مركز الحياة الفطرية: إدراج «الثقوب الزرقاء» و«رأس حاطبة» ضمن قائمة المحميات الوطنية يعزز الريادة السعودية في الحماية البيئية    البيئة تحتفي بيوم الغذاء العضوي بإنتاج يتجاوز 98 ألف طن    رونالدو: «أنا سعودي»... ومونديال 2034 سيكون الأجمل    انطلاق منتدى TOURISE في الرياض لرسم ملامح مستقبل قطاع السياحة العالمي    أمير تبوك يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    الطائرة المجنحة.. أحدث وسائل المراقبة الأمنية للحجاج    وزير الحج والعمرة يلتقي بأكثر من 100 وزير ومفتي ورئيس مكتب شؤون الحج ويحثهم على استكمال إجراءات التعاقد قبل 15 رجب    منصة إحسان تدعم جمعية الإعاقة السمعية بجازان بمشروع توفير الأدوية للمرضى المتعففين    مجلس الوزراء: الموافقة على نظام حماية المؤشرات الجغرافية    القيادة تعزي رئيسة جمهورية سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    الهيئة السعودية للتخصصات الصحية تعتمد برنامج جراحة الفم والوجه والفكين في تجمع تبوك الصحي    المنتخب السعودي على مشارف التأهل في مونديال الناشئين    بيان في الشباب بشأن أزمة الحارس بوشان وقرار الفيفا    المشهد السياسي العراقي في ضوء الانتخابات البرلمانية الجديدة    المملكة تشارك في مؤتمر الإنتربول العالمي لمكافحة الفساد واسترداد الأصول    أمانة الشرقية تحصد المركز الأول في فئة أفضل مشروع اجتماعي    أمير الشرقية يكرم مدارس المنطقة بدرع التميز والاعتماد المدرسي    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بولندا بذكرى إعلان الجمهورية لبلاده    مجموعة شركات SAMI تحصد ثلاث جوائز للتميز في توطين الصناعات العسكرية    ب "رؤية ما لا يُرى".. مستشفى الملك عبدالله ببيشة يُفعّل اليوم العالمي للأشعة    الفقد والادعاء.. حين يساء فهم معنى القوة    قصيدة اليقين    أنت أيضا تحتاج إلى تحديث    هجوم روسي بمسيرات يوقع قتيلا شرق أوكرانيا    لماذا دخل الشرع البيت الأبيض من الباب الجانبي؟لأنها زيارة خاصة لا رسمية    سعر برميل النفط ينخفض إلى 63.93 دولار    «الشورى» يدعو مركز المناطق الاقتصادية في الرياض لاستكمال البناء المؤسسي والخطة الإستراتيجية    ضبط 21647 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    «التواصل الحضاري» ينظّم ملتقى التسامح    وسط ضغوط على المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. الاحتلال يمنع خروج المحاصرين في أنفاق رفح    علامات تكشف مقاطع الفيديو المولدة بال AI    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء الخميس    تحت رعاية ولي العهد.. تنظيم المؤتمر العدلي الدولي الثاني بالرياض    لجان الكرة وقرارات غائبة أو متأخرة    شلوتربيك أولوية لبرشلونة في يناير    النصر يتصدر بالمحلي    يوثق التحولات التاريخية والحضارية للمشاعر.. «الدارة» تطلق ملتقى تاريخ الحج والحرمين    وعكة صحية تدخل محمد صبحي المستشفى    1.7 مليون دولار تعويضاً على تنمر النظارات    أمريكي يبحر 95 كيلومتراً داخل يقطينة    يتباهون بما لا يملكون    تقديراً لجهودها في إبراز خدمات المملكة لضيوف الرحمن.. نائب أمير مكة يكرم وزارة الإعلام بمؤتمر الحج    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    موجز    ممرض ألماني يخدر المرضى ليهنأ بليلة هادئة    موانع حمل للرجال (1)!!؟    