البديوي يعزي حكومة وشعب جمهورية إيران الإسلامية في وفاة الرئيس ومرافقيه    مؤتمر مستقبل الطيران 2024 يشهد توقيع 70 اتفاقية بقيمة 12 مليار دولار    بنك المنشآت: اجمالي التسهيلات 270 مليار ريال بنهاية عام 2023    أرامكو توقع اتفاقية مع "باسكال" لاستخدام أول حاسوب كمي بالسعودية    وفاة الرئيس الإيراني والوفد المرافق له في حادث تحطم الطائرة المروحية    إيران تعيّن كبير المفاوضين النوويين علي باقري وزيراً للخارجية بالوكالة    بلديةالبكيرية تنفذ 2754 جولة رقابية في شهر أبريل الماضي    تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    "الزكاة والضريبة والجمارك" تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة عن شهر أبريل الماضي    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب منطقة "شينجيانج" شمال غرب الصين    إيران تعلن رسمياً مصرع الرئيس ووزير الخارجية    تعليم البكيرية يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    رئيس وزراء اليونان يستقبل العيسى    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    مرضى جازان للتجمع الصحي: ارتقوا بالخدمات الطبية    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    هاتف HUAWEI Pura 70 Ultra.. نقلة نوعية في التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    الانتخابات بين النزاهة والفساد    الخارجية: المملكة تتابع بقلق بالغ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن طائرة الرئيس الإيراني    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    أمير منطقة تبوك يرأس اجتماع جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن والأدب التركي ومعرفة "الآخر" - تطور القصة والرواية في العهد الجمهوري
نشر في الحياة يوم 22 - 09 - 1999

ينتمي كتّاب القصة والرواية قبل تأسيس الجمهورية، الى تيار "الأدب الوطني". وخاصية هذا التيار توجّهه الى "أدب البلاد" بلغة بسيطة. إذ بعكس من سبقوهم، تخطى كتّاب القصة والرواية المنتمون الى هذا التيار، حدود اسطنبول لينفتحوا على جهات البلاد الأربع، متناولين حياة الناس من كل الفئات، وباختصار، حياة الشعب بكامله.
من هؤلاء الكتّاب الذين نشروا غالبية قصصهم ورواياتهم في العهد الجمهوري: يعقوب قدري قره عثمان أوغلو 1889 - 1974، خالدة أديب أديفار 1884 - 1964، رشاد نوري غونتكين 1889 - 1956، محمود يساري 1895 - 1945، صلاح الدين أنيس 1892 - 1942، بيامي صفا 1899 - 1961، رفيق خالد قراي 1888 - 1965.
غير أن النموذج الأكثر تمثيلاً لهذا التيار هو عمر سيف الدين 1884 - 1920. في أقاصيصه التي كتبها بلغة صافية، عفوية، ومباشرة، توجه عمر سيف الدين الى الشعب، الى مشاعره والى مشكلاته الاجتماعية. وبهذا الموقف كان سيف الدين مؤسس فن القصة المجدّدة.
على رأس القصاصين والروائيين الذين وجّهوا القصة التركية التي لم تستطع الخروج من اسطنبول الى الأناضول، يأتي رفيق خالد قراي مع "حكايات الوطن" وتناوله الوقائع المتكئة على المشاهدة، أدخل رفيق خالد الإنسان الأناضولي الى الأدب.
حسين رحمي غوربينار 1864 - 1944 نشر أقاصيص وروايات كثيرة في العهد الجمهوري. غوربينار أيضاً، عكس في أقاصيصه ورواياته، بنظرة واقعية، حياة الناس ونظراتهم، وتناقضاتهم الاجتماعية. وروى في أعماله حياة الناس بلغة الشعب وتعابيره في جوّ من المتعة المسلّية.
يمكن أن نذكر كذلك في عداد الكتّاب الذين نشروا في العهد الجمهوري، عثمان جمال قايغيلي 1890 - 1945 وفخري جلال الدين 1895 - 1975. عثمان جمال روى، في إطار الحياة اليومية، ناس الأحياء المجاورة لأسطنبول. وتناول فخري جلال الدين، في أقاصيصه التي أعطت أهمية للمشاهدة، الوقائع المتناقضة من الحياة اليومية لأبطاله، في مناخ شيّق بعيدٍ عن العبوس، فكان بذلك أميناً لتقاليد حسين رحمي.
