نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أمن المشاريع العملاقة.. حماية الحاضر وضمان المستقبل    232 مليار ريال استثمارات تجعل المملكة نموذجًا عالميًا في استدامة المياه    طريق الأمير محمد بن سلمان يحقق الانسيابية المرورية ويعزز المشهد الحضري    الهلال يحقق فوزاً صعباً على ناساف الأوزبكي في أبطال آسيا للنخبة    الاتحاد يرد على تقارير رحيل بنزيما    قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية بالظهران تنظم معرضًا أرضيًا للطائرات    إجازة لستة أيام ومباراة ودية للفتح خلال فترة التوقف الدولي    محافظ صبيا يكرم مدير مكتب التعليم بمناسبة انتهاء فترة عمله    طالب الطب الصعيري يكتشف خطاً علمياً في أحد أبرز المراجع الطبية العالمية بتخصص الجراحة    وزير الثقافة يعلن من مؤتمر الاستثمار الثقافي عن "جامعة الرياض للفنون"    5 آلاف زائر لفعاليات نادي وزارة الداخلية وطويق احتفالا باليوم الوطني بالخبر    نائب أمير جازان يدشّن مبادرة "صحة روح" للفحص المبكر لمرضى الدم    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد المنطقة الشرقية بمناسبة تكليفه    بلدية الظهران تطلق مبادرة "ظلهم علينا" بالتعاون مع جمعية هداية    "سعود الطبية" تنظّم ملتقى "صوت المستفيد يقود التغيير"    شنايدر إلكتريك ترقع مذكرات تفاهم استراتيجية مع شركات رائدة خلال قمة الابتكار بالرياض 2025    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الحرس الوطني    الأحساء تحتضن منافسات الأمن السيبراني الوطنية    جمعية كتاب الرأي تحتفي بفيلم العوجا 17:47    الهيئة السعودية للتخصصات السعودية تعتمد برنامج طب التخدير في تجمع تبوك الصحي    أوروبا تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة أسرع مرتين من بقية العالم    فعد الغامدي إنجاز غير مسبوق لأول سعودي يحصد تصنيف "الإيكاو" الدولي    محافظة الفرشة بتهامة قحطان تحتفل باليوم الوطني 95 وسط حضور جماهيري واسع    ارتفاع أسعار الذهب    وزارة الرياضة تصدر بيانًا حول أحداث مباراة العروبة والقادسية في كأس الملك    يوم لنا مشهود بعال المراقيب    الدوري الإنجليزي.. آرسنال ينتزع فوزاً قاتلاً من نيوكاسل    قبل لقائه المرتقب مع نتنياهو.. ترمب: فرصة تاريخية للإنجاز في الشرق الأوسط    الديوان الملكي: وفاة عبطا بنت عبدالعزيز    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    خلال مشاركته في المؤتمر السعودي للقانون.. وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    مخالفو الصيد البحري في قبضة الأمن    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    صعوبة بالغة لوصول الطواقم الطبية والمصابين.. دبابات إسرائيلية تتوغل في غزة    عسير: فرع هيئة الصحفيين ينظّم ندوة "الخطاب الإعلامي للوطن؛ بين ترسيخ الهوية وتعزيز القيم"    معرض الكتاب.. نافذة على عوالم لا تنتهي    أحمد السقا ينجو من الموت بمعجزة    أكد التزامها بالتنمية المستدامة.. وزير الخارجية: السعودية تترجم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لواقع ملموس    حائل تستضيف كأس الاتحاد السعودي للهجن للمرة الأولى    محطماً رقم رونالدو وهالاند.. كين أسرع لاعب يصل للمئوية    صالات النوادي والروائح المزعجة    ورقة إخلاء الطرف.. هل حياة المريض بلا قيمة؟    ترمب يجتمع بكبار القادة العسكريين    السودان: 14 مليار دولار خسائر القطاع الصحي بسبب الحرب    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    التحالف الإسلامي يطلق دورة تدريبية لتعزيز قدرات الكوادر اليمنية في مجال محاربة تمويل الإرهاب    المتطوعون يشاركون في احتفالات أمانة الشرقية باليوم الوطني    السلامة الغذائية    تقنية البنات بالأحساء تطلق المسابقة الوطنية للأمن السيبراني    مزاد نادي الصقور السعودي 2025.. خدمات متكاملة تعزز الموروث وتدعم الطواريح    تمادي إسرائيل في حرب غزة ومقترح عماني يدعو لفرض العقوبات    منتدى فكر بجامعة جازان يناقش الوسطية والانتماء    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفل باليوم الوطني ال95    وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الياس ديب وعادل قديح من التجريديين الجدد . مربعات تتلاحم وتجهيزات تحتفل بالماء
نشر في الحياة يوم 06 - 01 - 1999

معرضان تشكيليان في بيروت، لاثنين من جماعة التجريديين الجدد هما الياس ديب وعادل قديح يعكسان بعضاً من افاق التجريد الحديث، الذي يحمل اسئلة العصر وقلقه وتحدياته، لا سيما وان الفنانين ينتميان لجيل السبعينات، وعاشا ذروة انتشار افكار مدرسة باريس في بيروت عبر انجازات اساتذتهما الكبار، ثم خاضا في صراعات مرحلة ما بعد الحداثة في منفاهما الباريسي اثناء الحرب، ليجدا طريقهما من جديد في التجريد كخيار قابل للاحتمالات، يعارض المبدأ القائل بوصول التجريد للحائط المسدود.