الأخضر تحت 19 عاماً يدشن تدريباته في معسكر الأحساء استعداداً لكأس آسيا    خديعة القيمة المعنوية    أزمة الأطباء الإداريين    "مسام" ينزع (1.044) لغمًا من الأراضي اليمنية خلال أسبوع    البنيان يرعى «التعليم المنافس» في «الملك سعود»    «الرياض الصحي»: البحث العلمي شريكٌ محوري في التحول الصحي    رئيس جامعة جازان يطلق منصة "ركز" للاستثمار المعرفي    القصيم: فرع الشؤون الإسلامية يُتعامل مع 1169 بلاغًا خلال الربع الثالث    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول ليوناردو دي كابريو والأفاعي والسعادين
نشر في الحياة يوم 04 - 06 - 1998

قبل مجيئه الى باريس لتقديم شريطه الجديد "الرجل ذو القناع الحديدي"، بعث لي ليوناردو دي كابريو عبر البريد الالكتروني رسالة مقتضبة تقول بالحرف: "عزيزي المعطي، سأصل باريس بعد ايام وأود رؤيتك. سأخابرك لدى وصولي". طبعٌ رهيف، وخاطرٌ صقيل! أعرف ليوناردو لما كان عمره ستة عشرة سنة. كان في رفقة والدته في زيارة الى مراكش. صادفتهما على مشارف حي سيدي يوسف بن علي، وهو حي شعبي، وقد ضلا طريقهما الى فندق المامونية، وعَصَر محياهما قيظ المدينة. كنت عائداً من صيد الافاعي التي تزخر بها المدينة. في الوقت نفسه الذي مكّنتني هذه "المهنة" من تغطية حاجيات الدراسة، أكسبتني بعض الشهرة لدى ممثلي بعض المختبرات الصيدلية، وبخاصة منها الالمانية، التي اوفدت صحافياً في مجلة "دير شبيغل"، اجرى تحقيقاً وافياً عني في عنوان "العسل في السم".
في عربة "الكوتشي" التي حاذت اسوار المدينة، فيما كنت افسّر لمدام دي كابريو ما قاله ابن سينا في موضوع سُمّ الافاعي وفضائله العلاجية على جسد الانسان، كان ليوناردو، وتسمّيه امه ليوني، يضع الصندوق على اذنه لينصت الى حثيث الافاعي بداخله.
لما فاتحتني والدته في حس المغامرة الذي يُميّز ابنها، عرضت عليها للتو أن تسمح له بمرافقتي في احدى الجولات.
- "الافاعي Yes... Yes.." ورتب شاكراً بسلسلة قبلات على خدّ والدته.
ما بين ما يُروى عن فندق المامونية ورؤيته، فرق ما بين السماء والارض.
شعرت، وأنا الى جنب ضيوفي الجدد، انني عار تماماً، لشدّة بهرجة الانوار ودسامة الخضرة ونعومة الزوار والديكور.. وللتوّ، تذكّرت قولة تكرّرها والدتي صباح - مساء: "قبّح الله الفقر - والفقراء - من امثالك!"... لكن اشد ما اثارني هو صفاء ماء المسبح، فيما تعوّدت على الغطس في الماء الداكن للمسبح البلدي الذي يتخلّى فيه البؤساء مثلي من اوحالهم مرة في الاسبوع! غادرت الفندق بخفّيْ حنين بعد ان لعقْتُ ايس كريم بعبير الكاكاو، اهدته لي مدام دي كابريو. وفي الغد، وكنت برفقة ليوناردو، استقبلني بعض اصدقاء المهنة بتعاليق على الطريقة المراكشية من نوع: "كنا نحسبك تصطاد الافاعي لا الغزلان"، "انقلبت الآية يا المعطي وستفوز بالغنيمة..." الخ...
ولما يستفسرني ليوناردو عن ضحكاتهم المتواصلة، كنت اجيبه بأنهم يخافون عليه ان يذوب تحت قيظ مراكش مثلما يذوب الشمع! لكنه كان ينفخ صدره وعضلاته لتبيان انه متين الخلقة. وقصّ علينا ونحن مجتمعين من حول سدرة شبه عارية رحلته الى ما اسماه بجحيم التكساس، حيث تقارب الحرارة 54 درجة مئوية! وأعترف ان الفتى أبان عن مهارة نادرة في اصطياد الافاعي. وفي استجواباته العديدة، بعد ان تحوّل اليوم الى اسطورة حيّة، لم يشر البتّة الى براعته في اصطياد الحيات!
غادرا المغرب بعد ان طُفت بهما ارجاء المدينة ومن دون ان اتمكّن من دعوتهما الى تناول وجبة كُسْكسي على الطريقة المراكشية، اي كُسْكسي بالخضر السبع!
