عندما استخرجت السيدة نور باخشب سجلا تجاريا باسمها في 1977 لم تكن الأوساط الاقتصادية السعودية آنذاك تعي أن هذه الخطوة ستكون الأولى في مسيرة الألف ميل التي قطعت فيها سيدات الأعمال السعوديات في الوقت الحاضر آلاف الخطوات تمثلت في وجود نحو عشرين ألف سجل تجاري مستخرج بأسماء سيدات سعوديات في جميع المناطق السعودية. وعلى رغم أن هذا الرقم لا يمثل سوى 8.5 في المئة من إجمالي السجلات التجارية المستخرجة في السعودية للإناث والذكور على حد سواء، إلا أنه يبين فقط عدد سيدات الأعمال اللاتي يعملن بصفة مستقلة، إلا انه يتضاعف بنحو ثلاث مرات أو أكثر في حالة احتساب السيدات اللواتي يمارسن أعمالهن من خلال شركات عوائلهن من آباء وازواج مثلا، اضافة الى وجود عدد كبير من السيدات يعملن من منازلهن من دون استخراج تراخيص لهذه النوعية من الاعمال والتي لم تجد تصنيفاً في وزارة التجارة السعودية. وشهد قطاع سيدات الاعمال في السعودية ايضا خلال العشرين سنة الماضية تطوراً في المجالات التي تمارسها المرأة، فبعدما كانت تنحصر في الملابس وأدوات التجميل والاكسسوارات، دخل البعض في مجالات اخرى مثل المقاولات والدعاية والإعلان والخدمات الطبية وما الى ذلك، مع اقتحام عدد محدود من السعوديات للقطاع الصناعي في الفترة الاخيرة. وعلى رغم النمو الذي يشهده هذا القطاع الا ان هناك نشاطات اقتصادية لا تزال تفتقر إلى الاستثمارات النسائية فيها مثل المجال الزراعي التي تنعدم فيه هذه النوعية من الاستثمارات، اضافة الى ندرة الاستثمار في القطاع الصناعي من قبل السعوديات. ويؤكد اقتصاديون وصناع سعوديون أن دخول المرأة في مجال الاستثمار الصناعي سيسهم بدرجة كبيرة في تشغيل الايدي النسائية العاملة على اختلاف طبقاتهن الاجتماعية والثقافية ودرجة تعليمهن، الا ان سيدات الاعمال في المقابل يجدن ان مثل هذه الاستثمارات تحتاج الى دعم رجال الاعمال نظراً لقدرة هؤلاء على تسيير دفة العمل الصناعي بصورة أيسر وأكثر مرونة. واقترحت سيدات اعمال ما اطلقن عليه "المشاركة في المشاريع" وتتلخص في ان يتم انشاء مشاريع صناعية على اساس مشاركة رجال وسيدات الاعمال في السعودية. ويمكن لهذه النوعية من المشاريع ان تعتمد على رؤوس الاموال المشتركة بين رجال وسيدات اعمال معاً، فيما يتم توزيع العمل على الجانبين بحيث يقوم رجال الاعمال بالمهام التي تتطلب وجودهم، مقابل ان تدير السيدات العمل كونه يعمل بكوادر نسائية. وفي الوقت الحاضر تمثل السعوديات العاملات في القطاعات الاقتصادية المختلفة نحو 12 في المئة من اجمالي حجم العاملين السعوديين، وينتظر ان ينمو هذا الرقم مع بداية القرن المقبل نظراً الى زيادة عدد الطالبات المنتظر تخرجهن من الجامعات السعوديات السبع، إذ يُقدر عددهن بنحو 70 الف طالبة. وحسب آخر تقديرات وزارة التخطيط السعودية، فإن العمالة النسائية السعودية تنمو بنسبة 4.8 في المئة سنوياً في مقابل 3.9 في المئة فقط للذكور. وتعد كلية الاقتصاد والإدارة التابعة لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة من اوائل الكليات التي فتحت ابوابها امام الفتيات السعوديات في مطلع الستينات الميلادية، وترتبط التخصصات التي تدرسها طالبات الاقتصاد والادارة مباشرة بعالم الاعمال، اذ تضم كلاً من علم الاقتصاد وادارة الاعمال والادارة العامة والمحاسبة. وتبرر غالبية سيدات الاعمال السعوديات عدم اقتحامهن مجالات اقتصادية جديدة واقتصار غالبية اعمالهن على النشاط التجاري المتعلق بالمرأة، إلى جانب مشاغل الخياطة النسائية وصالونات التجميل، بأن هناك الكثير من العقبات الاجتماعية والادارية وغيرها تعترض طريقهن في سبيل الوصول الى نجاح او طموح ما، بل ان العديد من السعوديات اللاتي يبدأن في تأسيس مشروع اقتصادي معين سرعان ما يصيبهن الاحباط في منتصف الطريق ما يجعلهن ينسحبن قبل مواصلة المشوار. ومن اهم العقبات التي تواجهها سيدة الاعمال السعودية وجوب اختيار وكيل شرعي لها سواء من الاقارب او من غيرهم لمتابعة الاجراءات الخاصة بالعمل في الادارات الحكومية المختلفة، اذ لا تتمكن المرأة من القيام بذلك بنفسها بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحظر عليها مخالطة الرجال. وتأتي مشكلة المواصلات في المرتبة التالية التي تعيق حركة المرأة السعودية فهي لا تتمكن من قيادة السيار اضافة الى صعوبة استخدامها للمواصلات العامة. وتطالب السعوديات اللاتي يمارسن العمل الخاص بوجوب انشاء اقسام نسائية في الدوائر والمصالح الحكومية ذات العلاقة بأعمالهن مثل وزارتي التجارة والصناعة والغرف التجارية المختلفة. من جهة ثانية، تعتقد نسبة كبيرة من سيدات الاعمال ان المطلوب لتوسيع قاعدة هذا القطاع وابراز الموهوبات من السيدات فيه هو اعطائهن بعض الأدوات المناسبة والمتمثلة في تدريبهن وايجاد خلفية جيدة عن كيفية تأسيس المشاريع الاقتصادية المختلفة لديه، اضافة الى انشاء مراكز للتدريب والمعلومات تتيح لهن المشاركة فيها ليستطعن من خلاله الحصول على كل ما يحتجن اليه الى تطوير اعمالهن. ولعل تنظيم وفد تجاري نسائي من قبل القسم التجاري في السفارة الاميركية في السعودية نهاية نيسان ابريل الماضي، من بين أحداث قيمة واكبت اقتحام المرأة السعودية عالم الاعمال والاقتصاد، اذ اشتمل البرنامج الذي انضمت اليه نحو 30 سيدة اعمال سعودية، زيارة مدينتي شيكاغو ونيويورك ومقابلة عدد من المسؤولين في الشركات الاميركية حسب تخصص كل سيدة. وأبرمت السيدات المشاركات في البرنامج عدداً من الصفقات التجارية مع شركات اميركية تضمنت الحصول على وكالات وتوقيع عقود استيراد لسلع متنوعة من اهمها الملابس والاكسسوارات، اضافة الى اتجاه البعض الى التفاوض مع شركات المعدات والمكائن الصناعية لاستيراد النوعيات التي تناسب مصانع صغيرة او متوسطة الحجم تعمل بكوادر نسائية في مجال الملابس وصناعة الحلويات وخلافها.