يشبّه خليجيون الثمن الذي دفعته وستدفعه اوروبا كلفة حرب البلقان وتحرير كوسوفو، بالثمن الذي تكبدته منطقة الخليج نتيجة الاحتلال العراقي للكويت ثم في حرب تحريرها، وبعدها مرحلة "اختلال التوازن". وترى اوساط خليجية ان احداً لم يعد قادراً على "دفع فواتير الصراعات"، لذلك بدأت مرحلة "التدرب على بناء الثقة بين الجميع". قُطِعت اشواط كبيرة مع ايران، ولكن مع التحرك المصري - المغربي لعقد قمة عربية "لا تستثني احداً"، مازال السؤال الملح هو هل باتت كل الدول العربية، والخليجية خصوصاً، مستعدة لمد اليد الى الرئيس صدام حسين، بعدما كانت تشترط معاودة "تأهيل" نظامه قبل الجلوس معه؟ فاتورة حربين تعتبر مصادر خليجية ان المرحلة الحالية حتى العام 2000 هي مرحلة اعادة ترتيب الأوراق اقليمياً، لتواكب "تصفية الحسابات دولياً قبل حلول القرن الواحد والعشرين". وتلاحظ ان الولاياتالمتحدة "تقبض في اوروبا الآن فاتورة الحربين العالميتين، وجاءت حرب البلقان لتدجين تطلعات الأوروبيين غير اليوغوسلاف الى الاستقلالية ورفع الوصاية الاميركية عنهم". وإذ يستمر الخلل في آلية صنع القرار الدولي، بسبب احادية القطبية، يرى خليجيون ان المطلوب اقليمياً هو مزيد من اليقظة "وليُسَم النظام الأمني الاقليمي المفقود نتيجة حربي الخليج وما بينهما، النظام العقلي لبناء الثقة وارساء صدقية للتعاون". اما الانتقال من المبدأ والعموميات الى التطبيق فيتطلب من وجهة نظرهم توسيع تشابك المصالح بين البشر في الدول المتجاورة "مما يحول دون خروج اي توتر عن نطاق السيطرة، لأن الاضرار في هذه الحال سيصعب حصرها، وحماية المصالح لا تلتقي والتوتر". وهناك من يستنتج ان المسألة بالنسبة الى القمة العربية، ليست في حضور العراق او غيابه وهل يشارك صدام او نائبه، بل تكمن في "صفاء النفوس"، فيما ترى اوساط مطلعة اخرى ان اغلاق هذا الملف رهن بشرطين: الأول "ان يعتذر العراقيون علناً لاخوانهم في الكويت كي يظهروا احساسهم بالذنب"، والثاني يتوقف على مدى اقتناع العالم بامتناع بغداد عن تطوير برامج اسلحة الدمار الشامل، او اخفائها، وبالتالي الاطمئنان الى عدم وجود احتمال لاستخدام مثل هذه الاسلحة. وتنبه الى ما طُبِق في اوروبا بالضبط التسلح خلال فترة الحرب الباردة، قد يُعتمد في المنطقة نموذج مصغر له "فلا حرب محتملة في الشرق الأوسط لانعدام القدرة على دفع فاتورتها، ولا شرق اوسطية للتعاون الاقليمي واردة خلال سنوات على الأقل"، اي الفترة اللازمة لاختبار اتفاقات سلام مع اسرائيل. بين الخليجيين يتمسك العمانيون بدعوتهم الى ايجاد آلية تستوعب الجميع في الخليج والشرق الأوسط "ضمن معايير الحدث"، ويحذرون من تجاهل اهمية ضبط ايقاع الخلافات. ويقول بعضهم وهو يذكّر بشعرة معاوية، والانفتاح على الكل، ان ليس مستحيلاً ارساء معادلة للتعامل مع ثلاثة اطراف: العراقوايران واسرائيل، ضمن تلك الآلية. ولكن هل تستوعب بغداد دروس الحظر، وتكف اسرائيل عن التمرد على مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام، وتدرك ايران ان "من مصلحتها بناء الثقة مع الجميع في الخليج، وابداء مرونة في الجزر الاماراتية". المرونة يقتضيها الوضع الاقتصادي الضاغط على حكومة الرئيس محمد خاتمي، والذي لا بد ان يجد متنفساً عبر تعزيز التعاون التجاري مع الجوار، و"تبادل المصالح لا يكون من طرف واحد". واذا كانت طهران مدعوة الى تقديم تنازلات في ملف الجزر، فبغداد مدعوة الى الاعتراف بالوقائع، ويتردد انها دخلت مرحلة "تبادل الشروط" لتحقيق المصالحة مع العرب عبر بوابة الجامعة ونوافذ اخرى. وتثار في الخليج شكوك حول جدية التحرك العراقي، وهل يتعدى الرهان على حرق المراحل. اما قضية الجزر فيُخشى انها اصبحت محكومة بالصراع الايراني - الايراني، بين تيار خاتمي الاصلاحي والمتشددين. والتساؤل الذي يكرره الاماراتيون هو لماذا لا تقبل طهران التحكم الدولي؟ … لا جواب، فيما الجميع يحصي النقاط التي يسجلها خاتمي وخصومه في الداخل، لمعرفة مجرى الرياح، ويحاول بعد حرب البلقان استكشاف النيات الاميركية الحقيقية تجاه صدام، في المرحلة المتبقية من تصفية الحسابات.