إيلون ماسك من الرياض: مستقبل الروبوتات والذكاء الاصطناعي في قلب الشراكة السعودية الأمريكية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    الشراكة السعودية الأمريكية ترسم خارطة طريق نحو مستقبل واعدٍ ومستدام    شراكة تتجدد    "واحة الإعلام" تختتم يومها الأول بتفاعل واسع وحضور دولي لافت    المملكة تطفئ نار الحرب بين الهند وباكستان    النصر يعادل الرقم القياسي في لقاء الأخدود    الاتفاق يمدد عقد الشهري موسماً إضافياً    بندر بن مقرن يشكر القيادة بمناسبة تعيينه مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    توطين الكادر التمريضي بنسبة 44 %    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران في زيارة لمدير عام التعليم بمنطقة نجران    الأمير حسام بن سعود يرعى حفل تخريج 4700 طالب وطالبة من جامعة الباحة    غزة: مجزرة في مستشفى ناصر وهجمات مكثفة على النازحين    «مجمع الملك سلمان» يفتتح معرض «ثمانية وعشرون»    تحول حجاج الخارج لشركات كيانات كبرى يحقق قفزات واضحة بالخدمات    الخارجية الأمريكية: ترمب يرى السعودية شريكا أساسيا بكل المجالات    نجران الولاء.. وقدوات الوفاء    شاشة كبيرة لهاتف Galaxy Z Flip 7    فنون أبها تحتفي ب "إلى من يهمه الشقر"    العلاقات السعودية الأمريكية.. شراكة راسخة وآفاق واعدة    فريق صُنّاع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في مهرجان المانجو في صبيا    إنفانتينو: السعودية ستنظم نسخة تاريخية من كأس العالم 2034    ملك البحرين يصل إلى الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    آل الشيخ يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة للتحذير من مخالفة أنظمة الحج والذهاب دون تصريح    مركزا لتنمية الاجتماعية في جازان ينفذ ورشة عمل "إدارة التطوع"        المعرض الدولي للمعدات والأدوات يستعرض الفرص في السوق البالغة قيمته 10.39 مليار دولار أمريكي    رئيس جمعية الكشافة يكرِّم شركة دواجن الوطنية لدعمها معسكرات الخدمة العامة    "لازوردي" تحقق 12% نموا في الإيرادات التشغيلية خلال ربع 2025 الأول بصافي ربح قدره 13.3 مليون ريال سعودي    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لنظافة الأيدي" و "الصحة المهنية"    مجمع الملك عبدالله الطبي يُعيد الحركة لأربعيني مصاب بانزلاق غضروفي ضاغط على الحبل الشوكي    تيريم يتغنى بسحر حمدالله    القبض على آربعة مواطنين في تبوك    مدير عام فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بجازان يهنئ سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه بمناسبة تعيينهما    انطلاق منافسات "آيسف 2025" في أمريكا بمشاركة 40 طالبًا من السعودية    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم الأمير فهد بن تركي    225 مخبأ سلاح جنوب لبنان والجيش يسيطر    10 ملايين يورو بين الهلال وأوسيمين    المغطّر    تجاهل كل مايؤذيك    العدل: إصدار132 ألف وثيقة صلح في عام 2024    إقرار المبادئ التوجيهية للاستثمارات الخضراء.. مجلس الوزراء: الموافقة على تنظيم هيئة الطيران المدني    الليث يطيح ببطل آسيا    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    الاستسلام الواعي    الاتفاق الأمريكي الصيني يصعد بالأسواق    "الغذاء والدواء": ثلاثة أنواع من البكتيريا تهدد السلامة    حكاية طفل الأنابيب (4)    الصين من النسخ المقلد إلى صناعة المتفوق    محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد تزيل أكثر من 719 ألف طن من الأنقاض    غرامة 20,000 ريال للحج بلا تصريح    70 % من مرضى الربو يعانون من حساسية الأنف    «الشؤون الإسلامية» بجازان تحقق 74 ألف ساعة تطوعية    تعليم المدينة ينفذ إجراءات التوظيف التعاقدي ل1003 مرشحين    ضمن مبادرة"مباراة النجوم".. القادسية يستضيف 30 شخصاً من ذوي الإعاقة    "الشريك الأدبي" في جازان: حوار مفتوح بين الكلمة والمكان    حماية مسارات الهجرة بمحمية الملك    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية "خط الفزع" لإدريس بلمليح : تحول الأزمنة الفاجعة وتباين الأمكنة
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 1999

يمكن اعتبار العمل السردي الأول لإدريس بلمليح "خط الفزع" الصادر أخيراً رواية - سيرة فردية. تداخلت فيها وقائع الطفولة في فاس مع أحلام التغيير وانكساراتها بقوة الوقائع المتحولة وبفعل الزمن الذي لم يعمل سوى على مسخ العلاقات وتعميم الانتهازية بين الأفراد. وإذ تعكس الرواية درجة التحول عبر تقابلات فنية بين شخوص وأماكن ومتخيل فني صاغه المؤلف من ذاكرته الشخصية ومن مرويات الجماعة التي انتمى اليها والى خرافاتها، فإنها تعكس أيضاً الإنكسارات التي أصابت الأفراد في فضاء أريد به أن يكون مجسداً للتحديث كما في مدينة كالدار البيضاء. ولذلك يمكن النظر الى خط الفزع باعتبارها رواية أطروحة ذات صلة باهتمامات مرحلة معينة من تاريخ وتطلعات المغاربة حيث تقلصت الأحلام بحجة الوقائع التي فرضت نفسها على القيم الجماعية والفردية.