ممدوح شوكت ايسيندال 1883 - 1952 نشر في صحيفة "مسلك" عام 1925 أولى قصصه التي بلغت 35 قصة، وهو الذي بدأ الكتابة قبل الجمهورية. ولم يجمع ممدوح شوكت أعماله في كتب، سوى في الأربعينات حين نشر ثلاث روايات واحدى عشرة مجموعة قصصية. تناول في أقاصيصه الحياة اليومية في جانبها الأكثر بساطة وعفوية مركّزاً على الجوانب المضحكة منها. وتميز أسلوبه بالرحابة وبسخرية غير جارحة. وحين تطرق في أقاصيصه ورواياته لمشكلات القرويّ أو ابن المدينة، حتى في أكثرها حدّة، كان ذلك في مناخ من الطراوة والمرونة. ومن هذه الناحية، مقابل اعتبار كتّابنا الآخرين أنهم حملوا أسلوب ولغة موباسّان، فإن ممدوح شوكت هو الكاتب الذي أدخل تقنية تشيخوف الى الأدب التركي. روايته الأولى "عيّاش والمستأجرون" 1934 مهمة من زاوية عرضها لعاصمة الجمهورية أنقرة والمواقف المضحكة في عملية اقتباس العادات الغربية في السنوات الأولى للجمهورية.
جواد شاكر قبا اغاج خالق ارناس باليقجي سي 1886 - 1973 أيضاً من الكتّاب الذين بدأوا في الكتابة قبل العهد الجمهوري، وما لبث أن نشر نتاجه القصصي والروائي في أربعينات القرن العشرين. جواد شاكر، المشهور أكثر بخالق أرناس باليقجي سي، عاشق بحر، روى، بلغة شعرية، في أقاصيصه ورواياته، بحر ايجه غائصاً في أعماق أساطيره. وكانت قضايا ناس البحر وعماله من الموضوعات الدائمة في أعماله. وفي كتابه المعنون "المنفى الأزرق" 1961 روى خالق أرناس ذكرياته من سنوات الحكم عليه بالنفي في منطقة "بودروم" لمدة ثلاث سنوات من جانب محاكم الاستقلال في العام 1924. بعد عودته الى الحرية استمر الكاتب في العيش في بودروم ما أتاح له التعرف على هذه المنطقة عن كثب. من أعماله الروائية المعروفة "ابن الآخرين" 1956 و"غرباء البحر" 1969.
من الكتّاب الذين شكّلوا طليعة الفن القصصي الواقعي في السنوات الأولى للعهد الجمهوري نجد "بكير صدقي كونت" 1905 - 1959 و"عمران نظيف يغيتير 1915 - 1964. وكان ذلك تحضيراً لظهور محطتين عظيمتين في الفن القصصي التركي مع الكاتبين صباح الدين علي، وسعيد فائق.
صباح الدين علي 1907 - 1948 انتقد شخصياته، ليس من خارج البيئة التي عاشها بل من قلبها. وهكذا، بدلاً من "الواقعية المُراقبة" التي كانت قبله أنتج أعمالاً اتسمت ب"واقعية انتقادية" أو "واقعية اجتماعية". ووجد الإنسان الأناضولي الذي يعيش في القرى والبلدات، مكاناً واقعياً له في روايات وقصص صباح الدين علي. وتجلت بوضوح هذه الواقعية في مجموعتيه القصصيتين: "العربة الخشبية" 1936 و"صوت" 1937. وأعطى صباح الدين علي صورة واقعية كما للحياة الخارجية كذلك للحياة الداخلية لأبطاله. وتكاملت عنده الرؤية الخارجية بالداخلية، "يوسف كويوجاكلي" 1937، أحد أهم رواياته، لم تعكس حياة القرى والبلدات في الأناضول فحسب، بل شكلت بنية اجتماعية كاملة للأحداث التي تناولتها: حياة الموظفين، سيطرة الأشراف بالتعاون مع السلطة، وموقف الشعب المعارض لهؤلاء.
