رياح نشطة وأمطار رعدية على عدة مناطق في المملكة اليوم    إنفاذًا لتوجيهات القيادة.. بدء عملية فصل التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن جمعة    تراجع الذهب إلى 3383 دولارًا للأوقية    وزير الشؤون الإسلامية يصل المغرب ومندوب الشؤون الإسلامية المغربي في استقباله    استشهاد 11 فلسطينيًا في قصف إسرائيلي شمال وجنوب قطاع غزة    عمدة كييف: مقتل شخصين على الأقل إثر سقوط حطام طائرات مسيرة في المدينة    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    وزير الصناعة والثروة المعدنية يبحث الفرص المشتركة في صناعتي الطيران والأقمار الصناعية مع قادة شركة "إيرباص"    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    قصف عنيف بين الهند وباكستان عند خط المواجهة في كشمير    خالد بن سلمان يبحث مع بن بريك مستجدات الأوضاع في اليمن    في ختام الجولة ال 30 من دوري روشن.. كلاسيكو يجمع النصر والاتحاد.. ومهمة قصيمية للهلال والأهلي    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    كبير آسيا    8.4 مليار تمويل سكني    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    تسري أحكام اللائحة على جميع الموظفين والعاملين.. إجازة "فحص المخدرات" بما يتناسب مع طبيعة العمل    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    المرور: الالتزام بقواعد السير لحياة أكثر أمانًا للجميع    موقع حائل الاستراتيجي ميزة نسبية يجذب الاستثمار    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    دشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام.. أمير تبوك: القيادة الرشيدة حريصة على تعزيز جودة الحياة واحتياجات المجتمع    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    «سفراء» ترمب في هوليوود    "البحوث والتواصل" يشارك في المنتدى الصيني - العربي    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    «أخضر الصالات» يعسكر في الدمام    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإجماع الوطني السوري على المؤسسة الرئاسية يضمن التحولات الاجتماعية والاقتصادية . المجتمع المدني هو المعادل السياسي لمحاربة الفساد والاصلاح
نشر في الحياة يوم 02 - 08 - 1999

تشهد أوساط النخبة السورية جدلاً على تنامي مؤشرات عملية تغيير محتملة في سورية، والأشكال الأساسية التي يمكن ان تأخذها. واذا كانت النخبة الشابة التي تنتمي الى الادارة السورية او الى محيطها تبدو هي المهمومة باحتمالات هذه العملية، فان هذا الجدل يعبر عموما عن احساس مجمل شرائح النخبة السورية وعلى مختلف الوان طيفها السياسي بضرورة هذه العملية وأولويتها.
وقدم جوزف سماحة "الحياة" 14 و15/5/1999 مقطعاً لحدود هذا الجدل وآفاقه، يغطي بشكل مكثف ومتوازن بعض الوان طيفه وزوايا اساسية فيه. وعلى رغم ان العنوان الاساسي لهذه العملية المحتملة يتلخص بمبدأ "التغيير ضمن الاستمرارية" كما شخص سماحة، فإنها تنطوي على احتمال هيكلة جديدة شاملة للادارة السورية، اصطدمت وما زالت تصطدم ببعض شرائح الطبقة الادارية المسيطرة، التي تصادر اي نقد يطالها بدعوى زعزعته ل"الاستقرار". ولعله من المستحيل توصيف عملية التغيير المحتملة، واشكالها الممكنة من دون فهم طبيعة تشكل هذه الطبقة، والتحديد "العلمي" لعوامل ترهلها وتقادمها.
