استعاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود مدينة الرياض قبل مئة عام من الآن، وهي لم تكن مدينة بالمعنى المتعارف عليه للمدن على الاقل من الناحية الاقتصادية، فمساحتها محدوده. وتجارتها اقل محدودية، وحركة رؤوس الاموال من الذهب او الماشية او الحبوب منها واليها كانت ضعيفة وفي اضيق الحدود نتيجة انعدام العامل الامني في الطرق المؤدية اليها. وواصل الملك عبدالعزيز ورجاله استعادة المناطق المحيطة بالرياض، ثم استعادة بقية مناطق الجزيرة العربية. ومع كل خطوة توحيد وتأسيس تبناها الملك الموحد، كانت الاوضاع الاقتصادية تستجيب. واذا كانت الاستجابة بطيئة احيانا الا انها كانت فاعلة ومؤثرة في مجتمع بسيط من جهة، ومحدود الموارد من الجهة المقابلة. ومع ان الملك عبدالعزيز لم يخطط في البداية لتحسين الوضع الاقتصادي نظرا الى انشغاله بهاجس الوحدة السياسية المبنية على نظام اسلامي صحيح. فإن هاجسه الوحدوي كان الطريق الاول لازدهار اقتصاد المجتمعات المدنية والقبلية آنذاك. كانت البداية مع الامن الذي دعا العديد من رؤوس الاموال في منطقة نجد الى تغيير خطوط تجارتها من سلطنة عمانوالهند والكويت وغيرها الى داخل البلاد خصوصاً تجار منطقة القصيم الذين اشتهروا بكثرة التعامل مع هذه الدول. كما بدأ تجار الحجاز في تنشيط تجارتهم مع مصر والشام وضاعفت البيوت التجارية الشهيرة في جدة من اعداد السفن التجارية التي كانت تستورد البضائع من كل انحاء المعمورة. إن ما أرساه الملك عبدالعزيز بفطرته الاسلامية الصحيحة هو ايجاد مناخ اقتصادي افضل لاقتصاد بدائي يعتمد على الزراعة والتجارة والرعي. الانظمة المؤسسية شهدت الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز الكثير من المتغيرات، فقد كانت تجارة الاسلحة والذخيرة وتجارة المصنوعات واستيراد التوابل والمنسوجات تستمد مكانتها من حاجة سكان الاقاليم والبادية وكان يتم شراء هذه الصناعات بالريال الانكليزى والفرنسي. وبسبب الصراعات في شمال ووسط وغرب جزيرة العرب كانت هناك منافسات فى مجال الاستيراد غير خاضعة لقانون ضريبي موحد بل قد تصل الامور بالمستورد الى فرض ضرائب تعوق قيمة المادة المستوردة. وأثناء رحلة الملك عبدالعزيز في بناء المملكة العربية السعودية والتي استمرت أكثر من 25 عاماً، كان لا بد من اضافة لمسات تؤكد شخصية الحكم القادم وصيغة تعامله مع الامور الاقتصادية. وبنظرة الى التجارة في جزيرة العرب يمكن القول أن الاسعار المرتفعة للسلع كانت السبب الوحيد لاستمرار موجة الفقر فى الجزيرة وعدم مقدرة الحاضرة والبادية على السواء في تحقيق أدنى قدر من العيش في ظل ظروف لا تسمح بظهور ايجابيات التعايش نظرا الى الصراعات القبلية والعشائرية السائدة انذاك في جزيرة العرب. ويعتبر عام 1347ه 1927م، وهو العام الذي شهد آخر معركة فاصلة من معارك توحيد المملكة وهي معركة السبلة، هو العام الفاصل الذي بدأت فيه المؤسسات المالية بالعمل المحاسبي الذى يسمح بالنمو والتطور. وتفيد المراجع الاقتصادية أن المملكة شهدت عصر البنوك التجارية بدءا من عام 1345ه 1926م عندما افتتحت الجمعية الهولندية البنك السعودي الهولندي حالياً أول فروعها فى مدينة جدة لخدمة حجاج جزر الهندالشرقية. ثم بدأت البنوك تظهر تباعاً، فظهر البنك الاهلي التجاري ثم بنك الرياض والبنك العربي الوطني ثم توالت البنوك في الظهور حتى عام 1952 عندما أصدر الملك عبدالعزيز أول عملة وأنشأ أول جهاز لمراقبة العمل المصرفي من خلال مؤسسة النقد العربي السعودي. وكانت الاعمال الاقتصادية فى عهد الملك عبدالعزيز تديرها وزارتان هما وزارة المالية ووزارة الاقتصاد الوطني وقام الملك بتوحيد عمل الوزارتين في وزارة واحدة ودمج ادارات الوزارتين تحت اسم وزارة المالية والاقتصاد الوطني. ودخلت المملكة العربية السعودية زمن الغرف التجارية منذ عهد الملك عبدالعزيز حين تم انشاء الغرفة التجارية الصناعية بجدة، ثم قامت غرفة الرياض. وتوالت الغرف