معركتنا مع إسرائيل وحلفائها كانت وستظل دائماً معركة العقل والعقلانية، معركة التخطيط الطويل المدى... هكذا انتصروا منذ هرتزل والمؤتمر الصهيوني الأول. وقد آن الأوان الآن بعد أن هدأ غبار الجولة الأخيرة لنقول إن انتفاضة الأقصى كانت معركة أخرى من معاركنا الخاسرة. هل كنا في حاجة لإثبات أن الشعب الفلسطيني لا يتعب من إنجاز الشهداء وأن الأمة العربية لا يثبت أنها أمة إلا عندما يتعلق الأمر بفلسطين، لنقول إننا انتصرنا؟ ما حدث هو أن اليمين الإسرائيلي الليكودي هو المنتصر الوحيد، أو الأكبر على الأصح، في هذه المعركة، بمساعدة من متطرفينا ويمينينا الفلسطينيين والعرب. لو أننا حكّمنا عقولنا، ودروس تجاربنا السابقة ونحن نشاهد سفاح صبرا وشاتيلا بالمناسبة هل نسينا تل الزعتر؟ يدنس المقدسات لأدركنا لأنه لم يكن يقصد استفزازنا إلا كوسيلة لضرب عصفورين، هما نتانياهو وباراك، بحجر واحد، وذلك بسد الطريق أمام عودة الأول الى قيادة اليمين، وأمام الثاني لتقديم ما يمكنه تقديمه من تنازلات في قضية القدس على طاولة المفاوضات... صحن الانتقام، يا أهلنا من النخب العربية القيادية، يؤكل بارداً. وانتقامنا من شارون وأضرابه كان بقتل هذا السلاح في يده، وممارسة الاحتجاج كاحتجاج فقط، وبما يقوي موقف المفاوض الفلسطيني في المفاوضات وموقف الجناح الإسرائيلي الأفضل نسبياً بالنسبة لنا كطرف مفاوض. ولكننا بدلاً من ذلك اعتبرناها بداية معركة التحرير، وكأن حقائق التوازنات الدولية وضعف الوضع العربي التي فرضت علينا التفاوض، قد تغيرت بين يوم وليلة. الحقيقة المرة هي أننا قدمنا عشرات الشهداء ومئات الجرحى في معركة هي بالأساس صراع سياسي إسرائيلي داخلي بين من يريدون أكل فلسطين بالشوكة والسكين، ومن يريدون التهامها في لقمة واحدة. والأرجح أننا انتصرنا للأخير. هل هناك إهدار لدم الشهداء أكثر من هذا؟ من الذي يجرؤ على أن يشير بإصبعه الى المسؤولين عن هذا من بين النخب العربية؟ من يجرؤ على أن يراجع نفسه وتفكيره وتصرفاته منذ بداية الانتفاضة، ويشير لنفسه كمسؤول عن هذا؟ أجيبوا أيها الإسلاميون وبعض القوميين. السودان - هاشم حسن