وبقي الاتصال حياً بيننا، حتى بعد مغادرتي للمغرب. بعثتْ لي مدام دي كابريو حزمة صور تذكارية: ليوناردو في ساحة جامع الفنا ومن حول عنقه ثعبان نسميه بالثعبان الزحّالي المعروف بلدغته القاضية، وأطلق عليه صيادو الثعابين مايك تايسون. في لقطة اخرى، يشاهد ليوناردو وعلى كتفه قرد يطلق عليه المراكشيون اسم "سويسا" ويعتبر محط حكايات كثيرة منها انه حفيد لقرد كان يُقاسم ونستون تشرشل، في فندق المامونية، مائدة الاكل وفسحاته في بساتين الفندق... في رسائلها، لم تشر مدام دي كابريو، ولو مرة واحدة بأن ابنها مثّل وهو في التاسعة من عمره في اشرطة تلفزيونية او انه يسعى الى ان يصبح نجماً سينمائياً. ويوم قامت القيامة من حول شريطه "تيتانيك"، الذي لم تتسنّ لي بعد فرصة مشاهدته، هتفت الى مدام دي كابريو لأهنئها. وقالت لي ان "ليوني" لا يزال يذكرك، ويود لقاءك في باريس. وبالفعل خابرني ليوناردو وفي المساء. لما اخبرت زوجتي بالنبأ، ضحكت الى ان تمكّن منها السعال: "اتقِ الله يا رجل. تكذب مثلما تتنفّس! وإنني خائفة على صحتك الذهنية". التقيت سالمة منذ خمس سنوات في حفلة الراي للشاب مامي. غنينا معه الغربة ورقصنا للتخلص من اثقال الاسى. الى البهاء العربي، تمتاز سالمة بذكاء ثاقب" وهذا ما يفسر نجاحها مهنياً، بحيث تشغل منصباً محترماً في احد دور النشر. بعد زواجنا، خططنا لمشاريع كثيرة، لم ير معظمها النور. والحق عليّ.
"اليوم ليوناردو دي كابريو، وغداً؟ هل سنستضيف كوفي أنان ليفضّ النزاع الذي ما انفك يستفحل بيننا؟ طُردت من العمل، رغم انك حامل لشهادة في الالكترونيات. وتقضي معظم وقتك امام الكومبيوتر لفك رموز الكلمات المتقاطعة، او امام التلفزيون متنقّلاً من قناة الى اخرى. والآن تخبرني بأن دي كابريو سيكون ضيفاً علينا في وجبة كُسْكسِي؟ فليكن. سأهيّئ كل شيء. لكن اطلب منك شيئاً واحداً: ان تأخذ صوراً معه! ستُسلّط عليك الاضواء، ونخرج من محنتنا. هيّا قم وسنرى طول حبل كذبك!".
بعد ساعة ونصف كان البيت جاهزاً والعمارة تعبق برائحة الكُسْكسِي، الذي تسبّب لي غير مرة في خصومات مع بعض الجيران الذين اشتمّ فيهم رائحة جان ماري لوبان! في حدود التاسعة والنصف لا ذكر لدي كابريو. "مرة اخرى سخرت مني. لكنها الاخيرة". اخذت سالمة حقيبتها وغادرت البيت قاصدة ضاحية بوبيني حيث تقيم عائلتها.
وفي الحادية عشرة والنصف وأنا اشاهد نشرة الاخبار امام صحن كُسْكسِي، ظهر ليونردو دي كابريو رفقة الممثل الفرنسي جيرار دو بارديوه في مقهى "بلانيت هوليوود"، وأمامهما اطباق لرقائق البطاطس والهامبرغر، وكل منهما يكيل المديح للآخر على ادائه في شريط: "الرجل ذو القناع الحديدي".
"طفّشت" الصورة وانتقلت الى القناة المغربية الاولى، حيث تمتعت الى ساعة متأخرة بالهزات المكتنزة لراقصات خريبكة المعروفة بأصواتها المبحوحة وقدراتها على مصالحة الروح مع نفسها! لكن في حدود الثالثة صباحاً، الواحدة حسب التوقيت المغربي، اهتز الباب تحت دقات البوليس الذي ناداه الجيران تبرّماً من الصخب ورائحة الكُسْكسِي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.