برنامج جودة الحياة ينفذ أكثر من 170 مبادرة لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030    النفط يرتفع 3% وخام برنت يصل إلى 62.84 دولار للبرميل    الحجيج والهجيج    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    إحباط تهريب (43) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر بجازان    الهند وباكستان تتبادلان الاتهامات بشنّ هجمات بمسيرات    وزير الخارجية يستقبل نائب رئيس دولة فلسطين    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم الملتقى العلمي الرَّابع لطلبة المنح الدِّراسيَّة    الهلال الأحمر يُفعّل اليوم العالمي للهلال الأحمر تحت شعار "الإنسانية تجمعنا"    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    الربيعة يطمئن على صحة التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا"    بعد إلغاء جولة "باها تبوك" تويوتا 2025 بطولة السعودية تويوتا للراليات تواصل مسيرتها بثلاث جولات هذا العام    دوناروما : سان جيرمان أصبح فريقا حقيقيا بدون النجوم الكبار    اللغة تسهل اجراءات مبادرة طريق مكة في إسلام آباد    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يتسلم جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية    جناح "مكة عبر التاريخ" يأسر اهتمام الزوّار في معرض "جسور"بكوسوفو    المملكة تنضم إلى اتفاقية منظمة "الفاو" لمكافحة الصيد البحري الجائر    "جامعة نايف" تحصل على اعتماد دولي لكافة برامجها التدريبية    جامعي الخبر يحصل على الاعتماد الكامل من الهيئة المشتركة لاعتماد المنشآت الصحية الأمريكية    تعليم جازان ينظم لقاءً تربويًا بعنوان رحلة التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم لمديري ومديرات المدارس    منظومة رقمية لإدارة دوري روشن بالذكاء الاصطناعي    وزارة الثقافة الفلسطينية تطلق جائزة القدس للمرأة العربية للإبداع الأدبي في الرواية العربية المنشورة    ريم العبلي وزيرة في المانيا حظيت باهتمام الناشطين العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟    قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد    إنجازان جديدان لجامعة إماراتية التنبؤ بالجلطات الدموية والعزل بمخلفات النخيل    أوكرانيا: قصف روسي لعدة مناطق رغم إعلان بوتين عن وقف إطلاق النار    أمير منطقة المدينة المنورة يلتقي وزير التعليم    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة/ جواهر بنت بندر بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    "النقل" تمهل ملاك القوارب المهملة شهرًا لمراجعتها    أخبار وأسواق    الخريف التقى قادة "إيرباص" في تولوز .. تعاون «سعودي-فرنسي» في صناعات الفضاء    90 مليار دولار إسهام "الطيران" في الاقتصاد السعودي    في ختام الجولة 30 من روشن.. الاتحاد يقترب من حسم اللقب.. والأهلي يتقدم للثالث    في إياب نصف نهائي يوروبا ليغ.. بيلباو ينتظر معجزة أمام يونايتد.. وتوتنهام يخشى مفاجآت جليمت    11 فيلمًا وثائقيًا تثري برنامج "أيام البحر الأحمر"    الأهلي بطلًا لدوري المحترفين الإلكتروني (eSPL)    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    صياحه يزعج الجيران.. غرامة بحق بريطاني بسبب ديك    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    الرُّؤى والمتشهُّون    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    بين السلاح والضمير السعودي    ألم الفقد    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    همسة إلى لجنة الاستقطاب    أحمد الديين الشيوعي الأخير    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خرافات قديمة ... مؤرخون جدد :مخاوف الصهيونية من تبديد خرافاتها
نشر في الحياة يوم 21 - 11 - 1999

لماذا ينبغي لادخال كتاب تاريخ مدرسي جديد في المدارس الثانوية الاسرائيلية ان يثير جدلاً عاماً لا وسط المعلمين والتلاميذ فحسب بل ايضاً وسط الاكاديميين والصحافيين، واخيراً وليس آخراً وسط السياسيين؟ الجواب هو ان الكتاب الجديد للبروفسور إيلي نافيه عن تاريخ اسرائيل، الذي اُقر الآن استخدامه في المدارس الحكومية لكن ليس في المدارس الحكومية - الدينية، يتضمن مادة تتحدى ما كان يعتبر حتى الآن الرواية الرسمية للتاريخ الموجز للدولة. وستتعلم اجيال جديدة من التلاميذ حقائق تاريخية تتخطى النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لم تتضمنها الكتب المدرسية السابقة. ونتيجة لذلك، الارجح ان يطلع الطلبة على جوانب مهمة من التاريخ من منظور جديد ومختلف.