التفوق والاخفاق
تبدو الادارة السورية محكومة بسيطرة هذه الطبقة التي حكمت العقلية الوصائية الاوامرية - وهو ما تتميز به انماط التخطيط المركزي الشامل - آلياتها، وتميزت بما تميزت به رصيفاتها في تلك الانماط من طابع "دولي" أي أن مركزية الدولة وتحكمها بالانشطة الاجتماعية المختلفة كانت نقطة تبلورها. ونمت هذه الطبقة بشكل أساسي في السبعينات طرداً مع تدفق ايرادات ضخمة الى سورية أدى تسارع تدفقها أحياناً الى اقامة مشاريع لم ترد اساساً في الخطة، وذلك في سياق بناء ما سمي ب"القاعدة الاقتصادية المتينة" التي تقوم استراتيجيتها على بناء الهياكل الارتكازية في الاقتصاد والممثلة بالقطاع العام. وهي المرحلة التي تسمى اقتصادياً بمرحلة التراكم او النمو التوسعي تحقيق النمو عن طريق الاستخدام الكمي لعوامل الانتاج من ارض وعمل ورأسمال واستحداث او تنظيم.
وعلى رغم ما شاب هذه المرحلة من اعتباط وتشوهات، وبناء مشاريع على أساس دراسات مستعجلة لا تستند الى معطيات اقتصادية وفنية دقيقة، بدأت هذه الطبقة تواجه ابتداء من اواسط الثمانينات عقبات متزايدة في تجاوز هذا الحد "الضخم" من النمو والانتقال الى ما يسمى اقتصاديا بالنمو المكثف الذي يقوم بشكل أساسي على اطلاق عامل الاستحداث النوعي الشامل على مختلف المستويات التقنية والادارية والقانونية، ويتطلب بالضرورة التحرر من العقلية الوصائية الاوامرية ومزيداً من المبادرة والابداع. بكلام آخر، تفوقت الطبقة البيروقراطية نسبياً في مجال تشييد الهياكل الارتكازية أو "القاعدة الاقتصادية المتينة" أي اساسات مرحلة النمو التوسعي، إلا أنها اخفقت اخفاقا ذريعا في مجال الاستحداث والادارة. وهو النجاح التشييدي والاخفاق الاداري الذي يميز بشكل نموذجي اقتصادات التخطيط.
القطاع العام
أخذ الجدل في أواسط الثمانينات شكل الاستقطاب الصاخب تسربت معه الى الوسط السياسي السوري اصداء شبه انقسام في اوساط الطبقة البيروقراطية العليا، بين من يمكن تسميتهم تجاوزاً بنوع من "الليبراليين الاقتصاديين" وبين المعارضين لذلك النوع الملتبس من "اللَبْرلة". ارجع "الليبراليون" ومرة أخرى تجاوزاً مأزق البنية الاقتصادية الى عدم تلاؤمها مع آليات اقتصاد السوق، وطرحوا فكرة اخضاع اعادة الانتاج الاجتماعية نسبياً الى تلك الآليات، بما يعنيه ذلك من القيام ببعض اجراءات "الخصخصة"، وظهر "الليبراليون" في ذلك وكأنهم يتبنون مفهوما للقطاع العام يقوم على الدور الفاعل وليس على الدورالقيادي. وهو ما اعتبره المعارضون ل"اللبرلة" انه محاولة تنطوي على بيع القطاع العام، وتمسك هؤلاء بالدور القيادي للقطاع العام مع اعترافهم بضرورة تطويره وفق اهداف ووسائل قانونية وادارية وسياسية واجتماعية تسمح بتأطير السوق ووضعه في خدمة الانتاج الاجتماعية. وتسربت اصداء معارضتهم في شكل دعوة لاحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" للمبادرة وتعزيز موقفهم.
التخصيص الضمني
يمكن القول من دون الغرق في تفاصيل "اقتصادوية" ان ما يمكن تسميته ب"التخصيص الضمني" او "المبطن"، كان نوعاً من حل وسطي توفيقي للخروج من حال الاستقطاب تلك. وما لا شك فيه ان الانقسام - وان امتزج بعوامل استقطاب اخرى مركبة تتعلق بالصراعات النمطية بين اطراف الطبقات البيروقراطية في اقتصاديات التخطيط المركزي - فإن جذوره كانت موضوعية، وتتعلق بالتحول من النمو التوسعي الى النمو المكثف. وخرجت الطبقة البيروقراطية من انقسامها بذلك الحل الذي يعتمد خطوات تدرجية تتجنب آلام وهزات الاصلاح عن طريق الصدمة، وفق "وصفة" البنك الدولي، التي كانت دائرة صنع القرار السياسية في سورية تراقب عن كثب مفعولاتها "الاضطرابية المتلاحقة" في اكثر من بلد عربي. وكان مجيء حكومة محمود الزعبي العام 1987، وهي أطول حكومة في سورية عنواناً لذلك التحول الضمني من الاقتصاد المركزي التخطيطي الى اقتصاد السوق. وتجمد في هذا التحول العمل بالخطط الخمسية التي استبدلت بالموازنات السنوية كاطار لتخصيص الاستثمارات والقرارات.
