاق الياباني... وربما لو احسن حمزة ادريس استثمار الفرصة الذهبية الباكرة التي لاحت له من ركلة الجزاء لتغيرت كل الحسابات. خسارة كأس آسيا، ليست نهاية المطاف بل بدايته... والعمل منذ الآن على اعداد وتجهيز هذا المنتخب الواعد للاستحقاقات المقبلة هو ما يجب ان يشغل العاملين عليه حالياً. هذه هي الرياضة... غالب ومغلوب، واذا خسر السعوديون الكأس... فالأكيد انهم كسبوا منتخباً جديراً بالاحترام والتقدير. الصدمة العربية واذا كان المنتخب السعودي كسب منتخباً جديراً بالاحترام، فان الصدمة العربية في المنتخبات الاخرى التي مثلت لبنان وقطر والكويت والعراق كانت قاسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى. اللبنانيون نجحوا كثيراً في التنظيم، وبذلوا جهوداً غير عادية من اجل تجاوز كل العقبات التي واجهت البطولة قبل انطلاقتها. وتخطوا الصعاب وهيأوا مناخاً ولا افضل بالنسبة الى ضيوفهم، لكنهم صدموا حقيقة بنتائج منتخبهم... وصدموا اكثر بالتبريرات والتصريحات التي اعقبت خروجه من الدور الاول. والواقع انه من غير المطلوب ابداً من اي منتخب يشارك للمرة الاولى في مناسبة كبرى ان ينال كأسها، او حتى ان يكون من بين فرسانها الاوائل. لكن الجميع هنا توقعوا ان يكون على الاقل من بين المتأهلين عن الدور الاول خصوصاً ان نتائج جل المباريات لعبت في مصلحته ولم يكن امامه سوى ان يحقق فوزاً منطقياً على تايلاند لكنه اكتفى بالتعادل فخرج المنتخبان معاً. الاتحاد اللبناني قدم اكثر مما هو مطلوب، لكنه خسر نقاطاً كثيرة بعد ان اكد مسؤولوه انهم توقعوا ما حصل لأن خلافات كبيرة في وجهات النظر كانت قائمة بين الجهات الادارية والمدرب الكرواتي جوزيب سكوبلار قبل شهرين من الانطلاقة، وان الوقت لم يكن كافياً لاجراء تغييرات وتعديلات ففضلت هذه الجهات ان تلبي كل طلبات المدرب على رغم اقتناعها بانها خطأ ومن بينها مسألة تجنيس اللاعبين. تصريحات من هذا النوع، دانت الاتحاد قبل غيره، وقلبت الرأي العام عليه وربما انست البعض كل الجهود التي بذلها رجاله من أجل ان تحقق البطولة هذا النجاح الكبير تنظيمياً. والمهم، ان تتحد الصفوف مجدداً وان يبدأ العمل سريعاً لوضع المنتخب اللبناني على المسار الصحيح قبل ان يدخل معمعة تصفيات المونديال المقبل في مجموعة تضم تايلاند وسريلانكا وباكستان... والاهم ان يتم التعاقد مع مدرب يعرف ظروف واوضاع لاعبيه وان يكون فكره الكروي والاجتماعي مقارباً لامكاناتهم الفنية... لأنه من الصعب ان ينجح مدرب يغرد في وادٍ واللاعبون في وادٍ آخر في مهمة يكلف بها. وربما كان المنتخب الكويتي هو الاكثر ترشيحاً بعد السعودي للعب ادوار مهمة في النهائىات، لكن الاداء المتفاوت الذي قدمه في الدور الاول وعدم قدرته على التسجيل سوى مرة واحدة فقط جعله يتقابل مع السعوديين في الدور ربع النهائي فتغلبت الكفة الارجح على رغم ان "الازرق" قدم عرضاً قوياً في هذا اللقاء وكان اكثر من ند لمنافسه "الاخضر". اما "العنابي" القطري، فهو جاء الى لبنان واضعاً في اعتباره ان الوصول الى الدور ربع النهائي هو غاية طموحاته وهو ما تحقق بالفعل. لكن هذا لا يمنع القول انه كان بامكانه "الغوص" اكثر في اعماق البطولة. بقي العراقيون الذين وصلوا يحملون معهم امالاً عراضاً باستعادة امجاد الكرة العراقية، لكنهم لم يظهروا على ارضية الملعب ما يؤكد عزمهم على تحقيق هدفهم وخرجوا من الدور الثاني فكانت النتيجة حل الاتحاد العراقي وابقاء مصير المدرب اليوغوسلافي زيفادينوفيتش معلقاً. والخلاصة، ان المسؤولين عن الاتحادات العربية باتوا مطالبين بالسعي الحثيث من اجل ايجاد حل لوقف الزحف الشرق- الآسيوي حتى لا تجد منتخباتها نفسها خارج المونديال المقبل... وليأخذوا من وصول 3 منتخبات من شرق القارة الى الدور نصف النهائي من "لبنان 2000"، في حين لم يظهر منها احد في الدور ذاته في "الامارات 96"، حافزاً على تغيير هذا الواقع المؤلم.