أصحاب "الزوايا" اليومية والاسبوعية والشهرية كثيرون - بحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه-. وربما كان هذا دليلا، على أن لدى كل منهم كلاماً قليلاً له "دلالة". فالأصل في أن يختار المرء لنفسه - أو يُجبَر على أن يختار - زاوية في صحيفة أو مجلة، "يُحصَر" فيها دورياً، هو أن تكون لديه القدرة على "أن يختصر" و "يفيد" في الوقت نفسه، وهذا مزيج صعب في وقت شاع فيه "الاستطراد" الضار وانتشر فيه "الاسهاب" الممل. ولقد يبدو للوهلة الأولى - وما زال هذا بادياً للوهلة المئة بعد الألف - أن ثمة تناقضاً جوهرياً، بين أن يكون حجر الأساس في مفهوم "الزاوية" الدورية هو القول المأثور "خير الكلام ما قل ودل" وبين أن يكون هناك "الكثير" من الكلام "القليل" ذي الدلالة. إلا أنه تناقض قد يحله ولو ذهنياً، القرّاءُ وبعض رؤساء التحرير بتعاملهم مع "زواياهم" المفضلة، وكتّابهم المحظيين. لقد كنت، ولا زلت أعجب بعدد قليل من الزوايا اليومية، وعدد أكثر من الزوايا الاسبوعية. وأقدّر في أصحابها قدرتهم المميزة على الاستمرار والعطاء مع الالتزام بقاعدة "المختصر المفيد". وزاد إعجابي بموهبة وقدرة المنوَّه عنهم أعلاه، عندما "ورطني" بعض "المغرضين" لأكون من أصحاب "الزوايا". فقدّر لي، أن أعاني تجربتهم الشخصية وما يتخللها من توتر ومعاناة. وأعترف بأن أصعب ما يواجه كاتب "الزاوية" المبتدئ الذي "أُقطِع" من المجلة أو الصحيفة "حيزاً" محدودا، عليه أن يملأه بلا زيادة - مع السماح ببعض "النقصان"، هو الضرورة الجغرافية التي تُحتِّم عليه أن "يُفصِّل أفكاره وعباراته"، بحيث تكون قابلة للاحتواء في هذا "الحيز" المحدود. وهذا فن صعب، يحتاج المرء إلى بعض الوقت ليتقنه. ان الافكار لا تأتي مُغلفة في "قوالب" جامدة، مربعة أو مستطيلة، والتعبير عن النفس، من الصعب أن "نحشوه" قسراً، في صناديق من الحبر الأسود. و"الخاطرة" المجنحة لا تتوقف تلقائياً عند الحواف المُدبّبَة للزوايا. ومن ثم ينشأ ذلك الصراع العنيف بين "الفكرة" المنطلقة الحرة وبين "الحيِّز" الضيق الجامد، وينخرط الكاتب في معاناة شديدة عندما يحاول الاستطراد وفي ذهنه "رُكْن" رُباعي أو مُستطيل "مشحوذ" الأطراف، يلتزم به ولا يتعداه، والا أصابته لعنة المدير الفني. ان كاتب الزاوية المقروء، هو الذي ينجح في حل ذلك الصراع - حلاً إبداعياً عندما يتقن، ولو بعد عناء، فن الكتابة في "حيِّز ضيق".