تشهد الرياض غداً ولمدة ثلاثة أيام ندوة مهمة حول الآثار في المملكة العربية السعودية حمايتها والمحافظة عليها برعاية الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية. وقد نكون نشهد فاتحة مرحلة مهمة في الحركة الأثرية في المملكة يؤمل ان يشهد فيها قطاع الآثار تطوراً نوعياً تحت الرعاية الرسمية. فللمشاركين في الندوة من الزملاء المتخصصين تمنياتي بالتوفيق. كثيرون ينظرون الى الآثار فلا يرون الا صروح كفر يكرهون ان تذكرهم بمسببات قيامها... او اطلالاً الأفضل ان تزاح لتشيد في مكانها مساكن ومواقع للعمل... او مصادر للاسترزاق بسرقة ما تحتويه وبيعه خلسة بأبخس الأثمان... هؤلاء لا يفهمون المعنى الأعمق للتاريخ، ولا القيمة الحقيقية لآثاره، كثروة وطنية وإنسانية حضارية. تغيب عنهم كل دروس التاريخ وعبره. وتظل الومضة الأولى: اين من بنوها؟ والسؤال الأهم: لماذا شيدوها؟ وبمناسبة الحديث عن الآثار والأطلال، هل تعلق احد بالأطلال كما تعلق بها الشاعر العربي؟ منذ ما قبل الجاهلية وكل قصيدة خلدت لتصل الينا اليوم تبدأ بالوقوف على طلل ما والتغني به وتذكر بمن سكنه. وكل أثر على خارطة الجزيرة يحمل ذاكرة ملايين الاقدام التي مرت في طرق القوافل ووقفت عنده تتأمله وتفكر في هشاشة الانسان اذ يمضي ويترك احلامه في نقوش الصخور. ربما ليس هناك معلم يلامس ويثقف الجوانب الأسمى من تساؤلاتنا الانسانية مثل "آثار التاريخ". ولا برنامج دراسي لتفهم وجود الانسان بمثل عمق وثراء مرجعية "التاريخ" حين يتكلم الينا عبر الآثار التي تركها الأسبقون تتضح رويداً الصورة التي رسمتها مسيرة الحضارات صعوداً وانحداراً. وليتنا نتعظ او نتعلم حقاً. كل مرة وقفت بين الآثار شعرت بروحي تشف حتى التواصل مع تلك الازمنة الغابرة... ما بكيت بحزن يعتصر القلب مثلما بكيت على آثار الحمراء وقرطبة واشبيلية. وفاجأتني قصيدة "ليل وبار الرهيف" بزخمها وأنا أتابع اكتشاف الاقمار الاصطناعية لموقع مدينة "وبار" الاثرية تحت الرمال بين عمان وجنوب المملكة العربية السعودية: "على وجعي أستدير.. أكابر أستنزف الآن جرحي ليغسل ريحانة القلبِ والخصبِ والليل يمحو من الوقت ذاكرتي والفصول أستمطرُ الليلَ أغنيه هطلت ذات حدسٍ بأعشاب ذاتي وعايشتها.. أزلاً؟ أبداً؟.. ثم لا زمنٌ للهطول.. ولم نتآخ مع الصمت بعد.. لم نتآخ مع الصهد بعد لم نتآخ مع الصخر حين تشظّى.. ولم.. .. * قلتُ: ليل السهاد طويلٌ اذا تستبد غيوم الكلام، ولكنني سوف أوغل في مازن الأمس قد أتدارى به فأعانق ذاتي حين "وبار" الجميلة تصحو بقلبي وتسخر من لعنة الرمل.. او أهتدي فأمد يدي ل"وبار" تصافح فيّ الذهول * * * * من قصيدة "ليل وُبار الرهيف".