إن أزمة الاقتصاد السوري التي ينكرها بعض اطراف الطبقة البيروقراطية، ويفضل استخدام تعبير مشكلات وعوائق بدلاً عنها في نوع من تدليس على الواقع هي وليدة هذه المرحلة الانتقالية، التي يخضع فيها الاقتصاد الى "تخصيص ضمني" وفق مستلزمات اقتصاد السوق في الوقت الذي تغيب فيه الاطر القانونية الادارية والسياسية التي تضمن عمل آلية عمله. ففي عملية التحول او الانتقال تلك تتشابك حالتا الهدم والبناء، وعملية الهدم اسهل وأسرع بكثيرمن عملية البناء.
لا يمكن في الواقع حل مشاكل الفترة الانتقالية بين عشية وضحاها. فهي تمتد في سورية وتكثر آلامها، وتصب محصلاتها في محصلة العلاقات المستورة بين ما يمكن تسميته بشرائح "الاغنياء الجدد" في البورجوازية البيروقراطية، الذين تعرضت بعض رموزهم حديثاً الى التطهير وبين القطاع الخاص الطفيلي الذي لا يملك من مفاهيم السوق سوى مفاهيم "الجشع" والبحث عن الربح السريع. وما حدث في اطار تلك الفترة هو تحول جزء من "الاغنياء الجدد" في الطبقة البيروقراطية الى رجال اعمال من خلال الورثة العائليين او الواجهات، والذين يديرون استثمار الاموال "المشفوطة". وتمكن هذا الجزء "الهباش" من ايجاد غطاء بيروقراطي لتفريغ قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 من مضمونه واهدافه واشتراطاته، واستخدامه كغطاء لنوع من "تبييض الاموال" في اطار "قانوني". ولعل هذا بعض ما عناه الرئيس حافظ الاسد في كلمته امام مجلس الشعب في مناسبة اداء القسم الدستوري 11/3/1999 بضرورة "اعادة النظر في قانون الاستثمار لإزالة الثغرات التي حالت دون الافادة القصوى منه، وتوفير استثمارات جديدة". فلم يحقق هذا القانون فعلياً اي انعاش للفئات الوسطى السورية التي شكلت تاريخياً رافعة النشاطات الاجتماعية والسياسية والثقافية الزاهية في تاريخ سورية الحديث، التي وصل اصلاً "حزب البعث العربي الاشتراكي" في سياقها الى السلطة في 8 آذار مارس 1963.
تدهورت الفئات الوسطى السورية مادياً ومعنوياً، وتعرضت الى افقار شديد اوصل بعض شرائحها الواسعة الى درجة "المعدمين" في سياق ازدياد حدة الاستقطاب الطبقي، وغياب أي سياسة حكومية فعّالة لانعاش وضعها وضخ الحيوية فيه، وهي السياسة التي تتطلب اصلاحات مركبة ولا تقبل الحل إلا على المستوى الماكرو - اقتصادي أي على مستوى الاقتصاد ككل وليس على مستوى المنشأة.
"التعيش" و"العيش"
تشكل مرحلة النمو التوسعي المنطلق الاساسي في تكوين الطبقة البيروقراطية، وانسلاخها عن جذورها الشعبية. واذا كان الفساد سمة ملازمة للبيروقراطية أينما وجدت، فإنه لم يصل في التاريخ السوري الى اقصى درجات "اكتماله" كما وصل اليوم، الى درجة ان الرئيس الاسد وضع مكافحته أولوية أولى. وارتبط هذا الفساد على نحو محدد بالطبقة البيروقراطية التي استغلت الوظيفة الحكومية العامة للاثراء. ودفع النمو الملحوظ لفساد هذه الطبقة في أواسط السبعينات الرئيس الاسد الى تشكيل "لجنة الكسب غير المشروع" التي اصطدمت بنفوذ تلك المنطقة و"ايديها الطويلة".