ل"سعيد فائق" 1906 - 1954 روايتان وثلاث عشرة مجموعة قصصية. وفيها عرض الكاتب أمامنا المشكلات الاجتماعية التي تسكن داخل الناس المحرومين. وبدا صباح الدين علي، متماهياً مع نفسه حين عرضه للتناقضات الاجتماعية داخل حياة أبطاله. والكاتب الذي يعتبر قاصّاً اسطنبولياً، ادخل الى عالمه القصصي قرى وقرويي منطقته التي ولد فيها: صقاريا. كذلك روى صباح الدين في أقاصيصه الأسطنبولية الصيادين والموظفين وأبناء الأحياء الفقيرة، فضلاً عن قضايا وهموم الأجراء والعمال الذين هاجروا من القرية الى المدينة. ولم يهمل صباح الدين علي التطرق للبيئة التي يتحرك فيها الإنسان في آثاره فكانا متكاملين. من رواياته: "مجموعة من البشر" 1952 "مفقود يبحث عن نفسه" 1953. ويمكن أن نذكر من مجموعاته القصصية: "السماور" 1936 "مقهى الحيّ" 1950 "الطيور الأخيرة" 1952.
رشاد أنيس 1909 - 1984 من الكتّاب الذين عرضوا بلغة قاسية وحادة، الوقائع المؤلمة والفقر الذي يسود الطبقات السفلى، وذلك في العديد من رواياته التي من بينها: "قانون نامنه" 1932، "الكلب الأصفر" 1968.
سعاد درويش 1905 - 1972 إحدى أولى الكاتبات التي تناولت أقاصيصها ورواياتها المجتمع بعين واقعية. نشرت أولى رواياتها "الكتاب الأسود" عام 1920. وبين عامي 1934 و1953 نشرت عدداً كبيراً من الروايات التي ترجمت الى لغات أجنبية كثيرة. لكن عدداً كبيراً من رواياتها التي نشرت في الصحف على حلقات لم تطبعها في كتب. من بين الروايات التي طبعتها في كتب: "سجين أنقرة" 1968، "جورية الفوسفورية" 1968. وفي العام الماضي 1997 نشرت، في كتاب، إحدى رواياتها التي كانت قد نشرت سابقاً على حلقات، وكذلك نشرت في كتاب، خلال العام الحالي 1998، مجموعة من أقاصيصها بعنوان: "كلنا أمثلة لبعضنا بعضاً". سعاد درويش عكست في أقاصيصها ورواياتها، بلغة دافقة وساخرة، موضوع المرأة وعالمها.
ايلهان طاروس 1907 - 1967، روى في أعماله، مثل قاضٍ، وبلغة لا تعرف الرحمة، الواقع الاجتماعي الذي شهده عن كثب في البلدات التي جال فيها، ولا سيما التناقضات الموجودة في الأوساط البيروقراطية وعلاقاتها الداخلية. من مجموعاته القصصية "شقة" 1956، ومن رواياته "مدّعي عام يشيل قايا" 1955.
كمال بيلبشار 1910 - 1983 عكس في أقاصيصه ورواياته، الحياة المحلية والمعتقدات والعادات والاحتفالات في البلدات التي عرفها، بصفته معلماً. وتناول بتفصيل واقعي القضايا الاجتماعية الى جانب المشاعر والأفكار للناس الريفيين. من مجموعاته القصصية "غضب الأُجَراء" 1971 ومن رواياته "جيمو" 1966، و"ميمو" 1968 - 1969 التي صدرت في مجلدين.
من بين قصاصي وروائيي هذه المرحلة، نذكر كنعان خلوصي 1906 - 1943 أحمد حمدي طانبينار 1901 - 1962، جودت قدرت 1907 - 1992، صمد آغا أوغلو 1909 - 1982.
في المرحلة التي سميت بجيل 1940 في الأدب التركي نجد الأسماء التالية: صميم قوجاغوز 1916 - 1993، أورخان كمال 1914 - 1970، عزيز نيسين 1915 - 1995، رفعت إيلغاز 1911 - 1993، خلدون تانير 1915 - 1986، فخري اردينتش 1917 - 1986، أوكتاي اقبال، نجاتي جمالي، ياشار كمال.