/ تجارب عادل قديح
في 80 لوحة منفذة على أحجام متنوعة وبتقنيات مختلطة على قماش وخشب وورق وكرتون يسعى قديح في معرضه الذي أقامه في غاليري "ستاسيون دي زار" لتأكيد اسلوبه التجريدي الذي يتبنّى منطلقات جمالية راسخة في التكوين التشكيلي للعناصر الخطية واللونية، بما يكفل استمرارية اللغة التصاعدية التي تربط تجاربه السابقة بالحاضرة. فهو غالباً ما يميل الى تقطيع المساحة الى مربعات تشكل نافذة كبيرة تتيح لقراءة انواع العلاقات اللونية وطبقاتها ومستوياتها، وهي تتقدم وتتجاور وتتجاذب مثل خلية مربعة ونواة دائرية. وتتموّج الخلايا على السطح بما يشبه جلد اللوحة ومسامها وخطوطها وما يعترض جريانها وهبوطها، في مسار نسيج متلاحم كسجادة شرقية.
هذا المنحى يسير عكس الاتجاه الثاني الذي يتبعه في تأليف يعتمد على التوزيع الكتلوي للون في علاقته بالفراغ.. الا ان المعالجة اللونية في سلوك قديح، تعتمد على وجود شكل هندسي يتقاطع مع آخر ويندمج فيه، أو هيئة شبحية لانسان أو لشجرة وبيت قروي ضمن نطاق ذاكرة لأمكنة حميمة. الا ان تقاطعات الخطوط من شأنها ان تحدد مجالات الرؤية بعيداً من رحابة التأمل فهو ما زال يتساءل حول الشكل والمنظر والطبيعة وما وراءهم في الذاكرة والمتخيل، فضلاً عن التجريب في المواد والتقنيات لاعطاء القماشة ايحاءاتها البصرية. الا ان الابصار يلعب دوراً خفياً لانه لا يتجرأ بل يتنازل دوماً لصالح الاسلوب، كأن العين تحت مجهر العقل. لذلك تظل أحلام الفنان اكثر من عطاءات يديه.
ويختار عادل قديح في معرضه ألوان التدرجات الناعمة والباردة الى حدٍ ما، لابتعادها عن الأضداد، مما يوحي بالطمأنينة والسلام الداخلي، واللافت هو اللون الابيض الذي يلبس شتى التعبيرات والايهامات، فهو ذو حجم وثقل في تأليف كتلوي مشدود الى عصب انساني، كما يدل على الفراغ في الممرات الهوائية والضوئية التي تفصل بين المساحات اللونية، ويتراءى الابيض كغيوم حفيفة في عبق الاخضر والاصفر والبرتقالي، كما يهيمن احياناً على كلية اللوحة ليصير مناخاً ضبابياً شفافاً يذكر بألوان الطبيعة وفصولها الخريفية.
