يوماً بعد يوم يزداد عدد الأولاد المنحرفين في لبنان والأسباب باتت معروفة وتأتي في مقدّمها الحالة الإقتصادية الصعبة وعدم تأمين التعليم اللازم والعمل في سن مبكرة وغياب التوجيه الصحيح من الأهل والمدرسة. تطلق على هؤلاء الأولاد تسمية "منحرفين" وليس مجرمين تدليلاً على عدم بلوغهم سن الرشد بعد، ما يعني ان معاملتهم ينبغي ان تكون متميزة عن البالغين وليست تسميتهم فقط. لكن، حتى اليوم يُلقى هؤلاء في السجون على غرار عتاة المجرمين، ويتلقون المعاملة نفسها ويحرمون من أية نشاطات متميزة. منذ عام 1936 ولغاية اليوم حصلت محاولة يتيمة لتأهيل هؤلاء ودفعهم الى المجتمع مواطنين مستقيمي السلوك، وذلك عند تأسيس "إتحاد حماية الأحداث في لبنان" ورئيسه الحالي المحامي جورج خديج. يهدف الإتحاد الى تأهيل الولد المنحرف ومساعدته على الخروج من مشكلاته والعودة الى بيئته مستقيماً ونافعاً وصاحب وظيفة. أولاد تتفاوت أعمارهم بين ال11 وال16 سنة يحتضنهم مركزا الإتحاد في الفنار والشوف. جلّهم اقترفوا سرقات بغية العيش والإرتزاق، وأبرز مسروقاتهم أجهزة خليوي، ودرّاجات أو محفظات أموال. هؤلاء يتم توقيفهم في مخافر الدرك حيث تتلقفهم مندوبات "الإصلاحية" وتنقلهم الى المركز حيث يوضعون تحت اشراف مساعدات اجتماعيات وأطباء ومتخصصين. أبرز انحرافات الأولاد سبّبها لهم المجتمع، ومن البراهين قصة ن.ب. وهو صبي لا يتجاوز ال16 عاماً، وعي على الدنيا يتيم الأبوين ومن دون هوية، وبالتالي فلا من يعترف به ولا من يعطيه عملاً او يدخله الى مدرسة، وبعد طول معاناة لم يجد وسيلة للعيش سوى السرقة عمداً بغية دخول السجن وهو المكان الوحيد الذي يقبل استقباله! مجدي العلاّوي صديق الأولاد قال انه وجّه كتاباً الى الرئيس اميل لحود يشرح له فيه قصة هذا الصبي وآخرين سواه فوعده خيراً،.وكذلك فعلت اللبنانية الأولى السيدة أندريه لحود حين زارت الأولاد اثناء مخيم لهم. تقوم الإصلاحية بنشاطات عدة منها: المخيمات الكشفية، الحفلات الترفيهية، تنظيم رحلات استكشافية للمناطق والأماكن الأثرية وسواها ... هذه الأنشطة تريح الأولاد وتطمئنهم بعد ان يجيئوا الى الاصلاحية مضطربين ومقيّدين بالأغلال، فيتمّ استقبالهم ويعالجهم اطباء متخصصون ومساعدات اجتماعيات، ثم يخضعون لدورات في محو الأميّة ودورات مهنية اخرى على النجارة والكهرباء وسواهما ... قبل العودة الى حياتهم الطبيعية. لا يملك بعض الاولاد منازل ولا عائلات لديهم. من هنا تم استحداث "محطات انطلاق" هي كناية عن "بيوت ضيافة" في منطقة حالات ثمة محطة ستبنى في منطقة الناعمة حيث يستقبل الأولاد فيعملون نهاراً ويعودون ليلاً ليناموا. مساعدة هؤلاء تكون عينية وليست مادية. حين يبلغ هؤلاء سن الرشد يضطرون الى المغادرة ويكونون عادة خائفين من عدم تقبّل المجتمع لهم بسبب سوابقهم. بعضهم كتب مسرحيات تخبر عن طريقة توقيفهم ويتساءلون فيها: نحن أخطأنا وندمنا فهل يحق لنا اللعب والعمل كالآخرين بعد اليوم؟ أحد الأولاد أسرّ لصديق له: لو تعرفت اليك من زمان لما اقترفت كل هذه الاخطاء! يعود بعض الاولاد الى السجون وهم لم يبلغوا سن الرشد ليقضوا فترة عقوبتهم وهؤلاء يتعذبون كثيراً، إذ يلحظون الفرق في المعاملة. يبقى ان اكثر من 100 ولد يعيشون اليوم في غياهب السجون اللبنانية في ظروف صعبة ويعاملون كالمساجين العاديين. ضحايا المجتمع هؤلاء ينتظرون من يحتضنهم، لأن الإصلاحية بمركزيها لا تتسع لأكثر من 30 ولداً في الفنار و60 ولداً في معاصر الشوف، اما المئة الآخرون فمن يتحمل مسؤوليتهم؟