صميم قوجاغوز، استمرارٌ لصباح الدين علي، وقد روى في أقاصيصه ورواياته، التعارضات الاجتماعية في القرى والبلدات في محيط منطقتي أزمير وسوكه، كما صراعات الآغوات مع أُجرائهم وقضايا الأرض. من مجموعاته القصصية: "العم سام" 1952، "سائق العالم" 1954، ومن رواياته "حكاية الأفعى" 1954 و"عودة العشرة آلاف" 1957.
عزيز نيسين ورفعت إيلغاز، ممثلان عظيمان لفن القصص الكوميدي، تطرقا لقضايانا الاجتماعية في أقاصيصهما بأسلوب ساخر ويدعو للتفكير. وفي رواياتهما أعطيا الواقع المؤلم والجوانب الإحساسية حيزاً كبيراً.
من بين المجموعات القصصية لعزيز نيسين تبرز: "فيل حمدي" 1955 "وحش طوروس" 1957، ومن رواياته المشهورة "زوبوك" 1961، "ما الذي عاشه ياشار وما الذي لم يعشه" 1977.
وتبرز مجموعة "ها صفّ أبي" 1957 كأشهر مجموعة قصصية لرفعت إيلغاز فيما اشتهرت من رواياته كل من "عند ضفاف البحر الأسود" 1969 و"الليالي المعتمة" 1974.
خلدون تانير، اتخذ من حياة الإنسان في المدن الكبرى موضوعاً في أقاصيصه. وعكس في مناخ تهكمي يتكئ على الملاحظة التناقضات الاجتماعية. إن لغته المحلية التي استخدمها في عرض الوقائع تظهر كيفية انتقاده الدقيق للمجتمع.
من بين مؤلفاته المهمة "المفتاح" 1951، "المطر يهطل على البنادق" 1953، "اعمل في ضوء القمر" 1954، وهي مجموعات قصصية.
أوكتاي اقبال، يروي في رواياته وأقاصيصه، وبأسلوب واقعي، طفولته المثقلة بالذكريات والتفاصيل، كما يروي اسطنبول وعشق أيام شبابه. وبسبب طفولته التي أمضاها في أحياء ضواحي اسطنبول فإن الوقائع والتناقضات الاجتماعية تأخذ مكاناً مهماً في رواياته وأقاصيصه.
"الخبزُ أولاً قد فَسُد" 1946 و"الكنز البيزنطي" 1953، من المجموعات القصصية التي روت تأثيرات الحرب العالمية الثانية، وتحدثت عن الأحياء التي كان يعيش فيها الناس الفقراء.
ويمكن اعتبار "ذنبنا أن تكون إنساناً" 1957 و"الإنسانُ غابة" 1975 من بين الروايات التي تناولت المشكلات في العلاقات الإنسانية.
فخري أردينتش، من كتّاب الواقعية الاجتماعية. روى في أقاصيصه ورواياته التناقضات التي عرفها التغيير الاجتماعي في تركيا. وكانت مؤثرة تلك الانتقادات، بلغة ساخرة، في رواياته التي تناول فيها الاستعمار الرأسمالي واللاعدالة. هذا المناخ الساخر الذي تغلغل في التفاصيل، أظهر نفسه كما في العلاقات بين الناس كذلك في التناقضات مع الوقائع. غالبية أعمال اردينتش كتبت باللغة التركية في بلغاريا حيث أمضى، منفياً، 37 عاماً من عمره. الأقاصيص التي كتبها في سنوات أقامته في تركيا جمعت تحت عنوان "حكايات تركيا" 1976. من بين الكتب القصصية التي كتبها في بلغاريا، وطبعت في تركيا عام 1969، كانت "مقبرة الأحياء". كما نشرت روايتان له في اسطنبول هما: "اللقمة المرّة" و"واحدٌ من علي".
يأتي أورخان كمال على رأس القصاصين والروائيين الواقعيين الاجتماعيين. أورخان كمال، الغزير الانتاج، كتب 51 كتاباً خلال سنواته ال56. منها 19 مجموعة قصصية و27 رواية.
