وزير الداخلية يلتقي القيادات الأمنية في منطقة جازان    وزير السياحة يؤكد على أهمية توجيه المنتجات والعروض إلى السياحة الداخلية    تتويج رونالدو بلقب «هداف دوري روشن»    بعد تراجع عدة جلسات.. "تاسي" يعاود الارتفاع    رئيس "سدايا": دعم ولي العهد توجنا بجوائز "WSIS +20"    تكليف اللواء الطيران الركن سلمان الحربي وكيلاً لوزارة الدفاع للشؤون الإستراتيجية    وقف احتراف الحراس الأجانب في دوري الدرجة الأولى    الوصل يهزم العين برباعية قاسية في قمة مؤجلة بالدوري الإماراتي    ضبط مواطن بتبوك لترويجه مادتي الحشيش والامفيتامين المخدرتين    "السجون" تدفع ب 283 مجنداً بالحدود الشمالية    أكاديمية الإعلام السعودية توقع 4 اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجالات المحتوى الرقمي    إعلان نتائج جائزة الباحة للإبداع والتميز في دورتها التاسعة    جامعة الفيصل.. نموذج في التعليم الجامعي    رفع الطاقة الاستيعابية لقطار الحرمين السريع لموسم الحج    أمير منطقة نجران يستقبل رئيس نادي الأخدود ويحثّ على الاستعداد الجيد للموسم المقبل    بدء رحلات جوية بولندية إلى المملكة    اللجنة الوزارية تثمن اعتراف إسبانيا بدولة فلسطين    الشورى يقر إنشاء مطارات منخفضة التكلفة حول مدينة الرياض    أمير الشرقية يتفقد إدارات بالإمارة.. ويدشن مبادرة «ليالي حاتم»    أمير حائل يرعى حفل خريجي التدريب التقني والمهني    فهد بن سلطان يؤكد على دور برامج الإصلاح والتأهيل للسجون    «بينالي الدرعية» للفن المعاصر.. تختم النسخة الثانية    «الأمر بالمعروف» تسخِّر الذكاء الاصطناعي لخدمة الحجاج    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينهي معاناة سبعيني من تضيُّق الصمام الأورطي بدون جراحة    استئصال ناجح لورم بالكلية اليسرى في مستشفى المواساة بالرياض    نجاح زراعة أول سماعة عظمية إلكترونية لطفلة    مدرب الهلال جيسوس يتسلم جائزة أفضل مدرب لموسم 2023-2024 في دوري روشن    60 مبادرة رئيسية ومصاحبة بالمسجد النبوي    الاستثمارات العامة العلامة التجارية الأعلى بين الصناديق السيادية بالعالم    الإسعاف الجوي في خدمة ضيوف الرحمن في ⁧منفذ جديدة عرعر‬⁩    وفد اللجنة الوزارية العربية الإسلامية يعقد جلسة مباحثات مع وزير الخارجية الإسباني    بطلا الملاكمة الروسي ديمتري والليبي مالك يتواجهان في «موسم الرياض»    ب5000 مقاتل.. أوروبا تطلق قوة «الرد السريع»    لودريان لا يحمل مبادرات جديدة.. ولا اختراق في جدار الأزمة اللبنانية    إصدار صكوك دولية ب5 مليارات دولار    الدوسري يناقش عددا من البنود خلال اجتماع الدورة 19 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب    الصحة الفلسطينية تعلن انهيار المنظومة الصحية في غزة    رابطة العالم الإسلامي تُدين مجازر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني    أمير المدينة يكرم الطلاب الحاصلين على جوائز محلية وعالمية    مع اقتراب موعدها..تعرف على غيوم الليل المضيئة    «منتدى الإعلام العربي»تأكيد على الخطاب المتوازن ومواجهة مخاطر التطور السريع    إضافة خريطة محمية الإمام لخرائط قوقل    مالكوم يواصل التأهيل قبل نهائي كأس الملك    الأرصاد: ارتفاع ملموس في درجات الحرارة بشرق السعودية    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    ولاء وتلاحم    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من استعادة بلدة أرنون إلى "صيد" الجنرالات ... ومن حال الانتصار إلى خبط العشواء العظامي
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 1999

بين استعادة اللبنانيين ودولتهم بلدةَ أرنون إلى الأراضي الإقليمية الوطنية والسيادة الوطنية رواحاً ومجيئاً، وسفراً وإقامة، ومواراة ثرى وأفراحاً، إذا سنحت هذه، وبين "صيد" الحزب اللهيين بحسب "جنرالهم" وخطيبهم الشيخ نبيل قاووق جنرالاً إسرائيلياً قائداً للألفي جندي المحتلين نحو ألف كلم مربع من الأراضي اللبنانية - بين هذا وتلك مسافة عريضة أرهق الدولةَ اللبنانية وصلُ طرفيها. فما تجمعه الدعاوة الرسمية، والأقوال المأذونة المحلية والإقليمية السورية، والبيانات السياسية والعسكرية الحزب اللهية، في باب واحد، ومعنى واحد هو "المقاومة"، قد لا يجتمع فعلاً على هذا النحو، وعلى ما يريد له الكلام الدعاوي والوظيفي. بل هو قد يتناقض.