تمثل الرواية لمرحلة ما بعد الإستقلال، ولنشأة الجيل الجديد الذي رأى في الدراسة والإلتحاق بالجامعة مدخله للإنتماء الى الوطن والمشاركة في مستقبله وفي التغييرات الطارئة. ولذلك حاول الكاتب أن يرصد هذه الرغبة منذ لحظات الطفولة التي نشأ عليها السارد، الشخصية المركزية في الحكي. ففي ضوئها تحددت علاقاته بالأمكنة، وبالناس، وبالقيم التي سار عليها. لقد مثلت الطفولة مرحلة مرجعية للحكي، في استعادة زمنها تتهيأ للرواية صورة عن الحياة الجماعية وما ساد فيها من قصص وخرافات ومن حكايات أغلبها يصدر عن خصوصية مدينة قديمة فاس أشارت الرواية الى بعض أسمائها الرمزية التي حملتها بعض الأحياء والأبواب أو الأحداث التاريخية، أو تجسدت في أنماط تعبيرية كقصائد الملحون والخرافات والقصص التي كانت متداولة بين الناس فلعبت دوراً في بناء شخصية السارد مما أظهره توالي وتعدد لحظات السرد. بالخصوص في ضوء علاقاته بالأمكنة التي كانت عنصراً مؤسساً للفضاء الروائي وللعلاقات بين شخوص الحكي ولعبت دوراً في توجيه طبيعة الفعل الروائي إجمالاً.
غير أن الرواية تتأطر في فضاءين أساسيين: فاس والدار البيضاء. لكل منهما قيم خاصة يعكسها انتقال شخوص الحكي فيهما من مكان الى آخر، وتغير أفعالهم بما يلائم بناء الأحداث والتجربة الروائية وتحديد سمات الفعل والشخصيات. فبقدر تمايزهما التاريخي واختلاف أنماط الحياة فيهما بين التقليد والتحديث، بقدر ما كانت المدينتان سبباً في تمايز مصائر الشخصيات وسيرورة الحكي. ففضاء الأولى، فاس بدئي ومؤسس للرواية، يتجاوز كونه فضاء نشأة السارد وتخييلات طفولته ليصبح مرجعاً فنياً في بناء رؤيته الخاصة المهيمنة على كل الشخوص وأحداث الحكي. وعبر الموقف من فضاء فاس بالإستعادة والهروب أو التمثيل... أو باعتباره مرجعاً يدل على الإنتماء المجتمعي ونوعية الأحلام والتخييلات المستمدة من الذاكرة وحكايات الطفولة يجعل السارد من فاس فضاء مؤسساً لرؤية الحاضر. استمراره ضرورة بالنسبة للسرد وللقيم الجماعية ومصير للأفراد. أما في فضاء الدار البيضاء فتتحول العلاقات التقليدية الى عملة نادرة، ويصبح المال والعلاقات النفعية سيدة الأفراد توجههم الى سلوك الإنتهازية وإرادة السيطرة على الآخرين.
لقد ترافق انتقال الأفراد من فاس الى الدار البيضاء بتصورهم عنها كمدينة يقصدها الباحثون عن الثراء والجاه، ولذلك سرعان ما يتحول الواقع من خلال التجارب التي اعتمدتها الرواية الى إحباطات وسخرية مريرية. سواء للعجز عن امتلاك أسباب القدرة وإرادة التغيير، أو للوصول الى القناعة بأن الواقع هو الذي يُمارس إرادته في تغيير الأفراد. وها هي القيم الأساس والأهداف الفردية الصغيرة المحلوم بها تبقى وهماً لأن المواضعات التي تقيد الإنسان السارد أقوى من كل إرادة: سواء كانت حباً تجربتان فاشلتان، والثالثة نجحت بقوة الزواج ثم الألفة، ثم عملاً مناسباً كريماً مجاز في الفلسفة يُرغم على تدريس التاريخ والجغرافيا للتلاميذ بدل مادة تكوينه الأصلية...، أو في الصداقة فقدان الأهل والفشل في الاحتفاظ بصديق لتقلبه الإيديولوجي وتبدل أهدافه ومزاجه.