أورخان كمال، الذي أمضى معظم حياته عاملاً، روى في أقاصيصه ورواياته الناس الفقراء المنشغلين بالعمل. بدأ كمال، أثناء وجوده في أضنه برواية أنماط الحياة البائسة لمزارعي القطن في تشوكوروفا، ولعمال المصانع، وأولئك القاطنين في ضواحي المدينة من الفقراء. وحين قدم الى اسطنبول تناول نفس الفئة من الفقراء الساكنين في ضواحي اسطنبول، وانطلاقاً من إيمانه بضرورة أن يكون الكاتب صاحب قوله الخاص به، اتسمت كتاباته بأسلوبها البسيط واتكائها على الحوارات المتبادلة. وبدلاً من اللجوء الى حلول روحية على المدى الطويل، عمل كمال، عبر الحوارات المتبادلة، الى اظهار الأوضاع الروحية لأبطاله والى تحديد بُنى شخصياتها.
من بين أبرز مجموعاته القصصية "صراع الخبز" 1949 "المهجع رقم 72" 1954، "اضراب" 1954. أما بالنسبة لرواياته فنذكر "مرتضى" 1952 "حول الأراضي المعطاء" 1954، "طيور الغربة" 1962، "مفتّش المفتشين" 1966.
ياشار كمال، هو أيضاً أحد كتّاب تشوكوروفا المتحدّرين من أضنة، وبعد مجموعة قصصية تفرغ كمال لكتابة الرواية. يروي في رواياته عموماً، وبلغة شاعرية، صراعات الناس العاملين في منطقة تشوكوروفا، مع الحياة ومع الطبيعة. والى جانب النظرة الواقعية يتسم أسلوبه بغوص في الأعماق، متكيء على الأدب الشعبي الشفوي، والكاتب الذي يقول أنه يقارب أكثر الواقع الإنساني، يحاول أن يقف على مقاومته وممانعته في آثاره، بعد أن نشر أول مجموعاته القصصية عام 1952 وكانت "الحرّ الأصفر". نشر أولى رواياته "الصفيحة" عام 1955 واتبعها ب"محمد الناحل" 1955 التي اتبعها لاحقاً وفي فترات متقطعة بثلاثة أجزاء وترجمت الى لغات مختلفة.
نجاتي جمالي، الذي عرف بشعره ومسرحياته وأقاصيصه ورواياته، اختار موضوعاً لأقاصيصه ورواياته الأحداث والناس في احدى بلدات الأناضول التي عاش فيها وكان شاهداً عليها. من بين مجموعاته القصصية "المرأة الوحيدة" 1955، "صيف دون ماء" 1962، وفي رواياته "زمن التبغ" 1959 "الأمطار والأراضي" 1973، "العشق أيضاً يتنزه" 1975.
من بين الكتاب الذين كانت لهم حصة في تطور فن الرواية والقصة في تركيا في هذه الفترة نذكر مظفر حاجي حسن أوغلو 1924 - 1985 وصباح الدين قدرت أقصال 1920 - 1993 وكمال بكير، ونعيم تيرالي وطارق بغرا 1918 - 1994.
اكتسب تطور القصة والرواية التركية، سرعةً مع الجيل الذي وُلد قبل اعلان الجمهورية لكنه نشر كتبه في الثلاثينات. ومع جيل الأربعينات، تطور هذا الفن أكثر عبر الكتّاب المتحدرين من الطبقات الفقيرة ومن الناس الذين عرفوا امكانات التعلم مع العهد الجمهوري، والذين نشروا العديد من الروايات والقصص.
وكانت "معاهد القرى" أداة لظهور جيل جديد من أولاد الريف المتعلمين الذين أضاف مبدعوهم الى الأدب الكثير. وهكذا انعكست في الأدب حياة الناس في القرى والمدن، بكل مشكلاتها وتوقها ورغباتها وتناقضاتها وصعوباتها الاقتصادية والاجتماعية.
ومع نشر كتاب "قريتنا" لمحمود مقال، عام 1950، والذي ضمنه ملامح قروية، بدأت قضايا القرية والقرويين تأخذ مكاناً لها في الأدب التركي بصورة قوية، مع التفاصيل العميقة التي تناولتها، ولقد أعطى كلٌّ من محمد بشاران وطالب آبايدين وفقير بايقورت، في رواياتهم وأقاصيصهم، النماذج الأولى الخاصة بهذا الموضوع.
