البحري شريك استراتيجي لمبادرة ويف لدعم تعافي المحيطات والنمو البحري المستدام    مقتل 6 من قوات حفظ السلام البنغلاديشيين في هجوم على قاعدة للأمم المتحدة بالسودان    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    استمرار هطول الأمطار.. والدفاع المدني يحذر    اختتام بطولة جازان الشاطئية لرياضة الإنقاذ والسلامة المائية    انطلاق مؤتمر الشبكات الذكية الاثنين    كورال المركز الوطني للفنون المسرحية في الصين تقدم عروضا في مركز إثراء بالسعودية    مقتل شخصين وإصابة ثمانية جراء إطلاق النار في جامعة براون في أمريكا    ختام أكبر هاكاثون في العالم "أبشر طويق"    45 اتفاقية ومذكرة لصندوق التنمية الوطني.. 6 مليارات ريال تمكيناً لشراكات القطاع الخاص    وسط حصيلة متزايدة لضحايا غزة.. استشهاد فلسطيني متأثرًا بجراحه في خان يونس    وسط انتقادات واشنطن لقرار أممي.. مؤتمر دولي لبحث إنشاء «قوة غزة»    جيش الاحتلال يستهدف القيادي في حماس رائد سعد    دعت لتبني سلوكيات التنزه.. البيئة: 3 آلاف ريال غرامة مخالفة التخييم دون تصريح    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة الأردن    برعاية خادم الحرمين.. أمير الرياض يحضر ختام العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    تنظيم الإعلام الرياضي وعقوبات على المتجاوزين ومثيري التعصب.. بعد الموافقة عليه.. تفاصيل مشروع نظام الرياضة الجديد    لحظة تأمُّل    ضبط 19.5 ألف مخالف    أمطار على معظم المناطق حتى نهاية الأسبوع    1145 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ    حققت قفزة نوعية بمعدل 9 نقاط خلال عامين.. السعودية بالمرتبة ال10 بمؤشر التغطية الصحية الشاملة    يسرا اللوزي تستعد بمسلسلين لرمضان    أمسية شعرية وطنية في «جدة للكتاب»    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    المملكة توزع 1000 سلة غذائية في ولاية البحر الأحمر بالسودان    القبض على شخصين لترويجهما القات    كوزمين: هدفنا النهائي    ورحلت رفيقة دربي أُم تركي    دراسة: كلما زاد إقناع الذكاء الاصطناعي قلت دقته    الأخضر يتجهز لمواجهة الأردن بفترة «حرة»    أمير الشرقية يرعى تكريم الفائزين بجائزة الأحساء للتميز.. غداً    «جائزة الإعلام» تطلق مسار «التميّز»    تقرير بريطاني يفتح الباب لرحيل صلاح نحو الدوري السعودي    تحسين الفئات الوظيفية ل3808 من منتسبي المساجد    «الأمر بالمعروف» تفعّل معرض «ولاء» بالطائف    مهاجم نادي الفيحاء يخضع لعملية جراحية ناجحة بمجمع الدكتور سليمان الحبيب الطبي في العليا    مستشفيات الدكتور سليمان الحبيب بالخبر والمحمدية والفيحاء والحمراء والصحافة تحصل على شهادة الاعتماد الدولية JCI    2.31 تريليون دولار قيمة الإقراض بالبنوك الخليجية    71.5% من الأنشطة العقارية بالرياض    حقن التخسيس تدخل عالم القطط    النوم الجيد مفتاح النشاط اليومي    رب اجعل هذا البلد آمنا    «هوبال» يحصد جائزة «فاصلة» لأفضل فيلم سعودي    العزاب يغالطون أنفسهم    غزة بين آثار الحرب والطقس القاسي مع استمرار الضربات العسكرية    زبرجد فيلم روائي يجذب زوار معرض جدة للكتاب    الملك يرعى الحفل الختامي للعرض الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    فريق قوة عطاء التطوعي يحتفي باليوم العالمي للتطوّع ويكرّم أعضاءه    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    سماء المنطقة العربية تشهد زخة قوية من الشهب هذه الليلة    رئيس دولة إريتريا يصل إلى جدة    نائب أمير الرياض يعزي أبناء علي بن عبدالرحمن البرغش في وفاة والدهم    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدراسات القرآنية وحفريات المعرفة
نشر في الحياة يوم 15 - 10 - 1999

عندما بدأ الشرق في نهضته الطباعية، سواء في استنبول أو القاهرة، في أواسط القرن التاسع عشر، باشر في نشر التراث الإسلامي في فروعه وأقسامه كافة. واهتم العلماء كثيراً بكتب الفقه واللغة العربية والتاريخ، وكتب الحديث والأصول المسندة وبخاصة البخاري ومسلم ومسند أحمد وموطأ مالك، إلا أن نسبة كتب اللغة والفقه والتاريخ كانت هي الغالبة. وفي سبعينات القرن العشرين بدأت نهضة كبرى في الاهتمام بعلوم الحديث النبوي الشريف، فطُُبع في عشرين سنة من المخطوطات ما لم يطلع عليه بعض الحفاظ الكبار، كابن حجر والقسطلاني وأمثالهما، في علوم الحديث. وأعيد طبع "بعد التحقيق" نحو عشرة أضعاف ما طبع منذ بدايات الطباعة مع الطبعة الاميركية تأسست 1821 ه. ثم بدا للراصد أن توجهاً الى الدراسات القرآنية بدأ في التسعينات.