على سبيل المثال، كانت الرواية الرسمية تلقّن بان انتصار اسرائيل في حرب الاستقلال عام 1948 كان نصراً للقلة ضد الكثرة. وكما تناول سيمحا فلابان هذا الامر في كتابه "ولادة اسرائيل، خرافات وحقائق" 1987، فان الخرافة كانت تقول ان "دولة اسرائيل الصغيرة المولودة حديثاً واجهت هجوم الجيوش العربية كما واجه داود غولياث: شعب اقل عدداً ويفتقر الى السلاح مهدد بالاجتياح من قبل عملاق عسكري". هكذا تحدث ديفيد بن غوريون في حزيران يونيو 1948 عن "700 الف يهودي في مواجهة 27 مليون عربي، اي واحد ضد اربعين". بعد ذلك بخمسة اشهر، قال الرئيس الاسرائيلي حائيم وايزمان ان اسرائيل تواجه تفوقاً بنسبة عشرين الى واحد.
يعرض كتاب نافيه صورة مختلفة هي ان اسرائيل كانت تتمتع بتفوق خلال معظم الحرب في كل جوانب القدرة العسكرية، بما في ذلك عددياً. ويبدو ان ونستون تشرشل كان يعرف ما يقوله عندما ابلغ الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية انه "في حال وقوع نزاع، لن يتمكن اليهود من الدفاع عن انفسهم فحسب، بل سيهزمون العرب الفلسطينيين". سيتمكن اذاً الطلبة الاسرائيليون، الذين لُقّنوا خرافة، ان يعلموا الآن ان الخرافات والحقائق التاريخية لا تتطابق دائماً.
لم يكن هناك اي نداء
يشير مثال ثانٍ يفوق الاول اهمية الى الاسباب وراء هجرة حوالي 700 الف فلسطيني من اسرائيل عام 1948. فالرواية الاسرائيلية الرسمية، حسب فلابان، كانت تقول ان "هرب الفلسطينيين من البلاد قبل وبعد قيام دولة اسرائيل جاء استجابةً لنداء من القيادة العربية دعتهم فيه الى الرحيل موقتاً كي يعودوا مع الجيوش العربية المنتصرة. هربوا على رغم الجهود التي بذلتها القيادة اليهودية لاقناعهم بالبقاء". سيدرك الطلبة من الآن فصاعداً ان هذه خرافة لا أساس لها من الصحة. فلم يكن هناك اي "نداء"، ولم تبذل بالتأكيد جهود "لاقناعهم بالبقاء" على رغم انه كانت هناك بضع استثناءات معزولة. ويقول الكتاب المدرسي ان الهجرة كانت نتيجة لمخاوف السكان العرب من اعتداءات يشنها اليهود على بلداتهم وقراهم، وانها تمت في حالات كثيرة بناءً على اوامر اسرائيلية.
يواصل خبراء التاريخ الاسرائيليون الذين ينتمون الى مدرسة "المراجعة"، وهم يُعرفون على المستوى الشعبي ب "المؤرخين الجدد"، منذ بعض الوقت تحدي كتابة التاريخ القديمة. في 1988، القى كتاب "نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947 - 1949" للبروفسور بيني موريس من جامعة بئر سبع ضوءً جديداً على هذا الموضوع. قال موريس الذي ولد في احد الكيبوتزات عام 1948 في اليوم الذي اُعلن فيه قيام دولة اسرائيل ان مدرسة المؤرخين القدامى عبارة عن "مؤرخي احداث" كانوا "يقدمون تفسيراً للماضي تبسيطياً ومؤيداً بشكل واعٍ لاسرائيل ويتجنبون بشكل عام اي شىء ينعكس سلباً على اسرائيل ... كانت النزعة التبريرية غالباً ما تتقدم على قول الحقيقة".
لذلك فهو يرى الحاجة الى "القاء نظرة جديدة على التجربة التاريخية لاسرائيل" مع الخروج باستنتاجات "غالباً ما تكون في تعارض مع التاريخ القديم" لان "جيل مؤسسي الدولة نادراً ما يثير الشكوك او يراجع باستياء ما صنعته ايديه" من كتابه "1948 وما بعد: اسرائيل والفلسطينيون" 1990. ويتفق مؤرخون جدد، من امثال ايليان بابي وتوم سيغيف وآفي شلايم، مع الحاجة الى إعادة تفحص تاريخ اسرائيل، لكن لا يتقاسمون بالضرورة وجهات النظر الايديولوجية ذاتها. فالبروفسور بابي من جامعة حيفا يعتبر نفسه "مؤرخاً غير صهيوني او ما بعد صهيوني، ويمكن ان اقبل حتى ب "مناهض للصهيونية" كنعت". ولن يوافقه هذا الرأي بأي حال مؤرخون جدد اخرون.