وقد اشتغل فقير بايقورت، في أقاصيصه ورواياته، وبنظرة واقعية اجتماعية، على القرية والقرويّ والحياة القروية. يقول فقير بايقورت ان "الرغبات والمطالب والتناقضات الأساسية التي في الوعي الظاهر والوعي الباطني لهؤلاء الناس الذين يقومون بالخدمات الأكثر صعوبة في المجتمع وبالإنتاج، يجب أن تكون ماثلة أمام الفنان". وروى بايقورت كذلك مغامرات نفس هذه الفئة من الناس، عندما انتقل الى المانيا.
من بين روايات بايقورت الكثيرة يمكن أن نعدّ: "انتقام الأفاعي" 1959، "المنجل" 1970، "ملحمة قره أحمد" 1977، "الأفران العالية" 1983، "الإيل العظيم" 1986. وفي مجال القصص نذكر المجموعات التالية: "النَمِش" 1955 "كاراج الأناضول" 1970، "عشرات آلاف العربات الخشبية" 1971 "قطار دوسبرغ" 1986.
في هذه الأثناء، أضاف كمال طاهر 1910 - 1973، الذي لم يكن متحدراً من أصل قروي، الى الفن الروائي التركي، نفساً جديداً عندما دعا، لجهة المضمون، الى عدم التشبه بالرواية الغربية، مستخدماً لغة الحديث العادية في رواياته التي بدأ في نشرها بعد العام 1955. وفي رواياته، توقف طاهر عند الأوضاع المتناقضة واللافتة في علاقات الإنسان وصراعه اليومي مع الحياة في القرى والبلدات والمدن، وفي ارتباط وثيق بالأحداث التاريخية. وفي هذا المجال ظهرت روايات عدة تناولت مباشرة حقبات تاريخية. من أهمها "الجدول الأصمّ" 1955، "ناس المدينة الأسيرة" 1956 "المحارب المُتْعَب" 1964، "الدولة الأم" 1967، "مهجع الزوجات" 1974.
بمعنى ما، يمكن اعتبار نزيهة ميريتش من جيل الروائيين والقصّاصين الذين ولدوا مع الجمهورية. وعكست نزيهة ميريتش في أقاصيصها، التناقضات الداخلية للنساء اللواتي سحقن تحت ضغط التقاليد والأعراف. وهي أول قاصة تنظر الى الأحداث من زاوية المرأة وقضاياها. وكل ذلك بأسلوب رفيع المستوى لجهة المناخ الصادق والشاعري في التفاصيل، ورشاقة اللغة واختيار المفردات.
من مؤلفاتها: رواية "مأزق القرصان" 1961، ومجموعات أقاصيص: "الكدر الرمادي" 1953، "السباق الأعرج" 1956، "تحت الرماد" 1979، "إحراق" 1998.
من قصاصي وروائيي هذه المرحلة التي استمرت في التطور في اطار واقعي لكن مع اختلاف في الأساليب الشخصية، نذكر تحسين يوجيل، زيّاد سليم أوغلو، بيلغي قره صو 1930 - 1995، فياض قاياجان 1919 - 1993، مظفر بويروقتشو، طارق دورسون وغيرهم.
كتّاب جيل الخمسينات الذي بدأ في نشر أولى نتاجه في 1958 - 1960، سوية مع وصول الحزب الديموقراطي الى السلطة عام 1950 واعداً بالحريّات، لكنه تحوّل لاحقاً الى القمع، انتفضوا ضد نظام جيل الأربعينات الذي تقولب في الواقعية. وقد حمل هذا الجيل، واقعية النمط الواحد والمعتادة الى واقعية أكثر عمقاً وأبعاداً. وأراد، بأسلوب سرد جديد، أن يحفر في عمق الوقائع الإنسانية والاجتماعية.
من روائيي وقصاصي هذا الجيل أونات قوتلار 1936 - 1995، اردال أوز، عدنان أوز يالتشينير، ديمير أوزلي، أورخان دورو، فريد أدغي، ليلى أربيل، ديميرتاش جيحون، يوسف أتيلغان 1921 - 1989.
مع الإنقلاب العسكري عام 1960 الذي أنهى سلطة الحزب الديموقراطي، ظهرت بجلاء حقائق البلاد. وما لبث لاحقاً، مع عودة الديموقراطية، ان ظهر مناخ من الحرية أزال الممنوعات على الكتب والكتّاب. واكتسبت الوقائع الإنسانية والاجتماعية والوطنية، في كتابات جيل الخمسينات، ثقلاً جديداً، من زاوية الموضوعات التي تناولوها في رواياتهم وأقاصيصهم، على الرغم من أن خصوصيات السرد لم تتغير كثيراً في هذه الفترة.
