معرض قد يبرر وحده السفر إلى لندن خصيصاً هذا الصيف... إنه معرض الفن الفارسي في العهد القاجاري الذي يفتتح اليوم الثلثاء في بروناي غاليري، ويقدم للمرة الأولى في أوروبا مجموعة كبيرة من اللوحات التي انجزها رسامو البلاط الملكي ما بين 1785 و1925. ما هو أقوى من المظهر الجذاب، والطرق الفنية القديمة، ان يجسد المرء في هذا الفن اسلوب حياة: كيف كان مجتمع يرى نفسه ويعرض خصائصه للعالم الخارجي؟ لقد تطور فن الرسم الكلاسيكي من المنمنمات في العصر الصفوي إلى مساحات شاسعة ولوحات كبرى لا تضيق بمحتوياتها، ولا تتردد في الاعلان عن مزايا مواضيعها... الرسم وصل في العهد القاجاري إلى أداة الافصاح عن الشخصية، ولو ان هذا ظل محصوراً في نطاق النظام، إلا أن ما نراه في هذه الفترة هو بداية الفن السياسي في كل عمومياته وبساطة طرقه في التأثير والاعلان. لقد تحول القاجار من قبائل تركية محاربة إلى أصحاب دولة بعد انتهاء أسرة الزند. واستخدم مؤسس الحكم أقا محمد 1785-1797، بعد توحيد القبائل، الصورة وسيلة لتأكيد شخصية النظام، إلا أن خليفته فتح علي شاه استغل امكانات الفن في التأثير والإبهار للتركيز على صورته الشخصية. فتجاوز الرسامون، وعلى رأسهم ميرزا بابا، ما كان معتاداً، وانتقلت الابهة إلى الاسلوب وطرق التنفيذ... فتطورت اللغة التعبيرية إلى وسيلة للبحث عن التجديد وكان الفنان نفسه مخططاً للذوق العام. لقد بدأ العهد بنهضة أدبية ولكنها ظلت منحصرة في نطاق البلاط. انجز الرسامون أكبر عدد للصور الشخصية لفتح علي شاه، وبقي بعد انتهاء عهده ما يزيد على 25 لوحة يقدم المعرض مجموعة منها يظهر فيها جالساً على الأرض أو واقفاً في هيئة الحكم. واتبع الرسام ميرزا بابا اسلوباً تقليدياً، مستخدماً اللون البني المذهب، بينما تظهر ملامح الوجه فيها من دون تغيير بمرور الزمن. وقد جرب في بعضها تعاكس الضوء والظل، وإذا كانت الصور هنا كبيرة الحجم، فقد ظلت تتبع اسلوب المنمنمات. استعمل فتح علي شاه الصورة للتعبير عن القوة والنفوذ سواء داخل البلاط أو خارجه. فقد كان إهداء صورة الحاكم إلى أعضاء البعثات الأجنبية طريقة متبعة في العلاقات. وكان الفنان في زمن القاجار أحد الباحثين عن طرق تطوير المجتمع وتجديده. فقد كانت البلاد محاطة بصراعات في عالم يتغير بسرعة: الروس في الشمال وبريطانيا في الهند وفرنسا تسعى إلى توطيد نفوذها في المنطقة. عند عودته من رحلة إلى أوروبا، اقتبس ناصرالدين شاه عدداً من الاصلاحات التي رآها في الاقتصاد والجيش والتكنولوجيا. لكن هذا التجديد لم يشمل النظام الديموقراطي. في عهده توسعت النافذة الثقافية ليطل منها الشعر الذي يثير بطولات الماضي، والمسرح الشعبي الذي يروي قصص المجد والتضحية، ويتابع من خلاله رواد المقاهي والساحات العمومية مقارنة مع الحاضر في تطلع لصيانة كرامة الفرد والمجتمع. وكان على الفنان أن يجدد هو الآخر مقارنة مع ما رآه من لوحات شخصية لملوك أوروبا، فانعكس هذا على اسلوب تنفيذ الصورة القاجارية، إذ تخلصت اللوحات من التصنع والمبالغة. وهكذا رسم بهرام كيرمانشاهي بورتريه ناصرالدين شاه بطريقة مباشرة، حيث نراه جالساً على كرسي كأنه يواجه آلة تصوير وليس جمهوراً يهتف. فقد كانت العادة ان لا يكتفي المصور بما يراه، بل ان قيمته كانت في مستوى ما يضفي على الصورة من هالة وايحاء بالعظمة. لكن هذا الفنان اكتفى باسلوب مستمد من الايقونة الروسية، مضيفاً إلى اللوحة مسحة روحية. المعرض الذي يستمر حتى 30 أيلول سبتمبر المقبل يحتوي، إلى جانب اللوحات الزيتية الكبرى، رسوماً ومنمنمات ومخطوطات، ولم يقتصر الفنان في ذلك العصر على تسجيل هيئة الملوك والحكام في كل ما يجود به الخيال، ففي المعرض صور اجتماعية، ونساء يعزفن، وألعاب بهلوانية، ومناظر حدائق، ومشاهد طرب... ومع ذلك، نجد أن هذا الفن الذي ارتقى لفترة قصيرة كان له - إلى جانب الدعاية والاعلام - دور آخر وهو نظرة المجتمع إلى نفسه: أين يسير؟ وإذا كانت هذه الصور "منفصلة عن الحقيقة" كما قالت ليلى ديبا في الكتاب القيم الذي يرافق المعرض ، فإنها قد تكون ساهمت أيضاً في تأسيس معهد للفنون وفي تعزيز الانتفاضة الديموقراطية!