نساء يبرمجن المستقبل    الدور الحيوي    غزة أمام مرحلة مفصلية    الخليج يتعاقد مع المهاجم النرويجي "جوشوا كينغ" والحارس اللوكسمبورغي "أنتوني موريس"    الاتفاق يعزز صفوفه بالتعاقد مع السلوفاكي"أوندريج" والموهبة الجنوب إفريقية"موهاو نكوتا"    فِي المَنَاهِجِ النَّقدِيَّةِ: المَنهَجُ التَّدَاوُلِيُّ    رئيس الوزراء العراقي يدعو لإغلاق أي مبنى لا تتوفر فيه إجراءات السلامة والوقاية    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    الكشف عن هاتف Nothin Phone 3 وسماعات الرأس Headphone 1 في خطوة جريئة للارتقاء بالتصميم والأداء والصوت    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل البرنامج التدريبي في الإسعافات الأولية    إنقاذ تسعينية بتقنية متقدمة في سعود الطبية    نجاح عملية فصل التوأم السعودي الملتصق "يارا ولارا"    القادسية يعلن رحيل هدافه أوباميانغ    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    إنقاذ مواطن من الغرق أثناء ممارسة السباحة في ينبع    فرع وزارة البيئة بحائل يستعرض فرص التعاون في التوعية وحماية الموارد    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية    نائب وزير الخارجية يلتقي المستشار الدبلوماسي لرئيسة مجلس الوزراء الإيطالي    أمير جازان يستقبل رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد    الدولار يتعافى والأسهم الأوروبية تتجاوز سلسلة خسائر استمرت أربع أيام    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    مفردات من قلب الجنوب ٤    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤنة" للتوعية بتيسير الزواج    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تنظم برنامج "إعادة التدوير من الفكرة إلى الاستدامة"    تأسيس جمعية المستقبل الصناعي غير الربحية    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    "طمية" تنظم إلى الأسطول الإسعافي بفرع الهلال الأحمر بعسير    98.7% نموا بتأمين الحماية والادخار    457 مليونا مستحقات مزارعي القمح    الأمير سعود بن نهار يلتقي المدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الغربي    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    "الأونروا": سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف في قطاع غزة    "الداخلية" و "الموارد البشرية" يوقّعان مذكرة تفاهم    تسحب اليوم بمقر الاتحاد القاري في كوالالمبور.. الأخضر يترقب قرعة ملحق تصفيات مونديال 2026    حفل يامال المثير للجدل يغضب برشلونة    السويسري"تشاكا" بين نيوم وسندرلاند    موجز    «شلة ثانوي».. مسلسل جديد في الطريق    بهدف الارتقاء بالمنتج الثقافي والمعرفي.. توقيع مبادرة "سعوديبيديا" لتعزيز المحتوى السعودي    شركة الدرعية توقع عقداً بقيمة "5.75" مليارات ريال لمشروع أرينا الدرعية    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    أصابع الاتهام تشير للفصائل المسلحة.. تحقيق عراقي في ضرب حقول النفط    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    إطلاق مبادرة لتعزيز التجربة الدينية لزائرات المسجد النبوي    تفكيك خلية خطيرة تابعة للمليشيا.. إحباط محاولة حوثية لاغتيال المبعوث الأممي    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    طبيب يقتل 15 مريضاً ويحرق منازلهم    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    أمير جازان: جهود مقدرة لهيئة التراث في تمكين الشباب    مقتل شخص وإصابة 18 جراء غارات إسرائيلية على دمشق    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف شاهين وسينما الأسئلة
نشر في الحياة يوم 17 - 12 - 1999

عرض فيلم جديد للمخرج يوسف شاهين، يثير باستمرار جدلاً عاصفاً، بين مؤيد لأفكار الفيلم ومضامينه، ومعارض الى حدود الرفض وكيل الاتهامات. وهو جدل لا يتوقف، الا بعرض فيلم جديد للمخرج، حيث يتحول الجدل اليه، وتنفتح بوابات نقاشات اخرى. والحال، ان هؤلاء وأولئك ممن يقبلون سينما يوسف شاهين أو يرفضونها، يتفقون - في الغالب - على أهمية هذا المخرج، وجماليات فنه، وهم يحصرون اختلافاتهم في الموضوعات التي يثيرها، وفي وجهات نظره في تلك الموضوعات، وما يترتب على هذه وتلك من استنتاجات أو خلاصات فكرية يمكن ان يتأثر بها المشاهد، وتسهم في توجيه وعيه، خصوصاً السياسي، في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العرب.
ومع أهمية أفلام يوسف شاهين، والموضوعات التي تطرحها - بل ووجهات نظر المخرج في تلك الموضوعات - فإننا نعتقد ان أهم ما في تلك الأفلام هو دون شك، الأسئلة التي تثيرها - والتي تتجاوز في أهميتها أية اجابات ممكنة عليها، سواء جاءت الإجابات من المخرج وأفلامه، أم من جمهور المشاهدين وما تشعله تلك الأسئلة في صفوفهم بعد مشاهدة الفيلم. ذلك ان سينما شاهين هي في الدرجة الأولى سينما الأسئلة، اكثر منها سينما الرؤى والاستخلاصات الفكرية الناجزة. والذين تابعوا مسيرة هذا المخرج الاستثنائي في السينما العربية يتذكرون قدرته على نبش ذاكرة المشاهد، ودفعه الى التحديق بعينين مفتوحتين على اتساعهما، ليدرك الخلل الفادح، المختفي خلف كل ما هو عادي ومألوف في حياته.