أردال أوز، روى في رواياته وأقاصيصه، الناس من الداخل، بأحاسيسهم وأفكارهم، سوية مع المشاهدات الخارجية الحيّة المتكئة على الملاحظة. وروى أيضاً بصورة واقعية حياة المعتقلين السياسيين في السجون، والذين واجهوا ممارسات وضغوطاً غير إنسانية في فترة القمع العسكري التي تلت انقلاب 12 آذار مارس 1971، وذلك في رواياته وأقاصيصه التي ظهرت خلال السبعينات ومنها: "النازف" 1973، وهي مجموعة قصصية، و"أنت جريح" رواية 1974.
ويمكن أن نضيف سويم بوراق 1931 - 1983، إلى الكتّاب الذين أضافوا نفساً جديداً في الستينات مع مجموعتها القصصية "القصور المحترقة" 1965.
المجموعة القصصية الأولى ل"فيروزان" نشرت عام 1971 بعنوان "إقامة بالمجان". وأثارت الانتباه بأسلوبها الخاص، بعد كل من نزيهة ميريتش، ليلى أربيل، سويم بوراق. روت فيروزان في قصصها ورواياتها الآلام والمظالم التي كانت تحدث في ضواحي المدن الكبرى. من بين مجموعاتها القصصية "الحصار" 1972، "سينماياتي" 1973، "الوجه الآخر لليل" 1982. أولى رواياتها "ال47" 1974 تروي أحداث الطلبة عام 1968.
ويمكن أن نذكر هنا القاصات والروائيات اللواتي اقتبسن موضوعاتهن عموماً من الحياة النسائية وتناولن الواقع الإنساني والاجتماعي حيث كانت المشاعر النسائية تحتل مكاناً أساسياً في سرد التفاصيل: سعادت تيمور أولتشوغير 1926 - 1985، عدالت آغا أوغلو، بيريده جلال، سيفغي صويصال 1936 - 1976، تومريس أويار، بينار كور، اينجي آرال، نازلي ايراي، ايرينديس أتاصو، أيصيل أوزأكين، ايشيل أوزغين تورك، فايزه هبتشيلينغيرلير، بوكيت أوزونير، آيلا قوتلو، عائشة قولين، عايشة كليمجي، فريدة تشيتشيك أوغلو، تيزير أوزلو 1943 - 1986، لطيفة تكين، زينب علية. عدالت آغا أوغلو، بدأت في مرحلة فتوتها الأولى بكتابة الشعر ثم انتقلت للكتابة في الإذاعة والمسرح. وفي العام 1973 عُرفت كروائية مع روايتها "النوم مع الموت" التي أثارت اهتماماً كبيراً. وأعقب ذلك صدور روايات "الوردة الرقيقة لفكري" 1976، "ليلة عرس" 1979. أما أول مجموعاتها القصصية فكانت "التوتر العالي" 1974 ثم "الصوت الأول للصمت" 1978 و"هيّا لنذهب" 1982، وغيرها من المجموعات. وقد روت آغا أوغلو في قصصها ورواياتها، بعين ناقدة، التناقضات كما الانسجام داخل العلاقات العائلية.
بأسلوب واقعي صارم، ولغة منمقة لواقع الناس في الجنوب الشرقي، برز بكر ييلدز 1933 - 1998. وتبعه بنفس الأسلوب، وبنفس الموضوعات عثمان شاهين، ثم أوميت قفطانجي أوغلو 1935 - 1980 الذي روى مناطق شرق الأناضول.
دخل بكر ييلدز الى عالم الكتابة مع روايته "الأتراك في المانيا" التي نشرها عام 1966. كما عُرف بمجموعاته القصصية "ريشو آغا" 1968 و"المقصورة السوداء" 1969 التي روت بعين واقعية اجتماعية مآسي العادات والتقاليد والأعراف والنزاعات الحياتية بين الناس في منطقة أورفه ومحيطها.