وهي عبارة عن 14 عملاً فنياً تبتعد عن التعليق الحائطي، لتنتمي الى التركيب الوضعي الذي ينجذب الى الارض والى النظرة المتساقطة عمودياً وليس افقياً. فصالة المركز الثقافي الفرنسي أتاحت بامكاناتها إظهار افكار المعرض الذي حمل عنوان "سُلالات الماء"، حيث يتألف العمل المركّب الواحد من عناصر تشكيلية ووحدات "شيئية" متلازمة في حقل النظر وقوامها وعاء كروي الشكل من زجاج شفاف يحتوي على ماء مع زيت أو نفط لحل الألوان وعلى أنابيب مخبرية مستطيلة صغيرة مقفلة تستريح فيها المواد والمساحيق الملونة كما هي قبل الاستعمال. وينطلق من داخل الوعاء شريط ملوّن فيمتد الى السطح التجريبي الذي تتم فوقه التجربة التقنية المخبرية بعد وضع ومزج المساحيق والمواد بالماء على الورق أو القماش. المجموعة هذه موجودة امام لوحة فنية منفذة بتلك المواد المعروضة.
يهدف هذا المنحى التأملي التجريبي لتوضيح العلاقة بين المادة الاساس لانتاج العمل الفني "الماء" والمواد التشكيلية الاخرى التي تتفاعل معها اي المساحيق والمواد المختلفة والأصباغ، ضمن مشاركة الناظر لعمل الفنان التي تمر عبر الماء. ويعتبر الياس ديب الشريط الملون بمثابة "حبل السرة" الذي يربط الجنين في رحم أمه قبل ولادته برحلة الحياة، أما اللوحات التي تحمل شكل الغيوم وضبابيتها خلف الأوعية فهي ترمز الى الروح بعد دخولها عجين الفكر الابداعي.
ويتساءل ديب في معرضه حول ماهية ما بعد الحداثة وقدرة الفنان على استنباط رؤى جديدة تنقذه من كوابيس الحداثة القديمة" ويجيب بانه يصعب نقل هذه المعادلة في لوحة وهمية الابعاد وآحادية الرؤية ولكن تسهل رؤيتها في الاعمال المركبة في الفضاء، ضمن طريقة عرض غير تقليدية. ذلك لاعتقاده بان مفهوم العمل الفني المعاصر مفتوح على الاحتمالات الابداعية المتحركة والمتحررة من كل القيود، بينما الحداثة وقعت في جمود اللوحة والتجريدية صارت صنمها. فالاعمال المسندة الى جدران القاعة بعيدة عن عرشها أي غير معلقة على الجدار انما هي تعبّر عن قوة الانطلاق العمودي مع المسطح الأفقي للارض وعن النهوض من الكبوة التي أصيب بها الانسان في مجال الفن. فالفن لم يعد وسيلة للمتعة بل سبيلاً للأرق وعبئاً وثقلاً وقيوداً.
في أعماله التي تتقاسمها اللوحات مع المعروضات، يستعيد الياس ديب شبكة مربعاته الشطرنجية مستبدلاً أحجارها بأوعية زجاجية، في محاولة لاعطاء المسطح الصراعي سابقاً لتقاطع الاشكال الهندسية بعداً تقنياً محضاً. فاطلالة المنظر الكوني لغيوم بيضاء على سواد ليلي في اللوحة تبعث على شاعرية التأمل في المواد والاشكال، أعمق من الشرح التفصيلي والنمذجة والتفسير المباشر، رغم الدهشة التي يمكن ان تثيرها العناصر الهندسية تنويعات الدائرة والمربع مع الزجاج والماء في نفس المُشاهد العادي، الا ان الخروج عن المألوف في تأليف بصري يستمد قوامه من اللوحة التجريدية لم يصل الى موقف محدد ومعلن من اللوحة المعلقة على الجدار التي ما زال الفنان يتبناها ولو جزئياً. فمسايرة التيارات الجديدة في التعبيرات العالمية الشابة، هي جزء من طبيعة المثقف في شخص الياس ديب الذي لا يستسلم للثوابت ويطمح لتجديد لغته التشكيلية من الداخل وإن كانت لم تنضج في الوصول الى رؤيتها وادواتها. اذ مهما بدت الاشياء التي يتحدث عنها ديب عادية فهو يخرجها من عاديتها وبديهياتها كلما اعطاها منظوراً عميقاً وتحليلياً.
وحين يصوغ افكاره يصيغها في اطار فلسفي وجمالي فني ويسرف في اعطائها ابعاداً تنظيرية ربما اكبر مما يحتمله انتاجه الفني. الا ان محاولة التجريب والاصلاح والتغيير هي ميزة الجرأة في فن الياس ديب. تلك الميزة التي يفتقدها بعض فناني جيله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.