ومن هنا أردنا أن نلقي نظرة على خريطة الدراسات القرآنية، والتي يتوقع أن تكون محل الاهتمام في العشرين سنة المقبلة: ما الذي تحقق، وما الذي نريده، وما الذي يمكن أن يكون، وما النقص في تلك الدراسات؟
لقد قامت مجهودات جبارة، ومع جبروتها فإنها لا تزال في أول الطريق، حول قضايا النقل الصحيح للقرآن الى كل لسان بما يسمى ترجمة معاني القرآن. فنشر الاستاذ إحسان أوغلو في تركيا ببليوغرافيا جمع فيها تراجم القرآن الى نحو 65 لغة، سواء كانت تراجم جزئية أم كاملة. وفي قطر بذل الدكتور حسن المعايرجي جهداً بليغاً في جمع هذه التراجم نفسها، وهي خطوة أولى لتقويمها والاستفادة منها في نقل معاني القرآن نقلاً صحيحاً خالياً من تحريف الجاهلين أو تخريف الحاقدين المساكين. فانظر مدى المجهود المطلوب بعد ذلك المجهود الضخم غير المنكور، فأمامنا خطوتان: الأولى النقد لما تم، والثانية الترجمة الصحيحة لمعاني القرآن الكريم.
عندما وصل أبو الكلام الازادأبادي في تفسيره "ترجمات القرآن" الى سورة الكهف، بدأ بحثاً أثرياً عن ذي القرنين. وتوصل بعد بحث دؤوب الى أنه قورش الفارسي، وأن الباب الحديد هو سد في ما بين أذربيجان وأرمينيا. ولقد أنفق من ماله وجهده الكثير للوصول الى هذه المعلومات التي تؤيد القرآن وما ورد فيه من صفات لذلك السد والمواد التي استخدمت فيه. ومثل هذه الدراسات المساعدة، إن صحّ التعبير، نحن في بداياتها ونحتاج إلى الكثير منها. ولقد توصلت مصلحة الآثار الأردنية في منطقة الرقيم الى كهف "أهل الكهف"، وأصدر الدجاني كتاباً عن هذا الكشف.
وتكونت في مصر "جمعية الإعجاز العلمي للقرآن" لتحرير معناه وبيان كيفية الاستفادة منه، وصدرت مؤلفات عدة حول الموضوع. واهتمت رابطة العالم الإسلامي بهذا، وأصدرت كتباً وأشرطة فيديو ومجلة لم ينشر منها إلا العدد الأول.
وهذا الاتجاه الذي يستهدف حماية القرآن من الدجل أو العبث باسم العلم لا يزال في بدايته يحبو، ويحتاج الى مجهودات عظيمة والى مراكز بحث متخصصة وإلى مزيد من الجهد والعمل.
ولاقت الدراسات القرآنية نصيبها من استعمال الحاسوب وبرامجه، إلا أن ذلك لا يزال أيضاً في بدايته. فمثلاً خرج علينا أحدهم يدّعي وجهاً جديداً من الإعجاز، وهو أن الحروف المقطعة في أوائل السور هي الحروف التي تمثل أكبر نسبة تلك الحروف في السورة التي تصدرتها حتى يمكن أن تسمى هذه السورة بها، وكأن هذا هو حرفها وهذه حروفها. وهذا الشخص اتهم في دينه، وقتل في مسجده في اميركا. ولكن هل هذه المعلومة التي أوردها صحيحة؟ هذا يحتاج الى بحث يُلتزم فيه الرسم العثماني، لمعرفة صدق تلك الدعوى من كذبها، على أن تقوم به جهة ثقة في بحثها وفي دينها، تسعى الى تحصيل الحق ولا تسعى الى تحصيل الخرافة.