التجارية بالمملكة الى أن وصل عددها الى 19 غرفة تجارية لتكون المؤسسة التي تقوم بتنظيم وسائل الاتصال بين أجهزة الدولة ومؤسسات القطاع الخاص. وأخذت شخصية رجل الاعمال السعودي بالظهور منذ عام 1969 عندما بدأ تكوين المؤسسات المصرفية العملاقة. وكانت موجة الانتشار التجاري السعودي قد وصلت الى آفاق أرحب، فقد نشطت المؤسسات التجارية الصناعية وزادت حركة استثمار رؤوس المال الاجنبية وقامت في شرق المملكة وغربها المدن الصناعية المتخصصة اضافة الى تخصيص مدن صناعية في المدن السعودية الكبرى وتبعاً لهذا التطور نشطت حركة النقل الجوي والبري والبحري، وأنشأت الدولة، لمسايرة هذا التطور مطارات كبرى تعد من أكبر المطارات في الشرق الاوسط حيث تم انشاء مطار الملك عبدالعزيز بجدة ومطار الملك خالد بالرياض ومطار الملك فهد بالمنطقة الشرقية، وتم ربط مدن المملكة وقراها بشبكة متكاملة، فتم انشاء أكثر من 14 مطاراً محلياً تستقبل مختلف انواع الطائرات. على رغم قلة الموارد الاقتصادية، نجح الملك عبدالعزيز في تحقيق اصلاحات اقتصادية اعتبرها خبراء الاقتصاد العالميون نقلة تنموية تشبه الاسطورة، فهو نجح في توحيد العملة وتوطين البدو والانضمام الى مختلف المؤسسات الدولية. كما اكتسب الاقتصاد السعودي منذ تأسيسه على يد الملك عبدالعزيز مرونة فائقة في التوافق مع المستجدات الاقتصادية من ناحية وتفعيل البرامج لإرساء اسس التنمية من ناحية اخرى. تبنى المؤسس، بعد بسط الامن وتوحيد اركان دولته المترامية الاطراف، خططاً اصلاحية امام قلة موارد مجتمع رعوي يمثل البدو فيه الغالبية العظمى من السكان مقارنة بعدد قليل لسكان الارياف المزارعين وسكان المدن الحضر في منطقة الحجاز والمنطقة الشرقية الذين مارسوا التجارة وبعض الحرف اليدوية البسيطة. انتهج الملك عبدالعزيز برامج اصلاحية تعتبر في نظر خبراء الاقتصاد العالمي نقلة تنموية اشبه بالاسطورة، اذ ان التوحيد لا بد من ان يعقبه ملاحم بناء واعمار. وقد اتخذ السياسات الكفيلة بتحسين الاوضاع والتقارب بين الاقاليم باتباع خطتين اصلاحيتين سياسية - اقتصادية بهدف نقل مجتمع قبلي متفرق الى مجتمع متماسك توطين البادية. اما برنامجه السياسي فقد هدف من ورائه صهر القبائل التي كانت آنذاك وحدات سياسية مستقلة، واستطاع من خلال ادوات متعددة تحقيق التآلف ولم الشمل حتى انجز ملحمة التوحيد البطولية. وبقراءة متأنية لأول بنود الصرف في اول ميزانية للحكومة عام 1351ه 1930م نلحظ اهتمام الملك عبدالعزيز في انفاق 38 في المئة من الموازنة لارساء دعائم الدولة ممثلة في تحقيق الاستقرار ونشر الدعوة من خلال بنود الدفاع والأمن العام والقضاء والنيابة والأمر بالمعروف. وتمثل البرنامج الاقتصادي للاصلاح النقدي في القضاء على الفوضى النقدية الظاهرة في وجود عديد من العملات المتداولة، فتم سحب العملات وحل مكانها "الريال المجيدي". وبعد فترة جرى سك عملة تحمل اسم سلطان نجد الى ان تم اصدار ريال الفضة السعودي عام 1346ه 1925م. وعندما انشأ الملك عبدالعزيز مؤسسة النقد العربي السعودي لتكون بمثابة بنك مركزي، وقد تولت فيما بعد اصدار اول عملة ورقية عام 1380ه 1960م تقريباً وسحب العملات المعدنية المتداولة ما ساعد في انضمام المملكة لصندوق النقد الدولي. كما استطاع الملك عبدالعزيز رحمه الله احداث نقلة اقتصادية كانت ولا تزال في نظر الخبراء الاقتصاديين معجزة اسهمت في وضع اسس ولبنات مجتمع متماسك كان في ما مضى يعيش حياة الترحال والتنقل بحثاً عن الماء والكلأ. وتمكن من خلال رؤية استشرافية تبني مشروع "توطين البادية" حتى يحقق نوعاً من الاستقرار في المعيشة للبدو الرحل، واتبع ما سمي آنذاك بنظام "الهجر" واختار مواقع لها قريبة من المياه وعمد الى تشجيع القبائل على تحويل خيامهم الى بيوت طينية يتم بناؤها، الى جانب تعليمهم اساليب الزراعة. وبلغ عدد الهجر التي انشئت 132 هجرة تضم 12 قبيلة تعدادها 77 الف نسمة. ادرك الملك عبدالعزيز ان شح موارد دولته لن