وعبر الرئيس الأسد في حوار خاص مع مثقف سوري "مستقل" يحظى باحترامه، ضمن لقاءات الرئىس الخاصة مع بعض المثقفين، عن نقل هذه الطبقة "الجديدة" الاستقطاب الطبقي الى داخل الحزب، وجعلها الحزب الواحد حزبين. واذا كانت التجربة السورية تميزت بدفع خاص من الاسد على مدى عقدين كاملين حساسين واجه فيها البلد اخطاراً جدية، وكان انطفاء السياسة واضعاف المجتمع المدني من بعض مفعولاتها بورشات نقد جذرية لنفسها، كانت السهام توجه فيها باستمرار الى الفساد في بعض شرائح هذه الطبقة، فان هذه الورشات تجمدت منذ مطلع التسعينات بفعل عوامل عديدة داخلية واقليمية ودولية مركبة، فرضت نوعاً مما يمكن تسميته بموقف "انتظاري". وتكمن المفارقة هنا في ان مرحلة الركود تزامنت مع التحول من النمو التوسعي الى النمو المكثف الذي كان يتطلب بالضرورة المبادرة والابداع، وهي نوع من مفارقة سورية.
استثمرت الشرائح المتنفذة من الطبقة البيروقراطية المسيطرة على مفاصل الادارة السورية، تلك العوامل المركبة والضاغطة في تجميد عملية المراجعة الجذرية وتعطيل آلياتها. وحدث على خلفية جمودها نفسه في مواقع الادارة ما يمكن تسميته بتجفيف دورة أساسية من دورات حيوية الادارة وتجديدها بدماء الاجيال الجديدة التي تبحث عن ادوار لها، وهي دورة دوران النخبة التي وصلت معدلاتها الى ادنى درجة في التسعينات. وأدى هذا الجمود الى تعزيز العقلية الوصائية الاوامرية من حيث يفترض النمو المكثف التحرر منها، واستكملت الطبقة البيروقراطية تطورها كطبقة مميزة مسيطرة حتى على المستوى العمري، وبات منهجها الفعلي هو "التعيش" من الادارة وليس "العيش لها"، وفقدت حافز التغيير والاستحداث والمبادرة والمسؤولية، الذي أشار اليه الرئىس الأسد في كلمته امام مجلس الشعب، حين تحدث عن "من فقد الشعور بالمسؤولية فقصر أو اهمل أو أساء، والدولة لا تستطيع النهوض في ظل استمرار هذه الحالات".
سؤال الآفاق؟
كي لا ندخل في حوار الطرشان، ونتحدث عن "سر شائع" بلغة مواربة تضلل اكثر ما تعبر، فإنه من غير الممكن في ظل قوانين القوى السائدة في المنظومة الاجتماعية السياسية - الادارية الراهنة، تصور أي عملية تغيير ممكنة او محتملة اذا لم تصدر عن المبادرة الذاتية للادارة السورية نفسها في عملية اعادة الهيكلية الشاملة في كل القطاعات. وتصدر مؤشرات هذه المبادرة اليوم عما يمكن تسميته اجرائياَ ب"فريق اصلاحي" شاب قيد التكون تلقى تكويناً عصرياً وتحكمه حوافز المبادرة. ويتألف بشكل اساسي من اكاديميين شباب، يقولون "تعويم" تطلعات الدكتور بشار الأسد نجل الرئيس السوري، في اولويات الاصلاح الشامل للبنى المؤسسية الراهنة وتحديثها وعقلنتها في ظل "الخيمة الرئاسية" التي تظلل الجميع وتتمتع استراتيجيتها السياسية الوطنية باجماعهم، وتكون هذه الأولويات اطاراً برنامجياً محتملاً لخيار تحديثي مستقبلي سوري، ينبع من خيارات وطنية سيادية على عتبة متغيرات واستحقاقات وشراكات اقليمية ودولية جديدة متعددة الأبعاد والمجالات والمفعولات بدءاً من تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى مع مطلع عام 1998، واقتراب موعد تنفيذ التزامات الشراكة الاوروبية - المتوسطية وصولاً الى تطبيق منظمة التجارة العالمية التزاماتها على الدول النامية عام 2010 كحد اقصى، فضلاً عن مصائر العملية السلمية وما يمكن ان تتمخض عنه.