فدخول البلدة الجنوبية الخالية من السكان، بضع مئات من الطلاب اللبنانيين، يتقدمهم أنصار حزب شيوعي أعياه اقتحام "النادي المقاوم" المنيع، واستنزفه الفصل فيما للسياسات الإقليمية وما عليها - تحت أعلام لبنانية لا يخالطها علم آخر، لا في المؤتمرات الصحافية والمهرجانات ولا في مواسم التشييع" وهؤلاء المئات يحتفلون بخليطهم الطائفي والبلداني والاجتماعي واللغوي والجنسي على قدر احتفالهم بقص شريط شائك، من غير ألغام ولا حرس، لم يلبثوا أن حسبوه جدار برلين في وسط أوروبا نووية التترس وتقليدية الدروع والقصف حتى الأسنان بل حتى الأجِنَّة وأحشاء الأرض والغابات" هذا الدخول رد الإعتبار لعامة اللبنانيين، وأكرم من لم يتخذ "تحرير" الأرض واستتباع الناس حرفة ومهنة، ولم يتستر على جواز تواطؤ بين عامة اللبنانيين وبين حكومة لا تنكر دور الديبلوماسية الأميركية وربما الأوروبية في حمل الدولة العبرية على القبول بهزيمة معنوية تتذرع بها السياسة اللبنانية إلى رفع أعلامها هي وتقديمها على "المسار الواحد" والد "المصير الواحد" والخانق.
أما العملية الأمنية على طريق حاصبيا إلى مرجعيون وهي من غير طبيعة العملية التي سبقتها بأربعة أيام في بركة جبور، فهذه أوقع فيها الجنود الإسرائيليون أنفسهم في الكمين، على قول الشيخ نعيم قاسم المفحم فلم "تستعد المبادرة" من القوات المحتلة، بحسب تعليق يردده الحزب اللهيون تلية كل أعمالهم العسكرية، بل استعادتها من عامة اللبنانيين ومن دولتهم. فقطعت العملية الأمنية، شأن السيدة جهينة النحوية، قول كل خطيب حكومي.
فلم يسع، بعدها، رئيس الجمهورية، السيد إميل لحود، التهاتف مع زائري أرنون وحاجِّها، الوزراء والنواب والأمناء العامين السابقين مثل السيد جورج حاوي، على مرأى من عدسات التلفزة ومسمع من نظارة الشاشة الصغيرة. ولا بقي في مستطاع السيد سليم الحص، رئيس مجلس الوزراء، يحوطه نواب "محافظة" النبطية ويحفونه، الإعلان عن تعبئة الإدارات في خدمة أهالي أرنون.
وتبددت آمال الطلاب في "الزحف" على جزين، على ما كانوا ينوون ويزمعون، وتحريرها. وذهب الكلام على وحدة "الشعب" و"الحكم" هباءً، شأن الكلام على انتهاج سياسة متدرجة، ومتماسكة الحلقات، تُخرج تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة من رتابة العمليات الأمنية "النوعية" والرد عليها بالقصف والتهويل.