يحقق تطلعاته لبناء وارساء دعائم التنمية ولذلك لم ير بأساً في استقدام جيولوجيين للبحث والتنقيب عن النفط ومنح شركة "ستاندار اويل كومباني اوف كاليفورنيا" امتياز التنقيب في 4 صفر 1352ه 1932م. وتوالت عمليات التنقيب حتى استطاعت المملكة تدشين اول شحنة نفط سعودي عبر ميناء الخبر يوم العاشر من رجب 1357ه 1937م وبذلك تمكن البترول من ان ينقل ويعزز مكانة المملكة الاقتصادية الى موقع افضل فهي تمتلك اكبر احتياط نفطي في العالم، وقد مكنتها العائدات النفطية من انتاج خطط تنموية طموحة تبناها ابناء الملك عبدالعزيز. وكان من نتائج عائدات مدخولات البترول تزايد النزوح المستمر وباعداد كبيرة من الصحراء الى المراكز الحضرية والريفية، وازدهار الانحاء الزراعية بالمنطقة الشرقية والتي اسهمت في امداد مناطق المملكة المختلفة بالمنتجات الزراعية، فيما اسهمت منطقة الحجاز في تعزيز الحركة التجارية الداخلية والخارجية. واسهمت الموارد النفطية في وضع اللمسات الاولية للقطاعات الاقتصادية التي شكلت فيما بعد واحداً من اقوى القطاعات الخاصة في العالم العربي. وتدفقت مشاريع المقاولات التي كانت تقريبا النشاط الاساسي لمعظم رجال الاعمال في دولة حديثة ناشئة، اعقبها القطاع العقاري الذي تولدت فيه فرص ذهبية لم تتكرر في مناطق كثيرة من العالم. فالمجتمع ينمو بسرعة، والمدن تتوسع بشكل اسرع، وهكذا دواليك. وتعتبر الفترة من العام 1947 وحتى العام 1952 نقطة تحول مهمة في مسيرة الاقتصاد السعودي اذ شهدت الارتفاع المتزايد في اسعار النفط ما شجع على تأسيس اول مصفاة لتكرير البترول في رأس تنورة وافتتاح اول محطة اذاعية وانشاء معهدين للمعلمين وانشاء وزارات الداخلية والمواصلات والصحة والمصارف والزراعة… وتنامى آنذاك دخل الفرد نتيجة الزيادة في اسعار البترول. وتبنت المملكة منذ بداية نشأتها العمل على تطوير الاقتصاد الوطني وذلك عن طريق استراتيجيات وبرامج تنموية. وركزت خطة التنمية الاولى عام 1970 على رفاهية الوطن والمواطن ومثلت نقطة تحول رئيسية في مسيرة الاقتصاد، اذ تمكنت المملكة من بناء استراتيجية تنموية مميزة ساعدتها في تمثيل هيكلها الاقتصادي الذي استطاع بدوره ان يحقق انعكاسات ايجابية على ادارة وكفاءة الاقتصاد وتطوير قطاعاته المختلفة. أبرز خطوات الملك عبدالعزيز الاقتصادية - عام 1924 أنشئت مصلحة الصحة العامة. - عام 1927 عقدت اتفاقية جدة مع الحكومة البريطانية لاقامة العلاقات بين البلدين. - 1929: أنشئت وكالة المالية العامة في الرياض كما أنشئت مديرية الشؤون العسكرية للاشراف على اعادة تكوين الجيش السعودي. - 22 ايلول سبتمبر 1932 تم اعلان توحيد المملكة ليصبح لقب عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية. - 1933: أبرمت اتفاقية جدة لمنح شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" امتيازاً للتنقيب عن البترول في المملكة. - 1933: تم عقد اتفاق مؤقت لاقامة علاقات بين المملكة والولايات المتحدة الاميركية. - 1934: تم وضع أول ميزانية للدولة وتعيين عبدالله السليمان لمنصب أول وزيراً للمالية. - 1936: عقدت معاهدة صداقة بين المملكة ومصر. - 1937: أنشئت أربع مدارس لتعليم الهاتف والبرق واللاسلكي. - 1938: أنشئت بالمملكة سبع مطابع، ثلاث في مكةالمكرمة وثلاث في جدة وواحدة في المدينةالمنورة. - 1938: تحقق النجاح في حفر أول بئر للبترول في الظهران وسميت بالبئر رقم1، وتم تصدير أول شحنة من البترول السعودي. - 1939: أنشئت أول ادارة للطيران، ودخلت المملكة أربع طائرات من ذات المحرك الواحد. - 1942: استقدم الملك عبدالعزيز بعثة أميركية لاجراء دراسات فنية لمعرفة الاراضي الصالحة للزراعة. - 1948: أنشئت مديرية الزراعة في جدة للعناية بمياه الري والزراعة. - 1948: أنشئت أول محطة لتوليد الكهرباء وأدخلت الانارة الكهربائية في الرياض. - 1952: سكت النقود المصرفية وصدرت للمرة الاولى أوراق النقد البنكوت. - 1953: تم انشاء وزارة المواصلات.