روى بكر ييلدز في أقاصيصه ألم انسان الجنوب الشرقي، كما انسحاق انسان الأناضول الذي اضطر للعمل في المانيا. وتناول في رواياته العلاقات الداخلية العائلية وتأثير الضغوط السياسية على هذه العلاقات، فضلاً عن التناقضات الاجتماعية. من بين مجموعاته القصصية التي اهتمت بحياة العمال في المانيا نجد "الخبز الألماني" 1974، "بقية الإنسان" 1976، "الدمية الحديدية" 1977 "العبد المصفّد" 1980، "حروب العائلات" 1984، "انقلاب" 1989.
من الضروري هنا الإشارة الى أن من الكتّاب المهمّين الذين طوّروا فن القصة والرواية التركية بعد العام 1960، نجد فائق بايصال، محمد سيده 1919 - 1986 ونفزات أوستون 1924 - 1979.
أحمد نعيم 1904 - 1967، عُرف بمجموعتين قصصيتين نشرتا بعد وفاته، وكانت له اضافات مهمة على فن القصة الواقعية، عبر أقاصيصه التي روت حياة الناس في مناجم الفحم في زونغولداق على البحر الأسود.
مظفّر أوزغو، الذي نشر أول كتاب له عام 1975، هو من الكتاب الساخرين في السبعينات. كاتب ساخر آخر لهذه الفترة هو صلحي دوليك. ولكل منهما اسهاماته القيّمة في تطوير الأدب الروائي والقصصي.
سليم شينغيل الذي ينتمي الى جيل قصاصي الأربعينات، أصدر مجموعته القصصية الثانية عام 1980 وكانت بعنوان "هبّ يا سليمان هبّ". ومن خلال اصداره لسنوات طويلة مجلة قصصية، ساهم سليم شينغيل بصورة كبيرة ليس فقط في تطوير قصته هو، بل في تطوير الفن القصصي التركي ككل. وكان له فضل في اطلاق عدد كبير من كتّاب القصة الشبان بعد الأربعينات والخمسينات. وهو استطاع بسرده البسيط، وواقعيته، وسخريته الرقيقة المتوالدة أن يكون واحداً من الذين منحوا فن القصة التركية نفساً مختلفاً.
ويمكن أن نذكر هنا الكتّاب الذين كانت لهم جهودهم واضافاتهم في تطوير فن القصة والرواية والأدب التركي عموماً: تشيتين ألتان، شكران كورداكول، أوغوز أتاي 1934 - 1977، يوسف ضيا بهادينلي، دورسون اقتشام، بهزاد آي، حقّي أوزكان، متين ايلكين 1932 - 1998، حسن قيافت، نجاتي طوسونيل، مصطفى بليل، نجاتي مرت، برهان غونيل، ارهان بينير، سليم ايليري، خلقي آقتونتش، نجاتي غونغير، يوكسيل بازارقايا، نديم غورسيل، جميل قاوقجي، مرادخان مونغان، علي بلقيز، ماهر أوزطاش، وداد توك علي، محمد أر أوغلو، أتيللا إيلهان، أحمد يورداكول، أورخان باموق، كورشاد باشار، أحمد ألتان.
بدأ اسم أورخان باموق يظهر مع روايته "جودت بك وأولاده" التي نشرها عام 1982. وتبع هذه الرواية التي وصلت الى كتلة عريضة من القراء، روايات أخرى مثل "المنزل الصامت" 1983 و"القلعة البيضاء" 1985 و"الكتاب الأسود" 1990، وغيرها. وعكس باموق في رواياته عالماً بين الوهم والواقع من خلال كولاج صنعه من التاريخ التركي والحكايات القديمة.
ان جميع الكتّاب الذين ورد ذكرهم، كانت لهم اضافاتهم في تطور فن القصة والرواية التركية، عبر خصوصيات السرد، والرؤية المتمايزة.
ان فن القصة والرواية التركية، التي حاولنا رصد تطورها في هذه المروحة الواسعة، بقدر ما كان غنياً، بقدر ما حمل، في كل نتاج، تنوعاً في القيمة ولوناً مختلفاً عن الآخر.
وأعتقد، بل أثق، بأن الكتّاب الذين كان لهم، أو سيكون لهم، نصيبهم في هذا التطور، سيطورون أكثر فن القصة والرواية التركية. يكفي أن تضاف حلقة جديدة الى سلسلة مروحة هذا التطور.
* قاص تركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.