"كل ماكنا نريد ان ننساه"
يعبر كتاب البروفسور نافيه وكتب مدرسية جديدة اخرى عن حاجة اسرائيلية لاعادة تقويم جديدة للذات. وكان هذا هو الدافع وراء مسلسل "تاكومه" الانبعاث التلفزيوني لمناسبة الذكرى الخمسين، وهو مسلسل من 22 جزء بثه التلفزيون الرسمي في 1998 ويغطي ستة عقود من تاريخ الدولة قبل قيامها وبعده. وحاول المسلسل ان يعرض وجهات نظر العرب والفلسطينيين بالاضافة الى الاسرائيليين. وبخلاف افلام الدعاية الوحيدة الجانب التي تعرض "الاخيار مقابل الاشرار"، لم يكن الطرف الفلسطيني في النزاع، في هذا المسلسل الذي لقي استحساناً لدى الجمهور، اقل انسانية من الطرف الاسرائيلي. واعطى احد المراقبين لمقالته حول المسلسل العنوان الآتي: "كل ما كنا نريد ان ننساه".
سعت ليمور ليفانت وزيرة الاتصالات انذاك، وهي من حزب ليكود اليميني، الى الحؤول دون بث البرنامج ومنعت ابنها من مشاهدته. وتساءلت "هل يتعيّن على الصهيونية ان تجلس في قفص الاتهام في مسلسل تديره هيئة الاذاعة الرسمية في اسرائيل؟". ولم تكن وحدها بين السياسيين التي عبّرت عن استيائها من نزعة اعادة تفحص التاريخ. فقد قال تيدي كوليك، رئىس بلدية القدس السابق وهو عضو في حزب العمل، ما يلي عما وصفه ب "ما بعد الصهاينة": "لا تجري إعادة كتابة كتب التاريخ المدرسية فحسب بل ان هؤلاء الخبراء في الشؤون العامة ينشرون ايديولوجيتهم المضللة عبر وسائط الاعلام المكتوبة وفي الاذاعة والتلفزيون ... ان اعمالهم مؤذية للغاية ... اشعر بالقلق على نحو خاص بشأن التاريخ المضلل للغاية الذي ينشر هنا وفي الخارج من قبل افراد في مجتمعنا بالذات". ليست الخرافات هي التضليل بالنسبة الى كوليك بل تبديدها.
جانبنا وجانبهم
هل المؤرخون الجدد مجرد بدعة جديدة او ان مدرستهم الفكرية الجديدة التي تقوم على نقد الذات اصبحت تمارس نفوذاً متزايداً في الحياة الفكرية في اسرائيل؟ هل ستدرك اعداد متزايدة من الناس ان تاريخ النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ليس رواية "جانبنا" التي كانت صحيحة دائماً مقابل "الجانب الاخر" الذي لا يمكن بحكم طبيعته الاّ ان يكون "شريراً" و "مخطئاً"؟ يعتقد بعض المراقبين ان ادخال كتب التاريخ المدرسية الجديدة من قبل الحكومة في المنهاج التعليمي يثبت ان الخرافات القديمة انتهت او انها تحتضر وان التفكير الجديد هو الذي سيكون الموجة السائدة في المستقبل.
ربما كان الامر كذلك. لكن على رغم ان هذه المسائل تبدو كما لو انها تهم بشكل اساسي المؤرخين وخبراء التعليم، فان اهميتها الاكبر هي في الواقع سياسية. ادرك، بين اشياء اخرى، ان كتابة التاريخ الجديدة تحاول التحرر من إسار موقف يقوم على مفهوم "بلادي او شعبي على صواب او خطأ" في اتجاه محاولة لفهم الشعب الاخر في النزاع. ان الترويج لهذا النوع من الفهم، ورفض الصور النمطية المقبولة على نطاق واسع في الرأي العام، هو مهمة اصعب بكثير من صوغ اتفاقات سياسية. ومع ذلك، على المدى البعيد، لا يمكن للاتفاقات السياسية في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وعملية السلام ككل ان تكون فاعلة جزئياً ما لم يتحقق، وعلى نحو متبادل، قدر من مثل هذا الفهم. وفي هذا السياق بالذات يمكن للمؤرخين الجدد، الذين تكمن مهمتهم في اعادة تفحص الماضي، ان يمارسوا بشكل غير مباشر تأثيراً مهماً على المستقبل.
* كاتب يعيش في القدس الغربية، وهو رئيس تحرير مشارك لمجلة "فلسطين - اسرائيل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.