الى مسار النشأة والطفولة ترصد الرواية مساراً ثانياً تحدد بحضور شخصية سعاد التي دخلت مع السارد في قصة حب أنسته الأولى ياسمين. كما تميزت بتخرج السارد من الجامعة، ولكن، بعد تخصصه في دراسة الفلسفة يعين في سلك التعليم لتدريس مادة التاريخ والجغرافيا التي بدت بعيدة عن اهتمامه والهدف الذي سعى اليه باستمرار: الفلسفة. غير أن الرواية سرعان ما دخلت بهذا المسار وبالأحداث الى طريق الغاء العلاقات التي أقامها السارد منذ زمن، مع صديقه عبداللطيف الذي أدخل مصحة العناية النفسية" بسعاد بعدما تواعدا على الزواج ووُجدت قتيلة في أحد القطارات المتجهة من طنجة الى الدار البيضاء... وإذا كان هذا المسار تميز بكثرة أحداثه وتوالي حلقات الحكي فيه يدقق البحث عن الإثارة وشحنة الأحداث بعيداً عن فاس بالخصوص، فإن المسار الثالث يخلص بالرواية الى استدارة الحكي واكتمال حلقاته بفعل إدراك السارد للاجدوى الإستمرار في مقارعة الأحداث وإرادة التغيير. ولذلك لم تعن العودة الى فاس الإستكانة الى الماضي أو الخضوع لمواضعات المجتمع بقدر ما كانت تتضمن إرادة مقاومة لاستعادة صورة عن هذا الماضي المفتقد والاحتفاظ بها رفض دفن الجدة إلا في المنزل. إن الرواية تعيد للسارد حقه في تدريس الفلسفة، تعيد لقاءه بعبداللطيف حتى وإن لفائدة النسيان، وتدفعه لأن يستكين الى امرأة أخرى يكون الحب بينهما تحصيل علاقة زواج وحمل منه.
الى ذلك تتلخص الصنعة الروائية في خط الفزع من خلال بعض العناصر الفنية:
- فهي تعتمدُ عدداً من التناقضات التي تفصح عنها وتعكسها كحالات فردية تعيشها شخوص الحكي. ولذلك قد تعتبر الرواية مشكالاً من التناقضات التاريخية والنفسية التي عاشها الراوي أو جيله بما ورثه عن جيل الآباء، السابق. فهي تعكس الانتقال من عهد تقليدي الى آخر حديث عبر فضاءات المدينة بالخصوص: فاس والدار البيضاء. ولذلك فإن الرواية تمثل جانباً من الإنهيارات المتوالية في عالم السارد. أمكنة وأزمنة وذوات تتخلى عن قيمها لتصبح العلاقات متصدعة ويتم تعويض الزائف بالأصيل، والمؤقت بالأبدي.
- تستعيد الرواية نفس الهواجس التي عبّرت عنها روايات مغربية سابقة. تحول الواقع وتجسيد ذلك في الإعتقادات والتصورات المجتمعية الناظمة لحياة الوعي والمتخيل الفرديين.
ولذلك بدا الواقعي متحكماً في مسار الأحداث وتصرفات الشخوص. بل وانعكس في استعمال اللغة وطرق تلوينها للرواية قصد استخلاص المحاورات التي تعكس التشققات الذاتية والمجتمعية. كتلوين لغة الخطاب الروائي بهجنة الدارجة المغربية أو مزجها بكلمات أو ببعض التعابير والحوارات بالفرنسية.
- نتجت الرواية عن تنويع حكائي يشتغل بقصص الطفولة والسيرة الذاتية وما رافقها من توليد استغلته الرواية في تمديد مسار الحكي. فقد كان لقصة جد الراوي مع شخصية المغنية "بريكة" أن سمح لعلاقة السارد عمر أن تتطور مع ابنتها "ياسمين"، فعلى رغم مرورها السريع بالأحداث لأن علاقتها انحصرت بالراوي ولم تنفتح على دائرة المشاركين كان تأثيرها بيّناً على سلوك وعلاقات الراوي بالمرأة عموماً.
* إدريس بلمليح، خط الفزع، رواية، نشر أفريقيا الشرق، البيضاء 1998


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.