والعودة إلى الرتابة والدَّور الحلقة المفرغة هذين، وإلى التعويل على خروج قوات العدو من الأراضي المحتلة من غير ضمان دخول الدولة اللبنانية الشرعية وغير المنقسمة الأراضي الوطنية - لا تحبط الأمل في خروج اللبنانيين من دوامة التكرار العقيم وحسب، بل تصيب مقتلاً من الإنعطاف الذي افتُرض في ولاية السيد إميل لحود الرئاسية، وفي ولاية السيد الحص الحكومية، التمثيل عليه وتحقيقه.
فإذا كان العامل الأول في الإنعطاف الداخلي هو تخوف السياسة السورية من تعاظم الدَّين العام اللبناني، ومن التبعات التي يخلفها في المالية العامة، والاستثمار، وفرص العمل، والدخول، والأسعار، والعملة، وفي الفرق بين الطبقات، والأمن العام الأهلي وهو بيت القصيد الإقليمي، فلا ريب في أن مقتضيات هذه المسائل وعلاجها هي غير مقتضيات إلحاق الدولة والمجتمع اللبنانيين في "حل عادل وشامل"، ومتزامن، وعلى حسب شروط السياسة السورية الظرفية أو الثابتة.
وإذا كانت "السياسة" الإسرائيلية في لبنان، وهي في مستوى "السياسات" الإقليمية الأخرى حسنَ حيلة وتخلص، محرجة حرجاً شديداً، فالحرج اللبناني أشد وطأة وقسوة بما لا يقاس. فدوام الإحتلال يرتب إقامة بضع مئات ألوف اللبنانيين خارج بلداتهم وأرضهم وهيئات اجتماعهم وسياستهم وأبنية علاقاتهم، إما مهاجرين داخليين في شروط المهانة والعالة والمقايضة السياسية والإجتماعية والتصدع، أو مهاجرين إلى مَهاجر أجنبية تقطف جناهم الإنساني مجاناً، وتقطعهم من منابتهم ومناشئهم أو تحيل القلة منهم جنوداً في منظمات الغلو والقتل والإغتيال.
ويرتب دوام الإحتلال الإسرائيلي دوام السياسات الرامية إلى تصديع الدولة اللبنانية، والحؤول بينها وبين القيام بتبعات السيادة والديموقراطية والنمو الإقتصادي، وهذه مترابطة وبعضها مترتب على بعضها الآخر. وكان وزير المالية السابق، السيد فؤاد السنيورة، يعزو إخفاق محاولات الحكومات السابقة الخروج من دائرة العجز المالي المسحورة، ومن فروعها المسمومة الدين العام المتعاظم، وتكلفة حماية العملة وتثبيتها، وفوائد السندات الباهظة...، إلى حوادث مثل حملة نيسان أبريل 1996، وقبلها تموز يوليو 1993، وبينهما التمديد للسيد الياس الهراوي في 1995. وهذه الحوادث، وهي أدت في كل مرة إلى هرب الودائع والاستثمارات وإلى الركود والمضاربة على سعر صرف العملة الوطنية، وكلها ترتب تكلفة مرهقة على الإقتصاد وعلى النقد - تعدها السياسة الإقليمية، وآلاتها المحلية، انتصارات قومية وديبلوماسية عظيمة.
والإضطراب في تعريف المصلحة الوطنية، وفي حدِّ السياسة الوطنية، مرده إلى نمط الدولة "الباروك" المختلطة والهجينة على شاكلة عمارة تستعمل عناصر ومواد لا تأتلف فيما بينها التي ترعى السياسة الإقليمية العربية بناءها، أو تصديعها. فحيث يمنى اللبنانيون بخسارة فادحة ترقى إلى العجز الدائم عن مباشرة حياة سياسية وطنية ومستقلة، هي شرط الإندراج في مجتمع الأمم، يحصد رعاتهم أكاليل الغار والمجد. وإذا آذنت بعض القرائن الضعيفة بانعطاف هذه السياسة صوب احتسابٍ عقلاني لمستلزمات توازن داهمة، هي من مستلزمات البقاء، دحضتها آيات قاطعة على دوام خبط لا ينتهي إلى غاية. وطلب الإجماع "الوطني" والفقهي والبطريركي على هذا، وحصل معظمه.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.