وقامت دعاوى عدة لوجوه متعددة من إعجاز القرآن، مثل دعوى مهندس مصري في مسألة الإعجاز العددي، ومثل دعوى الإعجاز الموسيقي، ومثل دعوى "الإعجاز الآزائي" أي بمقارنة ما ورد في القرآن مع ما كشف من مخطوطات في البحر الميت وفي الجنيزة ونجع حمادي.
وهناك مجهودات تمت لحصر ما كتب عن الدراسات القرآنية، كمجهود الدكتورة ابتسام جبوري في العراق، ومجهودات عمل معاجم للأدوات والضمائر، ومعاجم لحروف المعاني، ودراسات حول تلك الحروف، كما في دراسة الشيخ عبدالخالق عقيمة التي صدرت في 11 مجلداً.
وهناك مجهودات حول طبع القرآن بالقراءات العشر مثل "الميسر"، أو القراءات مع رواياتها مثل "مصحف الشام" الذي طبع بقراءة عاصم برواية كل من حفص وشعبة، وقراءة نافع برواية كل من ورش وقالون، في مصحف واحد، مستخدمين التقنيات الحديثة ومنها الطبع بالألوان، وإن كانت محاولات لا تخلو من مؤاخذة.
وهناك مجهودات لكتابة المصحف بالخط الكوفي، الى آخر هذه المجهودات، فأين نحن منها؟ وماذا نريد غداً؟
إننا في حاجة ماسة الى عمل مكتبات وطنية خاصة بتجميع وثائق القرآن، فأين صورة مصحف عثمان في سمرقند؟ وأين صورة مصحف عثمان في طوب قابو في تركيا؟ وأين صورة مصحف عثمان في مسجد الحسين في القاهرة؟ أين التقرير الذي أشار إليه الشيخ محمد حميد الله عن المعهد الألماني الذي جمع أربعين ألف نسخة قبل الحرب الثانية لمقارنتها، وشارف على الانتهاء وأصدر تقريراً حول هذا، فلم يجدوا إلا فوارق خط النسّاخ. أين هذه الوثائق؟ وكيف نحفظها وندرسها ونتأكد منها؟
لقد قام المسلمون من المستشرقين بدراسات فنية للمصحف، كدراسة الصفحة الأولى التي قام بها مارتن لنغ أبو بكر سراج الدين في لندن، أو التي يقوم بها آخرون في الخط العربي ومصحف شعبان وابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي، ودراسات أحمد مصطفى حول تسديس الخط العربي ونسبته الإلهية الفاضلة. إننا في حاجة ماسة الى بناء خريطة العمل شكلاً وموضوعاً.
ومن جانبه قام الدكتور محمد بدر بمجهود كبير حول استخراج ما أسماه بالمبادئ القرآنية "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، "عفا الله عما سلف"، "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، وأصدر كتاباً تحت عنوان "المبادئ القرآنية" قبل موته بقليل، وهو مبحث بكر يحتاج الى عمل.
ودعا رشيد رضا في "المنار"، ومن قبله محمد عبده، الى علم السنن الإلهية، وكتب فيها الصادق عرجون وباقر الصدر وآخرون ولكنها لم تتحول الى علم حتى الآن.
وقام المعهد العالمي للفكر الإسلامي في القاهرة بمجهودات مشكورة حول جعل القرآن محوراً للحضارة ومنطلقاً للفكر، ولم تتم انجازاته في ذلك. وهي دعوة الى الأمة أن تتحرك في الطريق ذاته.
هذا كله يحتاج الى رسم للطريق ورسم لما تم سلباً في الدراسات القرآنية كمحاولة إنشاء لغة جديدة يفسر من خلالها القرآن، ومحاولة خروج التفسير عن هوية الإسلام، ومحاولة حصر النص في زمن نزوله، الى آخر ما هنالك من سلبيات لا يرضى عنها علماء المسلمين جميعاً.
وهناك دراسات في لغة القرآن ومقارنتها بلغة الحديث ولغة قبائل العرب المختلفة، اعتماداً على الروايات، ما زالت في بداياتها تحتاج الى عمل أرتال من الشباب الباحثين فيها.
هذه نظرة سريعة الى الدراسات الإسلامية وما تحتاجه من حفريات حولها، هي في حقيقتها حفريات للمعرفة.
* استاذ أصول الفقه في جامعة الأزهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.