على رغم الدواعي الموضوعية لعملية التغيير المحتملة، فإن مبادرتها الذاتية ارتبطت على المستوى الخاص بتبني الدكتور بشار لفكرة التغيير واطلاقها، إلا أنها ما زالت جوهرياً فكرة تفتقد الى آليات مؤسسية تؤطرها وتترجمها الى خطوات شاملة، وهو ما أثار ولا يزال يثير سؤالاً عن مدى قابلية النسق الراهن للإدارة السورية على استيعاب تلك الفكرة وتأطيرها في ظل استمرار الطبقة البيروقراطية؟ غير ان اطلاق فكرة التغيير ادى الى صورة اخرى في دمشق تفاجئ أولئك الذين يحملون عنها انطباعاً خاطئاً من انها "مجتمع حكومي مقفل"، فقد بات بامكان الجمهور ان يستمع الى محاضرات جريئة عن آلية تلك الطبقة وعن ظاهرة الفساد الحكومي والاداري، واخذت الصحافة السورية بدفع من نجل الرئيس تنشر ملفات ساخنة ومتواترة عن هذا الفساد ورموزه في الشريحة "الفاسدة" من الطبقة البيروقراطية و"ذرياتها".
إلا أن توقف مكافحة الفساد عند اجراءات متفرقة قد تؤول بها موضوعياً الى إدارة له، إذا لم ترتبط بعملية اصلاح متكاملة، وتستمد اجراءات نجل الرئيس أهميتها من ارتباطها بتلك العملية المحتملة. واذا كان المعادل السياسي لعملية الانتقال من النمو التوسعي الى النمو المكثف الجارية في سورية هو المجتمع المدني، ولا يمكن انجازها بمعزل عن احياء هذا المجتمع وتعزيز استقلاليته النسبية عن جهاز الادارة واطلاق آلياته، فإن الفساد الحكومي يمكن ان يستشري في ظل غياب مؤسسات هذا المجتمع وتوفير الاطر القانونية التي تضمن عقلنة البنى المؤسسية وتحديثها، ولا يمكن في هذا السياق للمرء إلا أن يطرح ضرورة وضع مسائل الاصلاح الاداري في سياق اشمل يتخطى العقلية "الاقتصادوية" وهو الاصلاح السياسي الشامل الذي يوازن بين مقتضيات الاستمرارية والتغيير. وهو الامر الذي لا يمكن تصوره بمعزل عن ايجاد اطر مؤسسية قانونية فعالة للمشاركة السياسية في مرحلة "الموجة الديموقراطية الثالثة"، أي لا يمكن بالتالي تصوره بمعزل عن احياء المجتمع المدني وضمان تشكيل مؤسساته الاجتماعية والسياسية العصرية المستقلة نسبياً عن الدولة، بما في ذلك اصدار قانون عصري للأحزاب والجمعيات والمطبوعات وتشكيل مرصد وطني لحقوق الانسان والاعتراف بأحزاب معارضة تعمل في الاطر الدستورية، وهو الذي يتيحه الدستور السوري المعمول به ولا يتعارض معه. وربما يتطلب ذلك حواراً وطنياً واسعاً يتعاقد فيه السوريون على ميثاق وطني جديد يعيد النظر بميثاق "الجبهة الوطنية التقدمية" ويزيل احتقانات الماضي بالتطلع الى المستقبل، في ظل اجماعهم الوطني على المؤسسة الرئاسية وسموها الوطني، وسياستها في ان تكون سورية لكل ابنائها كما يكون كل ابنائها لها.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.