أول ما تعلمه سينما يوسف شاهين لمشاهدها - حقه في ان يفكر، بل ان يرى وان يسمع - في صورة مختلفة حتى عن أقرب الناس اليه وأكثرهم اتفاقاً فكرياً معه. انها سينما تسمح لشاشة وعي الذات الفردي، ان تعبر بحرية، وتلقائية عن كيفيات خاصة في استقبال هذه الحادثة أو تلك الموضوعة، دون التوقف طويلاً عند محطتي الخطأ والصواب، اذ ان الخطأ والصواب ليسا أكثر من قياسين افتراضيين ونسبيين، يختلفان - بل ويتناقضان - من شخص الى آخر، ومن زمن الى زمن يعقبه، فيما تظل الموضوعات الفكرية قابلة للتأثير - سلباً أو ايجاباً - في أذهان الناس وحيواتهم الخاصة والعامة على حد سواء. ذلك كله، يمكن ان يكون مفهوماً ومنطقياً بالنظر الى طبيعة المعالجات الدرامية التي يحقق يوسف شاهين أفلامه بها، والتي تقدم في صورة أساس على استقراءات ذاتية للمخرج ذاته. فالفيلم عند يوسف شاهين ليس تأريخاً للواقع، ولا تسجيلا لأحداثه وتفاصيله، قدر ما هو رؤية من داخل المخرج لوقائع وحيثيات وشخصيات عبرت في الحياة، وادخر المخرج صورها في روحه، كما شاهدتها روحه هو، وها هو يعود الى ترجمتها على الشاشة في السياقات الفنية التي يتصورها اكثر قدرة على التعبير وعلى التجسّد في مشاهد فنية، سوف تدفع المشاهدين - بالضرورة - الى حدين لا ثالث لهما، إما الاتفاق والإعجاب، أو الاختلاف والرفض.
وفي الحالتين سوف يشتعل النقاش ويحتدم الجدل، وتظل الأسئلة تبحث عن اجابات لها، دون ان يتوهم أحد انه يمتلك اجابات عن اسئلة لا تبحث لنفسها عن اجابات قدر ما تهدف الى اثارة الحوار في أوساط جمهور عربي يفتقد للحوار في صورة مريعة تجعله يقف حائراً مكتوف اليدين ازاء هزائمه الكبرى وخيباته العامة.
إحدى أهم الاتهامات التي يوجهها رافضو سينما يوسف شاهين، انه في كل أفلامه يحاول "مغازلة" الغرب الامبريالي، أو هو - في أحسن الحالات - يحاول تمثُّل رؤى الغرب وتصوراته للحياة. وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذا الاتهام، إلا ان ما هو ثابت فعلاً في سينما يوسف شاهين هو تركيزها الذي لا يخفى على موضوعة تتكرر في صور ومعالجات مختلفة: العلاقة مع الغرب وجوداً وثقافة، أو بالمعنى المتداول في اللغة الفكرية، الحضارة الغربية، التي تقود عالم اليوم، وتفرض في صور متعاظمة التأثر بها على كافة سكان المعمورة بغض النظر عن العلاقة التناحرية التي تربط الجنوب - ومن ضمنه الوطن العربي - بذلك الغرب، المدجج - فوق فكره وحضارته - بأشد الأسلحة فتكاً وتدميراً، وهي علاقة يرى المخرج - ونرى جميعاً معه - أنها ليست من ذلك النوع الذي يمكن تجاهله أو القفز عنه، بسبب ارتفاع تلك العلاقة الى ما يشبه الحتميات، في عالم صار، كما يقولون، قرية صغيرة، يرى كل واحد من سكانها بقية البيوت، ويشاهد من نوافذها ما يدور خلالها من حوارات وخلافات.
والأسئلة التي تثيرها أفلام يوسف شاهين تفترض النظر اليها ضمن هذا السياق، أي انها أسئلة لا يفترض بالضرورة الموافقة عليها، أو على ما يمكن ان تضمره من أفكار، بل لعل الاختلاف معها لا يقلل من أهمية طرحها بتلك الجرأة التي اعتاد شاهين وعودنا عليها وسط ركام من الانتاج السينمائي العربي البارد، وشبه المحايد في تعاطيه مع الواقع. وعلى جانب كبير من الاهمية الإشارة الى ان هذه السينما - بما تتضمنه من أسئلة وبما تثيره من جدل - تحرص أشد الحرص، على ان تقدم تلك التوليفة في أشكال فنية مبتكرة وراقية، فلا تطمئن الى نبل الموضوعات ونقاء الأفكار التي لا تستطيع وحدها ان تصنع فناً جميلاً يمكن ان يؤثر في مشاهديه أو يجذبهم الى المتابعة، فالفن الجميل هو وحده القادر على ان يكون مساحة حوار بين أطراف متعددة، متفقة أو مختلفة - لا فرق - وهو وحده الذي يمكنه صياغة تصورات واستخلاصات يمكن ان تقارب الأسئلة الكبرى في حياتنا العامة والخاصة سواء بسواء، شرط ان ننبذ عادة مشاهدة الافلام السينمائية برغبة ان نشاهد على الشاشة أفكارنا وتصوراتنا نحن عن العالم، اذ ان هذه الرغبة بالذات، تُضمر الموافقة على نتاجات فنية موحدة الأفكار والأساليب، فيما تفترض السينما فتح الأبواب على مصاريعها أمام التيارات الفكرية والأساليب الفنية، ما دامت هي الأمل في مشاركة جماعية، ولعل الراحل سعدالله ونوس أصاب كبد الحقيقة حين وصف المسرح بأنه ساحة حوار: حوار بين الممثلين أنفسهم، وبينهم وبين جمهور الصالة، ومن ثم بين هؤلاء جميعاً، وتلك الملايين التي تملأ البيوت وتعج بها الساحات وتتعطش الى الحوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.