أعلن أخيراً بادي آشداون، زعيم حزب الديموقراطيين الليبراليين البريطاني، عزمه على التخلي عن منصبه خلال الصيف. وكان الحزب حصل في انتخابات 1997 على 46 مقعداً في مجلس العموم، مقابل عشرين مقعداً فقط في انتخابات 1992. ويعني هذا التقدم، في حال استمرار أزمة حزب المحافظين بسبب سياسته اللاواقعية تجاه الاتحاد الأوروبي، ان الديموقراطيين الليبراليين سيتحولون إلى قوة رئيسية في السياسة البريطانية. وإذا لم يكن الحزب أعلن رسمياً اسماء المرشحين لخلافة آشداون، فإن من بينهم بلا شك النائب منغيس كامبل. عليّ المصارحة ان كامبل، على كونه الأكثر أهلية من بين نواب الحزب الديموقراطي الليبرالي لخلافة آشداون، لن يفوز بهذا المنصب. ذلك ان سنه حالياً 57 سنة، في الوقت الذي لا يزيد فيه عمر رئيس الوزراء توني بلير على 45 سنة. من هنا فمن شبه المؤكد أن الحزب سيختار مرشحاً أصغر سناً. وقد يعني هذا ان كامبل، بمؤهلاته التي لا يشك فيها أحد، قد يتسلم منصب مفوض في الاتحاد الأوروبي. زوجة كامبل اليزابيث، وهي في الوقت نفسه سكرتيرته الخاصة، ابنة الجنرال الذي قاد فرقة المظليين في حملة ارنهيم الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية. وكان كامبل شارك في دورة الألعاب الأولمبية في 1965، وكان رئيس فريق ألعاب الساحة البريطاني فيها. وفاز عن دائرة فايف الانتخابية في اسكتلندا في 1987، وهو حالياً الناطق باسم حزبه لشؤون الخارجية والدفاع. إنه أيضاً رئيس مجلس الحزب الديموقراطي الليبرالي لشؤون الشرق الأوسط. وقمنا قبل سنوات برحلة مشتركة إلى القاهرة ودمشق وبيروت. إنه من أخلص أصدقاء العرب ومسانديهم، وبذل جهوداً كبيرة منذ سنوات لمصلحة الفلسطينيين. عن قضية العراق، الانطباع عنه كان أن الشأن الدفاعي هو العنصر الأهم في تناوله للقضية. لكنه غيّر موقفه، ونشر في صحيفة "اندبندنت" أواسط الشهر الماضي مقالاً عارض فيه بشدة موقف الولاياتالمتحدةوبريطانيا من العراق. قبل نشر المقال اقتصرت معارضة الخط الأميركي - البريطاني على اليسار العمالي الفاقد المصداقية، أما بعده، فقد كسبت المعارضة شخصية سياسية رئيسية ذات خبرة واسعة، ولها علاقات جيدة مع الوزراء العماليين. ويمكن القول حالياً إن منغيس كامبل رفع راية ستحصل على تأييد نواب من مختلف الاتجاهات. قال كامبل في بداية المقال إن "القوات المسلحة البريطانية والأميركية تشن حرباً غير معلنة على النظام في العراق. فقد حصل تغيير مهم في قواعد الاشتباك في منطقتي الحظر الجوي، اللتين اقيمتا على أساس قرار مجلس الأمن 688 المختص بالوضع الإنساني في العراق، لكن الدولتين تشنان حملة استنزاف ضد أنظمة الدفاع العراقية والبنية التحتية العسكرية تتجاوز بكثير أهداف منطقتي الحظر الجوي". وينتهي كامبل إلى القول إن "القوة العسكرية هي وسيلة وليست سياسة. ولا تبرير لها إلا عندما تأتي لخدمة سياسة واضحة وهدف استراتيجي. لكننا حتى الآن لم نرَ وزيراً أمام البرلمان يقدم لشعب بريطانيا تفسيراً متماسكاً معقولاً للسبب الذي يخاطر من أجله طيارونا بحياتهم". لا يتعدى منغيس كامبل في مقاله، وأيضاً في كلماته إلى البرلمان بعدها، ما يقوله الكثيرون من الخبراء في الشؤون العربية والعسكريون والديبلوماسيون السابقون. ويمكن القول إن مجلس العموم لا يزال متأخراً بأشهر عن ركب الكثيرين من خبراء الدفاع والشؤون الخارجية، الذين يرون ان عملية "ثعلب الصحراء" كانت وتبقى خطأ. كما ان موقف كامبل يبين تقارباً مع آراء أعضاء نافذين في الحزب الديموقراطي الليبرالي الذين يرفضون موقف الحكومة. من هؤلاء اللورد ديفيد ستيل الرئيس السابق للحزب، الرافض للتأييد الأعمى الذي تحظى به سياسة كلينتون - بلير تجاه الشرق الأوسط. ولا شك ان سجل الحزب الديموقراطي الليبرالي في ما يخص السياسة تجاه الشرق الأوسط أفضل من سجل العمال أو المحافظين. يدرك منغيس كامبل أن البنتاغون الآن في موقع السيطرة، وأنه يستشير لندن، لكن من دون مساهمة مهمة من هذه الأخيرة في صوغ السياسة تجاه العراق. ويرى أن "العمليات الحالية في أجواء شمال وجنوب العراق تدور في فراغ"، وان "الافتقار إلى المعلومات من جانب الحكومة يعني ان المعرفة بالاستراتيجية تجاه العراق تقتصر على الدوائر العسكرية العليا من دون سواها". ويشعر بالقلق من أن "المناورات السرية الحالية تضرّ بالديموقراطية البرلمانية". إنها لائحة اتهامات قوية، وهي تستمد قوة إضافية من تجنبها المبالغة. مع ذلك، فإن موقع رئيس الوزراء بلير حالياً من القوة بحيث يمكنه صرف اعتراضات كهذه بسهولة، مستعملاً عند الضرورة الغالبية الساحقة التي يتمتع بها حزب العمال في مجلس العموم، لكن السياسة، كما نعلم، مثل نهر التيمس في التراوح دوماً بين المد والجزر. * سياسي بريطاني، نائب سابق عن حزب المحافظين.